Culture Magazine Monday  09/07/2007 G Issue 206
فضاءات
الأثنين 24 ,جمادى الثانية 1428   العدد  206
 

ما لم أقلْهُ حياً في الأدب والسياسة والثقافة
عطلة يومين..(سيناريو مستقبلي)
عبد السلام العجيلي

 

 

إنّها لبشرى... منذ أول الشهر من هذا العام، سيكون أسبوع العمل في الدوائر الرسميّة في بلدنا خمسة أيّام، بدلاً من ستّة، كما هو الحال منذ عشرات السنين. بهذا انضممنا إلى البلدان المتقدّمة التي تسير فيها أمور المواطنين في تعاملهم مع الدوائر الرسميّة على أحسن حال. انضممنا إلى تلك البلدان، التي لا يقف المواطنون فيها طوابير أمام كوّة دفع رسوم الهاتف، أو فاتورة الكهرباء، أو أمام موظّفي الماليّة والبلديّة، وسائر المراكز الرسميّة، التي وظيفتها أن تعطي المواطن حقّه، أو تأخذ منه حقّها.

انضممنا إلى تلك البلدان، وأعطينا الموظّفين عندنا يومي عطلة. ولكن لن نكون حتماً مثلها في تعامل الموظّفين مع المواطنين الذين يتولّى هؤلاء الموظّفون قضاء حوائجهم، أو إفراغ جيوبهم. من الآن أرى أنّ طول طوابير الواقفين، المنتظرين عندنا دورهم في الدفع، أو في القبض، سيزداد بنسبة 16.66 بالمئة على الأقل على ما هي عليه اليوم. هذه النسبة هي حصّة يوم العطلة الجديد الذي ضاع من الأسبوع بانضمامنا إلى البلدان المتقدّمة فعلاً، بينما نحن متقدّمون قولاً، أو كتابة في قرارات لا تستند إلى منطق ولا إلى واقع.

نعم ستطول طوابير المنتظرين، كما ستتعقّد معاملات المتعاملين مع الدولة، أو المستعينين بالدولة، إلى درجة يدرك فيها أصحاب القرار خطأ ما قرّروه بإضافة هذا اليوم الجديد، وهو بالمناسبة يوم السبت، إلى يوم العطلة الكلاسيكي، الذي هو يوم الجمعة. ولا بدّ من أن يدرك أصحاب القرار هذا، وأن يفكّروا بأنّ عليهم التراجع عن خطأهم، والتراجع عن الخطأ فضيلة، كما هو متّفق عليه في كلّ المذاهب. حينئذ تتخذ الأهبة لإصدار قرار جديد مفاده ألاّ يكون في الأسبوع إلاّ يوم عطلة واحد. وهنا، على ما أتوقّع، ويتوقّع كلّ مطّلع على الأحوال الدوليّة، ستنشأ المشكلة الكبرى.

تأتي المشكلة الكبرى حين يصدر القرار بإثبات يوم الجمعة يوم عطلة، كما كان الأمر في السابق، وإبقاء يوم السبت يوم عمل. يوم السبت كما هو معروف يوم عطلة اليهود منذ الأزل. أن نلغيه بوصفه يوم عطلة في بلدنا بعد أن أصبح مقرّراً كذلك طيلة أسابيع، أو منذ أشهر قليلة أو كثيرة، سيفسّر بأنّه عمل معاد للساميّة في أنحاء كثيرة من العالم الغربيّ، وفي أمريكا بصورة خاصّة، بعد أن تنطلق شرارة التفسير والاتهام بمعاداة الساميّة من إسرائيل أوّلاً.

يبدأ الحديث عن يوم العطلة الملغى هذا خبراً عاديّاً في الجرائد الغربيّة والعربيّة. ثمّ تتناوله وسائل الإعلام الغربيّة، صحافة وإذاعات وأخباراً تلفزيونيّة، مرفقاً بالتفسير الاتّهاميّ له.

يُصدر (إيلي فيزل)، حامل جائزة نوبل للسلام، ورئيس تحرير الهيئة التي تتصدّى لكلّ من يقول كلمة غير موالية لإسرائيل، أو يطعن في تصرّفاتها، يصدر بياناً يدعو إلى الضغط على حكّام بلدنا ليتراجعوا عن إلغائهم التعطيل يوم السبت. ويضيف نوّاب الكونغرس الأمريكي هذا الاتهام الجديد بمعاداتنا الساميّة، إلى مسوّغات وجوب محاسبة دولتنا.

وفي فرنسا، تقوم مؤسسة (الكرييف) التي تتولّى ملاحقة المتّهمين باللاّساميّة في أي بلد كان، بدعوة الدول الصديقة، الصديقة لإسرائيل بالطبع، إلى الاحتجاج والضغط لإفشال هذا التصرّف المعادي لليهوديّة. ولا بدّ من أنّ ضغوطاً ستمارس على الأشقاء والأصدقاء، الحريصين على أمننا وسلامتنا، للتدخّل في هذا الموضوع، فتعقد قمّة في شرم الشيخ، ونشهد زيارات مكّوكيّة للتداول مع حكّامنا في هذه المشكلة الخطيرة... نحن سنظلّ على موقفنا الثابت في هذه المشكلة، لا نتحوّل عن صمودنا وقناعتنا وإيماننا بقضايانا الجوهريّة. ولكن، هل تعطيل يوم في الأسبوع قضيّة جوهريّة، حتّى نظل على عنادنا في إبقاء يوم الجمعة يوم التعطيل الرسمي، ونردّ كلّ النصائح المقدّمة إلينا، ونحرج أصدقاءنا، ونثير ثائرة أعدائنا علينا؟ سيقول المتشدّدون منّا: نعم، إنّها قضيّة جوهريّة، إنّها تمسّ حسّنا القوميّ، وتسيء إلى تاريخنا، وبصورة خاصّة تناهض تعاليم ديننا الإسلاميّ، الذي اتخذ يوم الجمعة يوم راحة منذ عصور ديننا الأولى.

وسيثير الكلام على العامل الأخير، عامل الالتزام الديني، مناقشات وجدلاً كثيراً في الصحف والندوات. ستُلقى أسئلة، وتُنشر دراسات عن مدى شرعيّة عطلة يوم الجمعة دينيّاً، وعن تفضيله على يوم السبت. وستكثر الفتاوى في هذا الموضوع. إلاّ أنّ اثنتين من هذه الفتاوى ستتصدّران الصفحات الأولى من صحف كثيرة في مختلف البلدان العربيّة. والأغلب أنّهما ستكونان صادرتين، الأولى من علماء أجلاّء في المملكة المغربيّة، والثانية من مفتي الجمهوريّة الموريتانيّة التي عاصمتها شنقيط.

هاتان الفتويان ستكونان متّفقتين على أنّ الدين الإسلاميّ ما شرّع البتّة بعطلة يوم الجمعة.

كلّ ما أشار إليه هو أن يبادر المسلم إلى صلاة الجمعة، إذا دُعي إليها، مفضّلاً إيّاها على البيع والشراء. ففي الآية التاسعة من سورة الجمعة، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}. بل إنّ الآية التالية، الآية العاشرة من سورة الجمعة بالذات، تكاد تحرّم التعطّل عن العمل بعد الصلاة، وتحثّ على الكدّ والكدح طلباً للكسب والربح. في هذه الآية الأخيرة يقول تعالى، وجلّ من قائل: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

ستقطع هاتان الفتويان جهيزة كلّ خطيب في الجدال حول قضيّة يوم التعطيل. سيسكت المتشدّدون، وترتفع أصوات المتسامحين المتصالحين، وتختفي المطالبات الملحّة بأن يكون يوم الجمعة هو يوم العطلة الأسبوعيّة. بل إنّ الأفضليّة، على ما تقوله الفتويان، هي أن يكون التعطيل في أي يوم من أيّام الأسبوع غير يوم الجمعة. أي يوم كان...فلماذا لا يكون السبت إذن؟!

وهكذا سيصدر القرار المعلّل والمفصّل بأن تعود العطلة يوماً واحداً في الأسبوع، وبأن يكون هذا اليوم الواحد، هو يوم السبت.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة