Culture Magazine Monday  02/07/2007 G Issue 205
الملف
الأثنين 17 ,جمادى الثانية 1428   العدد  205
 

الخطراوي شخصية ثرة
د. عالي القرشي

 

 

محمد العيد الخطراوي شخصية لها حضورها الواضح في أبعادها المختلفة، فهي ثرية في بعدها الاجتماعي، وبعدها الإنساني، وبعدها الثقافي.. كل من عرفه وتحدث معه ولو لفترة قصيرة يدرك ما تنطوي عليه هذه الشخصية من ثراء وتنوع، يدرك سرعة البديهة، وحضور النكتة، وتوظيف السخرية.

وقد انعكس هذا الثراء على حديثه حين يحلو له الانهمار، فتجد فيه التنوع بين التأصيل لقضايا لغوية أو فكرية، وبين الإشارة إلى أخطاء شائعة، أو السخرية من مقولات جارية، وتطعيم ذلك الحديث بنتف من النكات المرحة والمنتقاة.

يتحدث في مقال له عن العلاقات العامة، فيضع ذلك في إطار الإيقاع، ويعن له أن يحدث قارئة عن خطورة سير كتيبة عسكرية منتظمة الإيقاع فوق جسر من الجسور فيقول (فقد تتفق إيقاعات أرجل الجند مع إيقاعات الجسر، فيستجيب لحركتهم، ويميل حيث يميلون تأخراً وتقدما، فينفتح، ويسقط بهم.. فعلى العسكريين بمجرد وصولهم إلى الجسر أن يمضوا من فوقه بخطوات عادية لا تثير شجونه، ولا تقتدح إيقاعاته، فيتحقق وقوعه ووقوعهم من فوقه، وكم من علاقة بين الإيقاع والقاع والوقوع !) (متابعات ومبادآت ص22).

ولا يتحرج الخطراوي من ذكر الوقائع بصدقها، فكثيرا ما يصدمه سوء الاستماع لشعره أو قلة الحضور فيذكر ذلك ويعلق عليه ويبسط الأمر وهو في نقده ممحص، بل متتبع مُعَرّ، انظر إليه يتابع شاعراً من الرواد، يحمد له الريادة، ثم يقول عن شعره (... واسترسلت في تصفح ديوانه على أمل أن أجد ما يدل على تنامي شاعريته بحكم الزمن والخبرة الفنية فوجدته كما هو، لم يتغير قيد شعرة، فعلمت أنه ليس في الإمكان أبدع ما كان... بل ظلت صياغته في حاجة إلى حسن السبك، وقوة البناء، وجمال التصوير) (متابعات ومبادآت ص183)

وأما محمد الخطراوي الشاعر، فهو شاعر يستبطن الألم، ويلتئم مع التمزق، فتغدو الذات وعالمها في حالة بحث عما يقيها من غائلة ذلك التشظي، وتروق له في هذه الحال قصيدة التفعيلة باندياحاتها، وانزياحاتها، وأسئلتها المفتوحة، ورموزها المقهورة، والأخرى الباعثة على الأمل، انظر معي هذا المقطع الذي يبحث فيه عن امرئ القيس:

وساءلت عنك بتيماء حصن (السموأل)

أثخنت كل الدروب سؤالا

وأرهقتها بالتجول

همسا وجهرا

فلم ألق غير الصدى

صامتا يحتضر

فلملمت نفسي

وعدت وجيعا

يقصِّف أوردتي اليأس

يلجمني الصمت

يلقمني الشك ألف حجر

لأحيا حياة الأسى والضجر (تأويل ما حدث ص64)

فتجد بحثاً وسؤالاً وتجوالاً تؤول إلى الصمت، إلى غلبة الشك، إلى ارتداء الأسى والضجر والقناعة بهما.. هنا نجد الذات عارية مكشوفة أمام عاديات الزمان، نجد الصدق الذي ينأى عن التزيين، نجد الصمت الخارج من براثن الجهارة والحضور الأبدي، تجد الوجع البائن والشاخص على إطار الوجاهة والارتياح.

وعلى الرغم من هذه الشكوى المرة في شعر الخطراوي فإن الذائقة الجمالية تجد ثراء في شعره، تجعل الشكوى ذات انتقالات أسلوبية ما بين الخطاب إلى السرد إلى الحوار ففي قصيدة له بعنوان (الموت ليس واحدا) يبدؤها بقوله:

كيوم أن ولدت هكذا أموت

منفرداً، مغتربا، يحتله السكوت

والموت ليس واحداً

وفي يدي وثيقة مهزئة

تقول: إني ميت من ألف عام

(تأويل ما حدث ص100)

ليقول بعد ذلك:

أميت حقا أنا من ألف عام

والموت ليس واحداً

أم أنني على سنامها أموت..؟

فالحظ هذا الانتقال من الخبر إلى الحوار حول الذات.. ليصبح الجدل حول هذا الموت محور الحوار في النص ليقول:

إذن..! لم الضوضاء والصخب..؟

لم الجذوعُ والنيران والحطب..؟

تكتظ بالخبوت والخيوف..؟

معلنة أشواقها بصوتها الملهوف.

ص (101)

فنصل إلى مفارقة عميقة بهذا الشوق وهذه اللهفة إلى إحراق الذات...

هذا هو الخطراوي في مساحات متعددة تأصلت بأصول علوم العربية والشريعة والفرائض، وانبجست منها عطاءات ثرية في التأليف العلمي والثقافي، وقيادة الحراك الثقافي، وإثراء الندوات والمؤتمرات، ولم تكف تلك العطاءات عن الانهمار الشعري، والوفاء لحق الثقافة والأدب، والمشايخ والأصدقاء.

الطائف


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة