الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد فضيلة الشيخ الدكتور عمر بن عبدالله المشاري السعدون كاتب العدل، المستشار الشرعي وعضو اللجان الشرعية أن العقيدة تُعدّ الأساسَ الذي تُبنى عليه شخصية الإنسان وأفعاله، إذ تشكّل الإطار المعرفي والقيمي الذي يوجّه السلوك ويضبط الانفعالات ويحدّد المواقف. فالفكر مولِّد السلوك، وكل انحراف اعتقادي ينعكس اضطرابًا سلوكيًا وأخلاقيًا، كما أن سلامة العقيدة تؤدي بالضرورة إلى استقامة السلوك، مشيراً إلى ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية أن: «صلاحُ أعمالِ العباد بصلاحِ عقائدهم»، وبيّن ابن القيم أن القلب إذا صلح صلح الجسد كله، باعتباره المنبع الأول للأعمال.
ويكشف د.عمر السعدون في تحقيقه العلمي لـ«الجزيرة» أثر العقيدة الصحيحة والعقائد المنحرفة على السلوك والأخلاق، وذلك وفق الآتي:
أولًا: أثر العقيدة الصحيحة على السلوك والاخلاق:
1 - تعزيز مراقبة الله وتقوية الباعث الداخلي على الاستقامة
قال تعالى : {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}، وقال تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}، وجاء في الحديث «اتق الله حيثما كنت» - أخرجه الترمذي، وجاء أيضا «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه» - متفق عليه، والإحسان أرقى درجات المراقبة، قال ابن تيمية: «المراقبة أصل أعمال القلوب»، وقال ابن رجب: «أصل المراقبة العلم باطلاع الله»، وقال ابن القيم: «من راقب الله في خواطره عصمه الله في جوارحه».
2 - تهذيب الأخلاق وبناء منظومة القيم
قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}، وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا}، وجاء في الحديث:»أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا» - الترمذي، وجاء في الحديث: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم» - أبو داود.قال ابن القيم: «الأخلاق الفاضلة ثمرة التوحيد»، وقال الشاطبي: «التوحيد أصل الأعمال».
وقال ابن رجب: «حسن الخلق من ثمار الإيمان».
3 - تعزيز الصبر والثبات
قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}، قال تعالى: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، وقال تعالى: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}، وجاء في الحديث «إنما الصبر عند الصدمة الأولى» - البخاري، وجاء في الحديث: «ومن يتصبّر يصبّره الله» - البخاري.
قال ابن تيمية: «الإيمان بالقدر يورث الطمأنينة»، وقال ابن القيم: «لا يجتمع الصبر والجزع»، وقال الطبري:»إنا لله:أي العبد مملوك لله».
4 - الدفع نحو العمل والإنتاج
قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ}، قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ}، جاء في الحديث «المؤمن القوي خيروأحب الله من المؤمن الضعيف..» - مسلم.
وجاء أيضا: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه» - الطبراني، قال ابن تيمية: «الإيمان قول وعمل»، وقال ابن القيم: «الدين علم وعمل».
5 - تحقيق الطمأنينة النفسية
قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم}، وقال تعالى: {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ}، وجاء في الحديث: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا» - مسلم، وجاء في الحديث: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان»- متفق عليه، قال ابن القيم: «لا راحة للقلب إلا بعبادة الله»، وقال السعدي: «الطمأنينة ثمرة الإيمان»، وقال ابن رجب: «انشراح الصدر من تجريد التوحيد».
ثانيًا: أثر العقائد المنحرفة على السلوك والأخلاق:
1 - ضعف الانضباط السلوكي:
قال تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ}، قال ابن تيمية: «البدعة أصل الفساد»،
وقال ابن القيم: «فساد العمل تابع لفساد الاعتقاد».
2 - الانحراف الأخلاقي:
قال تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ}، قال الشاطبي: «البدع تغيّر وجه الحقائق».
3 - التطرف والغلو:
قال تعالى: {لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ}.
وجاء الحديث: «إياكم والغلو» - النسائي، قال ابن تيمية: «الغلو من أعظم أسباب الهلاك»، وقال ابن القيم: «الغلو يفسد كل شيء».
4 - أثر عقيدة الجبر:
قال تعالى: {لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا}، قال السعدي: «الاحتجاج بالقدر حجة المشركين».
5 - الاضطراب النفسي:
قال تعالى: {فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء}، قال ابن القيم: «الشرك يشتت القلب».
ثالثًا: خطر إخراج العمل من مسمى الإيمان وأثره:
1 - العمل جزء من الإيمان:
قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}، وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ}، قال الإمام أحمد: الإيمان قول وعمل.
قال البخاري: لقيت ألف عالم يقولون الإيمان قول وعمل.
قال ابن تيمية: «إخراج العمل قول المرجئة».
2 - ضعف الدافع على الطاعة:
الحديث: «والله لا يؤمن.. الذي لا يأمن جارُه بوائقه»- البخاري.
قال ابن القيم: «إخراج العمل فتح لباب المعاصي».
3 - ضعف التقوى:
قال الأوزاعي: «الإيمان يزيد وينقص».
4 - ذوبان الهوية الدينية:
قال البربهاري: «لا يكون الرجل مؤمنًا حتى يصدق فعله قوله».
وعليه فإن العقيدة الصحيحة تصنع السلوك المستقيم والأخلاق الحسنة، والعقائد المنحرفة تفسد السلوك والأخلاق، وإخراج العمل من الإيمان خلل خطير يهدم البناء الايماني والتربوي.