Culture Magazine Monday  19/11/2007 G Issue 223
فضاءات
الأثنين 9 ,ذو القعدة 1428   العدد  223
 

المنهج الأسطوري في النقد العربي الحديث «2»
د. لمياء باعشن

 

 

6- ومن هنا يتولى اللغويون أمر الأسطورة التي تتحول من موضوع

*ller قد ربط بين نشأة الأسطورة والقصور اللغوي الذي أدى إلى الاعتقاد بأن الأسطورة هي احتياج دفين لأي كيان لغوي، وما هي في النهاية سوى ذلك الظل المظلم الذي ترميه اللغة فوق الأفكار).

7- ولم يتطرق الناقد الأدبي لتطبيق هذه النظريات بشكل فعلي إلا بعد توظيف إليوت T. S. Eliot للأسطورة توظيفاً جديداً في البناء الشعري في قصيدته الأرض الخراب)

The Waste Land، حيث استخدم عدة عناصر أسطورية ورموزاً غامضة وكنايات متداخلة استلهمها وتبنى أبعادها ليعلق بها حالة جديدة. ويلاحظ الدكتور أحمد كمال زكي أن إليوت: ينكب على الماضي انكبابه على الرموز المبهمة والكنايات المعقدة حتى أن الأسطورة عنده تخطت كل العصور، وجادت عليه بالرموز فلم يجعلها محوراً لنشاطه البلاغي بقدر ما جعلها كشفاً عن أزمة انهيار القيم في أرضه الخراب) دراسات في النقد الأدبي، د. أحمد كمال زكي، دار الأندلس، 1980، ص.176). ثم ظهرت بعد ذلك رواية يولييسيسUlysses لجويس James Joyce التي تعتبر من أكثر الروايات نمذجة للتوظيف الأسطوري حيث رسمت ملامحاً حديثة لأبطال الأوديسة في مواجهة تحديات العصر الحديث وحاولت رصد الأنماط الأولية المضمرة داخل الأسطورة، ثم رصد التحولات الطارئة على تصرفاتها تجاه المستحدثات.

ولم يقتصر تأثير قصيدة) الأرض الخراب على إقحام البعد الأسطوري في المشهد الأدبي الغربي وحده، بل شكلت كذلك خطاً لانطلاق مسيرة تغلغل الأسطورة في نسيج الخطاب الأدبي العربي. ويعتقد د. رشيد مبارك أن هذه القصيدة) تعتبر نقطة البداية بالنسبة لشعراء الحداثة العربية لأنها تستخدم عدة ميثات، وأهمها أرض الجدب والموت التي تثير فينا الإحساس بأن حضارة عصرنا قد أوشكت على الأفول د رشيد مبارك: ميثات عربية وشرقية في الشعر العربي الحديث: دار ماهر، بيروت، 1995، ص 48). لقد نبهت قصيدة الأرض الخراب) الشعراء العرب إلى أن الرؤية الأسطورية في الشعر تستعير عالماً بدائياً بسيطاً جزئياته مجازية وأحداثه مشبعة بالرمز ولغته ذات معطيات مزدوجة، فاتخذوا النموذج الأسطوري قناعاً للتعبير عن قلقهم الحضاري ولبث مضامين معاصرة من وراءه. وفي ثنايا قصائدهم نلمح بصمات اليوت) المتمثلة في إحياء الموروث الأدبي والشعبي واستغلال معطياته لإبراز دلالات معاصرة، وفي الواقعية الشديدة في التقاط الحدث اليومي بلغة بسيطة. د. أنس داود، الأسطورة في الشعر العربي الحديث، المنشأة العربية، ل ت، ص 205).

وقد شاعت ظاهرة استخدام الأسطورة في قصائد شعراء حركة الديوان وأدباء المهجر وجماعة أبوللو في ظل الانفتاح على الآداب الغربية. وقد جذر الشاعر العربي قصائده في تراث المنطقة المحلية واستنهض المخيال الشعبي الزاخر من مغاور النسيان واستعاد أساطير التكوين و عودة الطائر إلى البحر وأساطير العنقاء والفينيق والخضر ليضفي على شعره ثراء دلالي وتنوّع واندهاش. أما الشعراء التموزيون فقد جعلوا استخدام الأسطورة تياراً شعرياً متكاملاً له أيدلوجية ومصطلح ومفاهيم وتقنيات، وعبروا من خلاله عن همٍ حضاري يفسره إلحاحهم على أسطورة الموت والانبعاث المتجسدة في مثل تموز وعشتروت وأدونيس وأوزوريس وإيزيس والتي تمثل في مجملها انتصار الحياة على الموت.

مارست الأسطورة في شعرنا العربي المعاصر حضوراً لافتاً استدعى تحركاً نقدياً موازياً توزعت نشاطاته على عدة محاور، أولها: معارضة استلهام تراث ومعطيات أوروبا الثقافية والتراث الإنساني بشكل عام على أساس أن مماثلة الثقافة الغربية ومطابقة تصوراتها في القصيدة الأسطورية تفرز رؤية مستعارة من خارج نسيج الثقافة العربية وبالتالي تتنافر مع مرجعياتها ومنظوماتها الحضارية. وحين ولوج تلك الأساطير الغريبة أنساقاً ثقافية مغايرة فهي لا تأخذ في الاعتبار درجة الملاءمة بين العناصر والسياقات المتعارضة. وقد فتح هذا الاعتراض جدلاً كبيراً حول مسألة التغريب والتأصيل تبلور في الدفاع عن الانفتاح على النص الأكبر والدعوة إلى التكامل التراثي على أيدي أعلام مجلة شعر ) التي أسسها يوسف الخال وكان من أبرز أعلامها بدر شاكر السياب وأدونيس وأنسي الحاج. يقول د. نذير العظمة في هذا الصدد: إن العربي في إبحاره في ذات الآخر وتراثه اكتشف تراثه وذاته. فالتغريب في التحليل الأخير انتهى إلى التأصيل نقيضه، والتأصيل بدوره استدعى مزيداً من التوغل المعرفي في الموروث الإنساني) د. نذير العظمة، التغريب والتأصيل في الشعر العربي الحديث، المنهل، عدد 530، 1996، ص 249).

ثم تبلور الجدل حتى قاد إلى الانقسام في صفوف النقاد: هنالك من ينفي وجود ميثولوجيا عربية حقيقية واصفاً العقل العربي بالضيق والجمود والالتصاق بالمحسوسات كما فعل د. سعدي ضناوي تأسيساً على قاعدة البيئة الصحراوية ورصد تأثيرها السيئ على العقلية العربية وقصها أجنحة الخيال الفني المبدع: إننا نرى أن العرب لم يكونوا أهل خرافات وأساطير، وأن طبيعة حياتهم الرجراجة {جعلت طبعهم} لا يعلق عليه الإيمان كما لا يعلق الزمن على حياتهم، فلا تطور ولا ترق: إنهم يحيون خارج إطاره لأنه في تشابهه ورتابته كأنه مبني على السكون) د. ميخائيل مسعود، الأساطير والمعتقدات العربية قبل الإسلام، دار العلم للملايين، بيروت، 1994، ص 7).

وهنالك من يقابل نزعة الغض من شأن الأسطورة العربية والحديث عن بدائية مطلقة شاملة عند العرب بنزعة الإعتراف بوجود أسطورة عربية مع الإقرار ببساطتها وبندرتها، حيث أن تصورات الجاهليين الماورائية كانت على درجة من السذاجة والعفوية والتشتت بدرجة لم تستطع معها أن تخلق عالماً مؤسطراً. ونجد لهذا الرأي صدى عند الدكتور حسين مجيب المصري حين يقول أن الأساطير العربية الجاهلية مستقاة من الاعتقاد الديني، فهي

منبثقة من خيال تصوري فالعربي يتصور الأجرام السماوية أصناماً ويجعل لكل صنم ما يمكن أن ينسب إلى الشمس أو إلى القمر إلا أنه لا يكاد يبتدع جديداً) الأسطورة بين العرب والفرس والترك، الدار الثقافية للنشر، القاهرة، 2000، ص 35).

ثم هنالك فئة ثالثة ترجع افتقار الأدب العربي إلى أساطير الأولين إما إلى أن العرب كرهوا لأنفسهم أن يأخذوا بها وصدوا عنها نافرين منها لسبب أو لآخر يتعلق بعقيدتهم الدينية لأن الإسلام جاء ديناً عقلياً يحارب الأساطير الحافلة بشعائر الوثنية فأهمل الرواة هذا الشعر الوثني، أو إلى أن تاريخ العرب قبل الإسلام ما زال مجهولاً وهذا عائد إلى انغلاق العرب وانطوائهم على أنفسهم وتأخرهم في مجال علم الأركيولوجيا وعدم ربطهم بين روافد العائلة اللغوية السامية التي شملت الآشورية والبابلية والفينقية والكنعانية. يتبع

-جدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة