Culture Magazine Monday  05/11/2007 G Issue 221
فضاءات
الأثنين 25 ,شوال 1428   العدد  221
 

رِسالَةُ الشَاعِر
أوس الشمسان

 

 

(سيرانو دي برجراك) أو (الشاعر) هي رواية للأديب الفرنسي إدموند روستان أعاد صياغتها الأديب الرائع مصطفى لطفي المنفلوطي بعد ترجمتها للعربية. تحمل تلك الرواية أثراً عميقاً في نفسي وتعيد لذهني مرحلة جميلة من حياتي وأحسب أن لا قارئ للأدب الحديث إلا قد توقف عندها فأصابت في نفسه ما أصابت. تدور الرواية حول شخصيات ثلاث:

سيرانو: وهو الفارس الشاعر الكريم الخلق إلا أن دمامة خلقته وكبر أنفه كانا ألد أعدائه..

روكسان: ابنة عم سيرانو التي أحبها من كل قلبه

كريستيان: فارس وسيم في كتيبة سيرانو لكنه ليس في قوته ولا فصاحته.

أحبت روكسان كريستيان وقد كان سيرانو يحبها إلى حد الجنون، وفي يوم من الأيام أرسلت روكسان خادمتها تستدعي سيرانو فتملكه الجذل وأعد رسالة حب لها، إلا أن القدر لم ينله ما أراد؛ فقد باحت روكسان لسيرانو بحبها لكريستيان وطلبت من سيرانو أن يحميه في الحرب لأنه سيكون أحد فرسانه في وحدته وتحت إمرته.

لم يمتلك سيرانو غير الانصياع لرغبتها لأنه يريد لها السعادة وعاهد نفسه ألا يفضح السر أبداً، ولأن كريستيان لا يملك من الفصاحة ما يدغدغ به قلب روكسان ظل سيرانو يكتب لها رسائل باسم كريستيان. وفي يوم أراد كريستيان أن يكلمها من تحت شرفتها فكان سيرانو معه مستتراً، وكان سيرانو يتحدث وكريستيان يحرك شفتيه أمامها وهي تسمع وتختال.

وتزوج الحبيبان قبيل الحرب، وظل أثناءها سيرانو يدافع عن كريستيان كما وعد وكان يكتب لروكسان كل أسبوع رسالة باسم كريستيان ويوصلها بنفسه لها إلى أن قُتِل كريستيان في الحرب. فحزنت روكسان عليه واعتزلت إلى دير كرست حياتها له. فأصبح سيرانو يزور روكسان كل يوم أحد ليقرأ لها آخر رسائل كريستيان تلك الرسالة التي خطتها أنامله، فهو يحفظها عن ظهر قلب.

وفي يوم أحد زارها سيرانو وقد التهب جرح في رأسه من غدر غادر أراد قتله فلم يفلح، فبدأ يقرأ لها كالعادة، وبينما هو كذلك، رأت روكسان الورقة تسقطت من بين يديه وما يردده إنما هو من قلبه، فأخبرته أنها تعلم أن من أحبته كانت روح سيرانو التي ملأت قلبها كلماته..

فمات بين يديها.

كانت هذه الرواية من أجمل ما قرأت... وبينما أنا أتذكر هذه الصورة أحسست أن سيرانو مات ولم يقرأ رسالته الأخيرة، ولم يكتب لها رسالة باسمه هو...

لذا أحببت أن أعطيه هذه الفرصة، فكتبت على لسانه رسالته الأخيرة...

بَذَلتُ لِمَن تَهواهُ رُوحِي فُؤَادِيا

ألا عَبثًا أَرجُو لِمَا فِيَّ شَافِيا

أَغَرَّكِ إذْعانِي لحبي لِتَأمُرِي

فُؤادِيَ أنْ يَفنَى فَلَبَّاكِ رَاضِيا

أَتُشجِيكِ أَحزانِي وَتُدمِينَ خَافِقِي

فديتُكِ تَجْتَثِّينَ ما كَانَ خَافِيا

وأبدَيتُ أشَواقًا فَلَمْ تَفطنِي لَها

أَذَنبِيَ أني أُظهِرُ الحُبَّ صَافِيا

وَشِئتُ بِأن يُلقَى وِصَالٌ على النَّوى

فَألقَيْتِني صَدًّا وَقَلبًا مُجَافِيا

وَجَاهَدتُ فِيكِ الدَّامِعَاتِ عَن البُكَا

وكَم تَستُرُ الدُنيا قُلُوبًا بوَاكِيا

سَألْتكِ يا رُوكسانُ بُوحي بِعِلِّةٍ

بِهَا بِنتَ عَمِّي أستَحِقُّ التَّنَائِيا

فإِنْ تَزدَري خَلقِي فَما كُنتُ خَالِقِي

ولكِنْ بِأخْلاقِي بَلَغْتُ الأعَالِيا

وإِن تَطلُبِي رُوحِي سَعَتْ بِي حَثِيثَةً

إِلَيكِ فَتُدنِي في رِضَاكِ الأقَاصِيا

أَلَمْ تَعلَمِي أنَّ المحِبَّ إِذَا فَدَى

حَياةَ الذِّي يَهوَى أصَابَ الأمَانِيا؟!

سَأُهدِيهِ أَنفَاسِي فَيَحيَى بحُبِّها

وأُوتِيهِ آمَالي بِمَا كُنتُ رَاجِيا

وعَينانِ مِن عَينَيكِ فاضَتَ مِياهُها

تَفَجَّرُ أشعَارًا وَتَروِي قَوافِيا

وَهَل لِي بِمَا بَينَ العِذَارَينِ مِن يَدٍ

إذَا سَوَّدَا قَلبًا لكَفَّيكِ جَاثِيا

مُعَذِّبتي بانَتْ ولَمْ تَدرِ أنَّها

تَظَلُّ شُجُونًا فِي فُؤَادِي كَمَا هِيَا

تَوَلَّتْ عَلى دَقَّاتِ قَلبِي لِخَطْوِهَا

تُكَتِّمُ آهَاتٍ وَشَتْ بِي لَيَالِيا

فَمَا خَلَّفَتْ لِي غَيرَ عَينٍ كَلِيلَةٍ

تَفِيضُ فَأينَ الشَّادِنَاتِ الجَوازِيا؟

وغَيرَ سُوَيعَاتٍ قَضَتهَا بِصُحبَتِي

ذَوَينَ كَعُودِي فَاستَحالَتْ ثَوانِيا

قُتِلتُ بلا ذَنبٍ لأني عَشِقتُها

وسَلَّمتُها قَلبًا مِن الشَّوقِ ذَاويا

وغَادَرتُ لا أَدرِي أَمَوتِي أَم الذِّي

دَفَنتُ غَدَاةَ البَينِ هاجَ المرَاثِيا

فإِنْ عُدتِّ يا رُوكسانُ صَلِّي لشَاعِرٍ

أحبَّكِ حتى صارَ بالرمسِ ثَاويا

وَطوفِي على قَبرِي وَجُودِي بِدَمعَةٍ

تُنَدِّي ثَرَى من فَارَقَ النَاسَ ظَامِيا

- كندا


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة