Culture Magazine Monday  05/11/2007 G Issue 221
فضاءات
الأثنين 25 ,شوال 1428   العدد  221
 
الحلقة المفقودة
جاسم الرصيف

 

 

لم تأخذني الدهشة, قدر ما أخذني الألم وأنا اتصفح دليلاً ضخماً متخصصاً في تسويق الرواية والقصة القصيرة فقط في أميركا, وعلى طبعته السادسة والعشرين, التي جاءت على مدى (648) صفحة من القطع الكبير عرضت على القارئ (1300) دار نشر ومجلة أدبية ومرجعاً للمسابقات الأدبية وأماكن اللقاءات الدورية الخاصة بالأدباء ووكلاء أعمال تخصصوا في تسويق كتاب الرواية والقصة القصيرة, مع عناوينهم الكاملة وشروطهم العلنية المطروحة للمهتمين بها.

ليس (مدهشاً) أن يجد المتابع كل هذا العدد الكبير من الجهات المتخصصة: في الرواية والقصة القصيرة فقط في بلد مثل اميركا, ولكن المؤلم لقارئ او كاتب عربي ان يقارن وضعه المزري بهذا الحجم والنوعية في بلد آخر، على حقيقة وجود عدد مماثل من البشر في الدول العربية, يختلف في معظم مواصفاته الخاصة بالقراءة وتسويق الكتاب, حدّ الشعور بالوجع على أمة كبيرة بحجم أمتنا تمتلك كل مقومات النهضة الفكرية مع كل مقومات النكوص في آن عن منافسة الأمم الأخرى التي تعلّمت مبادئ الكتابة من شرقنا العجيب.

(أدركته حرفة الأدب!!), نبؤة عربية قديمة قيلت ومازالت تقال بحق كل من تورّط بامتهان الكتابة في عالمنا العربي, قابلتها ليس في التنبؤ وإنما بالدليل الموثق الملموس أرباح تقدر بمليارات الدولارات تنهال على المؤلفين والناشرين ووكلاء الكتاب, في أوربا وأميركا بشكل خاص, حيث يتقاضى الكاتب, الذي يقبل الناشر كتابه عائداً مالياً يتراوح ما بين (10 % - 15 %) من صافي ارباح الكتاب, ويتقاضى وكيل أعمال الكاتب, إن وُجد, نسبة مماثلة من عائدات الكاتب نفسه مقابل الخدمات التسويقية التي أدّاها له وهي المفتاح الأول للانتشار.

وأقرب الأمثلة الجاهزة بين يدي الآن: هو ان سعر هذا الدليل, في طبعته السادسة والعشرين, هي (27) دولاراً, ولو افترضنا ان الكاتب يتقاضى الحد الأدنى من المكافآت (10 %) فهذا يعني انه يربح (2.7) دولار عن كل نسخة, واذا افترضنا ثانية أن الناشر طبع (10000) نسخة فقط, وهذا لا يغطّي سوق القراء الأمريكية وأقل من متطلباتها طبعاً, فهذا يعني ان الكاتب قد تقاضى (12700) دولار عن طبعة واحدة فقط, ولإثارة حسد الكتّاب العرب, وأنا منهم, فهذا الرقم يعني أن الكاتب قد تقاضى عوائد مالية من هذا الكتاب فقط قدرها: (330) ألف دولار حتى هذه الطبعة و(الحبل على الجرّار) كما نقول.

أعرف كاتباً عربياً معروفاً كلّفته روايته العاشرة (1800) دولار عن (1000) نسخة مطبوعة, منها (250) سمّيت حصة المؤلف والباقي حصة الناشر, واضطر العربي الذي (أدركته حرفة الأدب) ان يتحمل بدل بريد بحوالي (600) دولار لإيصال نسخ من روايته للنقاد والمجلات والصحف العربية المعنية بالأدب, ولم يربح غير كثير من الشتائم والسباب ممّن مسّتهم الغيرة متعددة الجنسيات على (شرف) من غزوا العراق, مع قليل نادر من إعجاب نقاد عرب تجاوزا عقدة الخوف من تشريح أدب المقاومة العربية.

وهذا المثال ينطبق على حال (99.99 %) من الكتّاب العرب - وهي نسبة غير مزوّرة كما اعتدنا في كل انتخابات - ممّن لا يجدون من كتّابنا قراء قادرين على شراء أعمالهم يتوازى عديدهم مع أقل نسب القراء لدى الشعوب المتحضرة, كما لا يجدون ناشرين يجيدون انتقاء الكتب قبل نشرها وفقاً لأولويات اهتمام العدد المحدود من القراء العرب, ولا وكلاء اعمال قادرين على (بيع الماء في حارة السقائين) المفلسين من المال والقدرة على شرب (البضاعة) الصحيحة المتعطشين لها.

كارثة المقارنة بين حالين لسوق الكتاب, على عدد متماثل في العدد البشري تقريبا, مختلف في (التقدم الحضاري), تطرح أعجوبة فرق كبير بين سوقين أولهما يعرف كيف ينتج وكيف يستهلك, والآخر مثل لحية الفيلسوف والشاعر البريطاني (برنارد شو) الأصلع صاحب اللحية الطويلة: (غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع), وهذا ما يدفع بسؤال هام الى وا جهة الساحة الثقافية العربية:

من المسؤول الأول عن حال الكتّاب العرب ؟!.

ومن (أدركته في عالمنا حرفة الأدب) ؟!.

jarraseef@yahoo.com روائي عراقي مقيم في الولايات المتحدة الأميركية


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة