Culture Magazine Monday  19/11/2007 G Issue 223
حوار
الأثنين 9 ,ذو القعدة 1428   العدد  223
 

قاسم حداد لـ (المجلة الثقافية) :
الإخلاص للتراث ليس في تقليده والمغايرة هي التحية الإبداعية

 

 

حوار خلف سرحان القرشي:

قاسم حداد قامة شعرية سامقة، منذ أكثر من ثلاثة عقود وهو يعاقر الشعر، فرض اسمه بقوة كواحد من رواده على مستوى العالم العربي، يختلف عن كثير من غيره من الشعراء شعراً ورؤية، وله نظرة متفائلة نحو مستقبل الشعر ويعول على وعي المتلقي كثيراً، أحيا مؤخراً أمسية شعرية في مهرجان سوق عكاظ الأول بالطائف، وطرح فيها بعضاً من أفكاره رداً عن أسئلة وجهت له من قبل الجمهور الذي جاء ليراه ويسمعه عن كثب، وقد قرأ له من قبل كثير منهم. سيدتان اقتحمتا العزل المفروض وحضرتا الأمسية على رغم أنها مخصصة للرجال فقط.

عندما حاول المنظمون منعهما قالتا: (نحن شاعرتان وتلميذتان لقاسم حداد ولن نسمح لكم بحرماننا من مشاهدته وسماعه) فتركتا على حالهما.

لضيق وقته حينها لم يتسن لنا إجراء لقاء مع قاسم حداد حينها، وطرحنا عليه فكرة بعث الأسئلة إليه بالإيميل ورحب بذلك وكان هذا الحوار:

* وأنت تشارك في سوق عكاظ في موقعه الأساس بعد بعثه من موات دام 1300 عام، كيف تنظر لهذا الإحياء وهل يعول عليه في خدمة الشعر والشعراء في زمن كثرت فيه مهرجانات الشعر، وتنامت وتعددت فيه وسائل تواصل الشاعر مع جماهيره ورقياً ورقمياً؟

- في مستهل أمسيتي بسوق عكاظ ذكرت أن الإخلاص للتراث ليس في تقليده بل إن المغايرة ستكون هي التحية الإبداعية لدرس التراث العميق، وإقامة سوق عكاظ إشارة نوعية في زمن يقال فيه بانحسار الشعر، شخصياً لا أشعر بالقلق على الشعر، فوجود الإنسان حياً وجود باهر للشعر. إنني أشعر بغبطة خاصة لزيارة هذه المدينة التي عرف عنها قديماً أنها كانت تعلم الناس القراءة والكتاب، ووجودي هنا بمثابة هدية شخصية لي. شكري الكبير لكم جميعاً، من وجهة نظري فكل فعالية تسعى لوضع الشعر في مهب الحياة اليومية، أو في برنامج الإنسان المعاش، هي إضافة نوعية لتقديم التحية للشعر والمشتغلين في حقله.

وفي استعادة اللحظة التاريخية لسوق عكاظ العربي الضائع في صحراء النسيان العربي، يمكنني أن أرى ما يؤكد بأن العرب سيموتون وفي قلوبهم شيء من الشعر. إنني لا أعول فقط على الشعر في حياتنا، ولكنني أيضاً أستمد من هذه الفكرة طاقة الثقة في أن ثمة ما يستحق الحياة كلما تشبثنا بلحظات الشعرية في سلوكنا الثقافي.

أشكر أصحاب فكرة سوق عكاظ على منحي فرصة زيارة الطائف والمشاركة في دورة سوق عكاظ الأولى التي أتمنى أن تتطور ويتبلور العمل عليها بالدورات التالية.

* عرف عنكم دوماً تفاؤلكم بمستقبل الشعر، فما سر هذا التفاؤل على رغم الاستهلاكية والزيف الذي تعيشه مجتمعاتنا؟

- يبدو القلق طبيعياً ومطلوباً من الحريصين على الأدب والثقافة والشعر، ولكن في العمق يجب ألا نحمل الشاعر والشعراء مسؤولية غيرهم؛ ففي المجتمع ما لا يحصى من الأسباب التي تدعو للقلق فعلاً، وإذا اطمأن الإنسان على حريته وكرامته سيكون الإبداع متاحاً له ليعبر عن نفسه ويثبت أن الإبداع الإنساني الدليل الأكبر على قدرة المجتمع على تحديث نفسه وصيانة حقوقه والذهاب للمستقبل بثقة وتفاؤل. إنني أصدر من ثقة ليست في التجارب المكرسة ولا في التجارب الجديدة فقط، ولكن خصوصاً في المستقبل، ومجرد أن يكتب الشاعر كلمته فذلك إشارة إلى أن هناك أملاً. أما الاستهلاكية التي يشير إليها السؤال فهي ظاهرة لا يجب أن نعتبرها قانوناً يحبط ثقتنا في الإبداع لأنها نتاج أسباب خارجة عن دور الشاعر في المجتمع. وأنا أعي خطورة ما يحيط بنا لكنني واثق من مقدرتنا على تجاوزه.

* في ظل هذا التسطيح المريع للثقافة وتكريس الشعبي والعامي وأحيانا الغرائزي على حساب الإبداع الحقيقي في مجالات الحياة المختلفة، هل ما زال المستقبل واعداً للشعر؟

أولاً: ليس من الحكمة إطلاق التعميم عندما يتعلق الأمر بالتجارب الشعرية بالغة التنوع.

ثانياً: الشعر الشعبي والعامي ليس حكم قيمة مسبق على التسطيح، ففي هذا النوع من الشعر نصوص بالغة الجمال والرصانة وشعرية الموهبة في حقلها التعبيري.

ثالثاً: تفاؤلي بمستقبل الشعر ليس شذوذاً في سياق موقفي الشامل في حقل الإبداع والعمل الثقافي الجاد، وتعرض المحاولات الشعرية للفشل والارتجال وانعدام الموهبة في بعض نماذجها لا يجعلني أنظر إلى المشهد من هذه الشرفة فقط، الشعر هو قدر الإنسان في الحياة، وأظن أن المستقبل لن يأتي من فراغ، ففي تاريخ تجربتنا الشعرية العربية من الخبرة والمعرفة والنصوص ما يمنح النفس ثقة بأن الشعر هو شمس حياتنا.

* كتب محمود درويش ذات مرة (ما أنا من غير منفى) وكتبت أنت (في السجن وجدت حريتي) هل الشاعر محتاج لمنفى وسجن وفقر وعوز وحرب إن شئت ليبدع؟

- ليس للتجربة الإنسانية حكم ناجز لكي يكون الشاعر مبدعاً، ولا تشبه التجربة تجربة أخرى لا في النوع ولا في الدرجة، وخبرات المنفى والسجن والمعاناة الأخرى هو ضرب من ضروب خصوصيات وملامح كل إنسان. وليس من العدل تصور العذاب المستمر للكائن لكي يكون شاعراً، إن حلم المبدع سعادة الإنسان وكرامته.

* وأنت على مشارف الستين من عمرك المديد بإذن الله تعالى وبعد ثلاثة عقود من تعاطي الشعر ووجعه، ماذا وهبك الشعر وماذا أخذ منك؟

- الشعر أعطاني نعمة المحبة، الطاقة القصوى على محبة الناس ونعمة حب الناس لي، وكلما تشبثت بحلم الحرية والجمال والكرامة الإنسانية صار لهذا الحب معنى.

* أفلاطون طرد الشعراء من جمهوريته ماذا عساك قائل له لو قدر لك مقابلته الآن؟

- أفلاطون لم يطرد الشعراء من جمهوريته، لكنه رفعهم إلى مرتبة أعلى من العامة، هكذا أحب أن أفهم وجهة نظر أفلاطون.

* هل أنت على اطلاع بالتجربة الشعرية الحديثة في المملكة ومَنْ مِنْ روادها يدهشك؟

- لا أزعم اطلاعي الشامل في أي حقل، لكنني أعرف التجربة الشعرية الحديثة في السعودية بما يكفي لأن أرى في بعض أصواتها رافداً مهماً من نهر الشعر العربي الجديد.

* كيف ترون اشتراككم في التجربة البصرية مع المصور صالح العزاز، وهل يعني هذا أن الكلمات والصور الشعرية في القصيدة لم تعد كافية لقول ما تريد القصيدة قوله واحتاجت للصورة البصرية في عصر هو عصر الصورة؟

- تقاطع الفنون الكتابية والبصرية هو إغناء للعمل الإبداعي عموماً، وتجاربي في هذا الحقل منحتني الكثير من المعرفة والثقافة والوعي، ولعل البحث الفني هو ما يفتح الأفق الرحب أمام التجارب التعبيرية بشتى أشكالها.

* أليس من العار أن قصيدة التفعيلة والقصيدة النثرية على رغم ظهورهما في الستينيات، إلا أنهما ما زالتا بعيدتين عن مناهجنا العربية ومناسباتنا وكثير من مناشطنا التي تمجد العمودية فهل ثمة خلل؟

- لعل مثل هذا السؤال يمكن أن يوجَّه للمؤسسة التعليمية العربية.

* تحدثتم في أمسيتكم بسوق عكاظ عن ظهور قيم جديدة للكتابة يتم التعامل معها والنقاش حولها في العالم بعد أن تم تجاوز قضية الشكل أو القالب. هل لك أن تذكر لنا بعض مظاهرها؟

- لم يعد الكلام الرصين يدور الآن في نفس دائرة التوصيفات التقليدية التي أشبعتها النقاشات طوال أكثر من نصف قرن، لا معنى للكلام عن التفعيلة والعمود والنثر، الشعرية الآن هي اتصال مباشر بالنص المعين في اللحظة المحددة.

ليس مقبولاً الآن إطلاق التعميمات خضوعاً للفعالية الصحافية المتسرعة التي تستخف بالشعر والشاعر.

* في الخمسينيات من عمرك كتبت قصيدة (شك الشمس) وكأنك تحاور سنيَّ عمرك! هل أنت قلق من الشيخوخة وبالتالي من الموت؟، وهل تظن أن قلق الشاعر حيالهما يختلف عن قلق الإنسان العادي؟

- لا أخشى الموت من جهة لكن مسألة الموت تشكل قلقاً حد الشك في كونه (ضرباً من القتل) حسب تعبير المتنبي، ومن جهة أخرى أرى في الطريق إلى الموت أكثر قسوة من الموت، لا أريد أن أقع في العجز، عرفت هذه التجربة من معاناة والدي رحمه الله، العجز والمرض عذاب كبير. أتمنى أن أموت فجأة بلا مرض ولا عجز, ليت الله يمنحني هذه النعمة.

* هل للكتابة عندك من طقوس وعادات؟

- لا أعرف بالضبط كيف تحدث الكتابة دائماً، ففي كل مرة تولد الكتابة بشكل لا يشبه الآخر.

* في حوارات سابقة معك تحدثت عن الطفولة كمصدر من مصادر الإبداع كما تحدثت عن (الأحلام) الليلية، وفيهما -أي الطفولة والحلم- تغييب للعقل الواعي؟ هل العقل حائل دون الإبداع وهل من مصادر أخرى تقترحها للإبداع؟

- كنت أعني دائماً أن لحظة الكتابة هي حرية العاطفة والمخيلة والتدفق الحر بمعزل عن سطوة الفعل الذهني، فالشعر لا يقبل جلافة العقل لحظة الانفعال الشعري. ولعل في الطفولة والأحلام من طاقة الصورة الشعرية ما يكفي لأن يستسلم لهما الشاعر عندما يكون في حضرة الكتابة.

* وأنت تتعامل مع النت كثيراً من خلال موقعكم الجميل (جهة الشعر)، كيف ترى أثر هذه التقنيات على الشعر؟ وكيف نوظفها أكثر؟

- لا يزال في شبكة الإنترنت وفي النشر الإلكتروني عموماً ما يمكنه أن يفتح آفاق الابتكار النوعي في النشاط الإبداعي والثقافي.

والتسارع المذهل في برمجيات ووسائط الحقل الإلكتروني هو ما يجعلني أرى في هذا الأفق جمالاً وحرية لا يتوفران في النشر بالوسائط التقليدية.

أخيراً (قاسم حداد) الشاعر، ما هو حلمه الذي ما زال يطارده؟

- هذا سؤال شاعري فإن يكتب الشاعر قصيدة فهذا حلم دائم ومستمر ولا حدود لحلم الشاعر وانتهاء الحلم انتهاء للإبداع الشعري.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة