Culture Magazine Monday  09/07/2007 G Issue 206
فضاءات
الأثنين 24 ,جمادى الثانية 1428   العدد  206
 

العرب على الجانب الآخر من البحر: نحن وهم في الرواية الغربية «2»
د. لمياء باعشن

 

 

روبنسون كروزو والمتأمل العربي:

لكن الوالد الحقيقي للرواية الإنجليزية، دانيال ديفو Daniel Defoe، تتبع خطوات مؤلف عربي آخر هو أبو عامر ابن الطفيل حين كتب روايته الأولى روبنسون كروزو Robinson Crusoe، التي جرت أحداثها على جزيرة نائية مثل جزيرة حي بن يقظان في تطور مماثل، بل ومطابق للتجربة العملية والروحانية لهذا البطل. هذا التأثر بالكتاب العربي لم يترك أثراً في صورة العرب، لكن الرحلة الروحانية جاءت تجاوباً مع ازدياد الإعجاب بالليالي شكلاً ومضموناً في القرن الثامن عشر الذي تسبب في ظهور نوع أدبي هو الحكايا المشرقية Oriental Tale الذي لاقي شعبية كبيرة. 6

وقد حرّكت هذه الفكرة الأديب صاموئيل جونسون Samuel Johnson ليكتب عمله النثري الخيالي الوحيد (راسلاس) Rasselas 1759، الذي يحكي قصة أمير إثيوبيا Abyssinia ورحيله عن وادي السعادة الذي ولد فيه مع مربيه إملاك Imlac وأخته وخادمتها. يسافر الأربعة إلى مصر بحثاً عن أفضل طرق السعادة في الحياة ولكنهم لا يجدونها فيعودوا أدراجهم إلى الوادي.

هذا العالم الخيالي لألف ليلة وليلة: عالم روحاني وواقعي، خيالي وحقيقي، خارق وطبيعي، مكّن ويليام بيكفور William Beckford من الهروب إلى أجواء فاتيك Vathek ،1786، وهو أول عمل نثري روائي رومانسي يعبر عن افتتان الشعراء الرومانسيين بالليالي التي وجدوا فيها معيناً لا ينضب من خصوبة الخيال ومن غرائبية الحدث والمكان والشخوص، فنهلوا منها حتى تشبعت بها أقوالهم الشعرية. فالشرق وفر لهم بُعداً مختلفاً وفتح أبواباً رائعة للغرائبية والأحلام والفانتازيا. ومنذ أن غزت هذه الصورة للشرق مخيلة العوام من الغربيين، أخذ الكُتاب على عاتقهم مهمة إشباع رغبات قرائهم وتزويدهم بصور البيئة المشرقية الغنية بالتراث الغامض. 7 يقول لويس وان: (إن إنتاج المسرحيات المشرقية التي بلغت 47 مسرحية ما بين 1558 و 1642 كان يأتي كاستجابة لطلب وإهتمام الجماهير بالمادة المشرقية في عصر النهضة وما بعد).

سارت (فاتيك) على نهج (راسلاس)، لكنها كانت أفضل منها؛ لذا يقول بايرون: (فاتيك) رائعة الحكايا المشرقية، حتى (راسلاس) يجب أن تنحني لها احتراماً. كما أنها كانت أكثر واقعية وأقل روحانية ورمزية، فأخرجت نموذجاً أساء إلى الصورة العربية رغم تعلق الكاتب بالشرق وسحره. فهي تحكي قصة الأمير فخر الدين الخليفة الشرقي الذي يتخذ من الشراهة طريقاً في الحياة، فهو يغالي في مسكنه وطعامه ومشربه ونسائه، وكذلك في علمه الذي يجره إلى العوالم الخفية السوداء حيث يقبع الشيطان جياور Giaour. يقوم بين الخليفة والشيطان وعد بدخول قاعة إبليس وسليمان ليجد بها ما يشبع فضوله، لكنه في طريقه إلى مبتغاه يرتكب خطايا عديدة تصل إلى الكفر بالدين الإسلامي، فينفى إلى قاعة إبليس المرعبة ويحترق في نيرانها.

هذا، وقد استمر إنتاج الرواية المشرقية حتى اليوم فها هو الكاتب البرازيلي باولو كويلو Paulo Coelho يصدر روايته الخيميائي The Alchemist في (1988)، وهي تتبع نفس التقليد الروحاني الذي يركز على أبعاد النفس العميقة وأسرارها، فالبطل سانتياغو Santiago راعي الغنم الأندلسي يبحث عن السعادة على الطريقة الرومانسية، وإن رمز إليها بالكنز المادي الذي يبحث عنه في سفوح الأهرام المصرية. حين يخرج سنتياغو من الأندلس مرورا بالمغرب العربي في تطلع ثيوصوفي للسعادة، فهو يتعلم كيف يجدها في داخل نفسه عن طريق التأمل الباطني والتفكير المجرد.

ألف ليلة وليلة وسحر الشرق العربي:

هذا النوع من الروايات المشرقية يفتقر إلى الشخصية الحيوية التي قد تعطي العربي سمات محددة، لكنها في مجملها تركت انطباعاً قوياً في المخيلة الغربية عن الشرق الخلاب الروحاني الملهم وعن حكمة وتعمق أهله في أقدار الدنيا ومعانيها الخفية. يقول كويلو: (ألف ليلة وليلة هو أهم ما قرأت في حياتي وأدين بأقصى صور الفضل لبورخيس لأنه أعطاني شفرة التعامل معه). وهكذا تبقى الليالي أعظم محرك للتأثير في شكل انطباعات الغرب عن الشرق العربي والمؤسس الأول للصورة العربية النمطية سلبية كانت أم إيجابية. وقد تغلغلت الليالي في نسيج الرواية الغربية بشكل واضح فأعيد إنتاجها في الغرب مرات ومرات بصيغ اقتباسية وبنائية وسردية وتحويرية كان آخرها رواية الأسترالي آنتوني أونيل Anthony O6Neill) شهرزاد) Scheherazade الصادرة في 2001

ثم امتزجت خيالات الشرق الرومانسي الذي حركته الليالي بما أفرزه اكتشاف البترول في الشرق الأوسط من ثراء ورفاهية، لينتج عن ذلك كله نوع أدبي ميلودرامي يعرف باسم (الشيخ وغرام الصحراء) بدأه البريطاني إي إم هل E. M. Hull بروايته (الشيخ) The Sheik في 1919، تصدر هذه الروايات من مطابع تخصصت في نشرها من مثل هارليكوين رومانس Harlequin Romance التي شعارها (نحن نصور لك عالم أحلامك). تدور الحكايات عادة حول شيوخ عرب فاحشي الثراء يقطنون الأمكنة النائية التي تتصف بالغرابة وعدم الاعتياد. كل الأبطال أقوياء، بشرتهم داكنة، يرتدون الأرواب الفضفاضة ويمتطون ظهور الخيول ويخطفون النساء البيض ويحملونهن إلى (الحريم)، مخزن النساء المستعبدات. وهم يستغلون طهر وبراءة المرأة الأوروبية التي تنجذب إليهم في علاقة حب وكراهية عجيبة، ثم تنجح في ترويض الجانب الجامح في دواخلهم. وهكذا تنتصر القوة الأنثوية بذكائها ودهائها وأوروبيتها، فالمرأة الشرقية التي تظهر في الحريم امرأة سلبية غير صالحة لأن تكون بطلة للرواية. لكن ثلاثية الأميرة سلطانة Princess Sultana التي تدّعي مؤلفتها جان ساسون Jean Sasson أنها تكشف القناع عن حياة النساء السعوديات، تُظهر النساء كبطلات بشكل استثنائي، فقط ليعبرن عن معاناتهن من تسلط الرجال والقهر الذي يدفع بهن إلى الانتقام منهم بإقامة علاقات مع الغربيين. وهذا ما يدفع إدوارد سعيد للجزم بأن التصور الغربي للعلاقة التي تربط بين الشرق والغرب له بُعد جنسي يعكس الأدوار، فالأنثى البريئة الأوروبية هي الشرق الساذج الذي يمارس عليه الغرب قوته الذكوريّة، والرجل الشرقي هو المقاومة البربرية التي يسعى الغرب المتحضر إلى كسرها وتقويمها.

ومن الواضح أن الخلط بين الحقيقة والخيال في هذه الرومانسيات، أي طريقة مزج عناصر الحلم على مستوى الحدث وعناصر المعقول على مستوى الأماكن والأسماء يزرع في عقول القراء قناعة راسخة أنهم يتلقون معلومات حقيقية عن عادات وتقاليد تلك البلاد. بل إن لهذه الرومانسيات خارطة خيالية للبلدان التي تدور فيها الأحداث، وبها مزيج عجيب بين أسماء وأماكن حقيقية وأخرى مختلقة. 8 هذه الصور الفانتازية ليست فقط مزروعة في الثقافة الشعبية الغربية، بل هي محببة إلى النفوس التي تجد فيها مهرباً من متاعب الحياة واستمتاعاً بخيال جامح. إن الروايات التي تروّج لهذه الأنماط تُعتبر هامشية، وقراءها هم الأغلبية العامة البسيطة التي لا تمل من قراءة الرواية وهي تعيد صياغة عناصرها في تكرار فقير. ويكفي أن نشير إلى موقع على الانترنت عنوانه http:// www.sheikhs-and-desert- love.com/ يُدرج قاعدة بيانات لمئة وخمسين رواية من هذا النوع الرخيص صدرت ما بين 1977-2005

جدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة