Culture Magazine Monday  05/11/2007 G Issue 221
حوار
الأثنين 25 ,شوال 1428   العدد  221
 

بعد الضجيج والتحول والرحيل.. المعيقل حول تجربتها:
نازك شخصية مكتئبة رغم أن حياتها كانت مليئة بكل مقومات الفرح..؟!

 

 

الثقافية - علي سعد القحطاني

رحلت عن عالمنا بصمت نازك الملائكة (1923 - 2007م) بعد أن أثرت مشهدنا الثقافي بلآلئها الإبداعية ودراستها النيرة حول (قضايا الشعر المعاصر) وبفضل قصيدة (الكوليرا) التي تعد أول توقيع في مسيرة الشعر التفعيلة، أو الشعر الحر، أتاحت للمئات بل وللألوف أن يعبروا عما تجيش به أفئدتهم بعيداً عن القوالب التقليدية للشعر، والتقت (الثقافية) بالأكاديمي والناقد المعروف الدكتور عبد الله المعيقل للحديث حول مسيرة الشاعرة والأثر الذي خلفته نازك الملائكة عقب رحيلها

لاسيما أنها اشتغلت بالنقد كثيراً من خلال معظم مقالاتها، كما أنها من أهم من كتب قصيدة التفعيلة في الشعر العربي الحديث، وتحدث المعيقل عن الجانب الإبداعي في قصيدة (الكوليرا) واختلاف الدارسين والباحثين في الأدب العربي الحديث في ريادة الشعر الحر ما بين نازك الملائكة، علي أحمد باكثير، بدر شاكر السياب، محمد حسن عواد، كما تحدث ضيفنا العزيز عن سحابة الحزن والتشاؤم التي تلف كثير من قصائدها رغم أن حياتها مليئة بكل مقومات الفرح والسعادة.

قضايا الشعر المعاصر:

* ارتبط اسم نازك الملائكة بالشعر الحر أو شعر التفعيلة، وكتبت أول قصيدة في ذلك وكرست جهدها ودراستها وكتبت الكثير من المقالات التي تبارك هذه الموجة الجديدة في كتابها (قضايا الشعر المعاصر)، ما الأثر الذي خلفته نازك الملائكة أو بمعنى أصح الذي أبقته من بعد رحيلها في المشهد الثقافي؟

** اشتغلت نازك الملائكة بالنقد كثيراً من خلال كتابها (قضايا الشعر المعاصر) الذي كانت معظم مقالاته قد نشرت متفرقة ثم جمعت في هذا الكتاب عام 1962م ومن خلال مقدمات روايتها، كما أن لها دراسة عن إيليا أبي ماضي، وأخرى عن شعر محمود طه وكلاهما شاعر رومانسي.

وقد أثار كتابها (قضايا الشعر المعاصر)، وما كتبت في أماكن أخرى من دواوينها من أفكار تنظيرية حول حركة الشعر الحر جدلاً نقدياً كبيراً، ذلك أن نازك بدت وكأنها تضع الكثير من القيود والقواعد لهذا الشعر الجديد، وقد تصدى لأفكارها بالنقد وعدم القبول دارسون ومبدعون، مثل لويس عوض، يوسف الخال، جبر إبراهيم جبرا، عز الدين إسماعيل، سلمى الجيوسي، كان الخلاف هو حول إمكانية فرض الحدود على حرية الشعراء وفرض قوانين على شعر ما يزال في طور التجريب.

وكان من الطبيعي ألا تصبح قيود نازك ملزمة للشعراء أصحاب التجريب الشعري آنذاك أو بعد ذلك أنهم كانوا مدفوعين إلى التجريب في الشكل بعفويتهم المبدعة أكثر من أي معرفة ناجحة عن تملكهم قوانين العروض وإمكاناته.

(انظر الجموسي: لاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث 2001).

الكوليرا:

* استهلت نازك الملائكة دواوينها الشعرية بقصيدة (الكوليرا) بودنا لو نتلمس الجانب الإبداعي في تلك القصيدة ونقف عند أبرز خصائصها الفنية؟

** نازك الملائكة من أهم من كتب قصيدة التفعيلة في الشعر العربي الحديث بغض النظر عن مسألة البدايات وعما إذا كانت قصيدتها (الكوليرا) هي أول قصيدة أم لا، لأن المسألة هي مسألة إبداع وليست مسألة أولوية، ولو اقتصر فعل نازك على موضوع الأولوية فقط لما أضافت لها شيئاً على الإطلاق، ولما حظيت بما تحظى به الآن من مكانة خالدة في الإبداع الشعري العربي.

في شعر نازك إحساس عميق كما تشير سلمى الجيوسي بالشرور الكبرى التي تكشف الحياة، ومنها غدر المحبين، وما تموج به الحياة من سفاهة وقسوة ودمار، والأوضاع الحياتية الكئيبة مثلما نجد في قصيدتها (الكوليرا) والأفعوان وغيرهما، وهي شاعرة يظهر أيضاً في شعرها شيء من الإنطوائية الحالمة مثل ديوان (عاشقة الليل) وهذه النبرة الواقعية التي تصطبغ بصبغة فلسفية، تتقلب بين اللوعة والنشوة والغضب في شعر نازك مثلما تؤكد الجيوسي في قصائد ديوان (قرارة الموجة) وديوان (شجرة القمر)، وأبرز ما يميز لغة نازك هي ملاءمتها للمعنى، وهو أمر يتفق عليه دارسو شعر نازك، وفي عدد الاثنين 12 من رمضان من المجلة الثقافية أشارت شاعرة عراقية أخرى هي لميصة عمارة إلى هذه السمة قائلة: (لا أذكر أنني قرأت ديواناً أو كتاباً إلا وفي يدي القلم أشير إلى ما استحسن أو ما اقترح تغييره، ولم أجد في قصائد نازك موضعاً للضعف أو كلمة يمكن إبدالها أو عبارة زائدة من قبيل الحشو للحاق بالوزن أو تمهيداً للقافية).

إنني أعتقد أن هذه الموضوعات الإنسانية، وإحساس القارئ بالصدق في المعالجة، والانغماس العفوي لشخصية نازك فيما تكتب عنه، والمزج بين الواقعي والفلسفي، والعوالم الفسيحة التي تركض فيها قصائدها، وهذه اللغة التي تجسد المعاني والصور في أسلوب بياني بليغ هي ما يجعل نازك الملائكة شاعرة خالدة في تاريخنا الأدبي.

التشاؤم:

* تكسو العديد من قصائد نازك الملائكة سحابة من الحزن والتشاؤم ويعلو صراخها في بعض أشعارها كما في ديوان (للصلاة والثورة) إلى ماذا تعزو هذا الأمر؟

** نازك الملائكة بطبعها متشائمة كما أشرت آنفاً، وذات شخصية مكتئبة رغم أن حياتها مليئة بكل مقومات الفرح والسعادة كما تقول صديقتها لميعة عمارة والتي تتساءل هي: من أين جاءت هذه القصائد المليئة بمفردات الأسى والحزن والألم والدموع والموت؟

رأيت الحياة كهذا المساء

ظلام ووحشة جو كئيب

ويحلم أبناؤها بالضياء

وهم تحت ليل عميق وهيب

الريادة:

* اختلف الدارسون والباحثون في الأدب العربي الحديث في ريادة الشعر الحر ما بين نازك الملائكة، علي أحمد باكثير، بدر شاكر السياب، محمد حسن عواد، برأيك هل للإسقاطات السياسية والعصبيات الإقليمية دور في تأجيج ذلك الخلاف أم أن المسألة علمية بحتة فقط؟

** أعود لمسألة الأولوية التي يتنازعها الكثير من الأدباء ونذكر من بينهم الشباب في قصيدته (هل كان حبا) التي ظهرت في ديوانه الأول (أزهار ذايلة 1947) ثم أعاد نشرها في مجموعة (أزهار وأساطير) وقال: إن تاريخ نشرها كان في (29-11- 1946هـ) بينما كان نشر قصيدة (الكوليرا) في مجلة العروبة في بيروت في 1-12-1947هـ وهناك أسماء أخرى يمكن أن تدخل حلقة المنافسة على الأولوية، مثل علي باكثير وأبو شادي، ولويس عوض وخليل شيبوب، وفؤاد الخشن، أو ما عرف قبل ذلك بقرون في العراق بشعر البند، لذلك أرى أن مسألة من بدأ شعر التفعيلة؟ ومن هو الأسبق في ذلك لا ينطوي على أهمية كبيرة، إذ أن من الواضح أن كل هذه المحاولات جاءت نتيجة تحول في الحساسية الشعرية تجاه الإيقاع والعروض، وهذا هو أحد الأسباب المهمة لظهور شعر التفعيلة، إضافة إلى المؤثرات الأخرى السياسية والاجتماعية وحتى النفسية والمزاجية للشباب العربي في تلك الفترة.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة