Culture Magazine Monday  19/11/2007 G Issue 223
ذاكرة
الأثنين 9 ,ذو القعدة 1428   العدد  223
 
موكب النور
نصٌّ عمره أكثر من نصف قرن
شعر الأستاذ عبدالله الصالح الفالح

 

 

الثقافية - عبد المحسن الحقيل:

بمناسبة افتتاح مبنى المدرسة السعودية بعنيزة في يوم 2 صفر 1372هـ

عبد الله الصالح الفالح.. رجل في العقد التاسع من عمره اسم يحضر بهدوء ودون جلبة ولكنه يثبت في الذاكرة.. رجل يملك الكثير ولكنه يفضل التواري.. هو من الذين تأبى الذاكرة نسيانهم ولكنه يأبى التدوين لنفسه.. له وآراء مهمة ولكنه لا يدون وإن دون لا ينشر.

من مواليد عنيزة.. درس الابتدائية فيها والتحق بدار التوحيد في بداية افتتاحها في الطائف وكان من أنجب طلابها.. أكمل دراسته في كلية الشريعة في مكة المكرمة مع بداية تأسيسها وهي أول كلية في المملكة العربية السعودية وكان الأول على دفعته.

سافر أبوه - وهو صغير - إلى الشام وفلسطين ومن ثم استقر في مصر ولم يعد الوالد إلا وصاحبنا في العقد السادس من عمره.

وهو شاعر وأديب وعالم في الفقه وعلوم الشريعة إلا أنك لو بحثت عن إنتاج له فلن تجد شيئا فهو لا يدون وإن دون لم ينشر وحتى تلك القصائد التي نشرت في المملكة العربية السعودية يغلب الظن أنها لم تنشر بموافقته لأنه لا يحبذ النشر ودائما ما كان يرد بأن كل ما لديه من علم في الشريعة والأدب لا يستحق الذكر مع أنه في مجلسه الخاص يجيب إن سئل فيحسن الجواب وهو رجل ذو روح ظريفة ومجلسه فيه الكثير من الطرافة والملح سيما إذا كان الجلساء ممن يرتاح له ويحسن إثارة الأسئلة الموجهة له.

كان نهما في قراءة كل ما تقع يده عليه من كتب أو مجلات أو جرائد وله تعليقات على بعض ما يقرؤه في المجلات والجرائد. .يضعها في هامش ومن المؤكد أن تلك الملاحظات لو جمعت لكانت ثروة وذخيرة إلا أنها ذهبت مع صفحات تلك الجرائد والمجلات التي يحتفظ بها لفترة من الزمن.

وهو أعزب لم يتزوج وكانت والدته يرحمها الله هي التي ترعى شؤونه فلما توفيت قبل أكثر من خمس وعشرين سنة تضاعفت مأساته لفقدها ذلك أنه لم يكن منظما أصلا فارتبكت حياته أكثر وهو يعيش الآن زاهدا ومما فاقم مأساته وزاده أنه فقد بصره قبل خمس سنوات بسبب عدم اهتمامه وتأخره في إجراء عملية الماء الأبيض. وهو يعيش الآن في بيت صغير من بيوت حارة الجوز القديمة.. حارة أهله السابقة ولا يعدم - بفضل الله - من يتصل به ويرعى شؤونه ويأخذه إلى المسجد وبعض المجالس. وقد نوه عنه بالإعجاب كثير من زملائه ومنهم الشيخ محمد بن جبير والشيخ عبد العزيز المسند يرحمه الله والشيخ عبد الله بن خميس أمدّ الله في عمره. وفي وقته كانت دار التوحيد تحتضن ناديا أدبيا وكان هو من أبرز القائمين عليه وله فيه برنامج يعنى بتحليل الشخصيات وإبراز مواصفاتها الظاهرة والخفية وكان بارعا متمكنا حتى إن زملاءه يعجبون من أنه يستخرج أشياء يجهلونها في أنفسهم إلا أنهم يقرون بها ولا ينكرون.

ومن طرائف ذكرياته أنه كان من عادته قضاء الإجازة الصيفية في عنيزة أيام كلية الشريعة وصادف في تلك السنة أن أقيم حفل افتتاح المبنى الجديد للمدرسة السعودية بعنيزة، وقد طلبت منه أسرة التعليم والقائمين على الحفل أن يشارك فلم يعدهم بشيء فقرروا أنه إذا حضر - ولم يشارك - أن يفاجئوه بأن يرتجل كلمة إلا أنه صباح ذلك اليوم بدأ بسطر بعض ما لديه وكانت صفحة نثرية مشرقة من أرقى النثر وألقى قصيدة في قرابة الستين بيتا من أجمل ما قيل في هذه المناسبة.

وما كان لهذه القصيدة أن تحفظ وتبقى ويرددها المعجبون لولا أن الأستاذ الفاضل عبد الله الإبراهيم الجلهم يرحمه الله أخذها منه بعد إلقائها وأملاها على تلاميذه وهم طلبة الصف السادس بالمدرسة السعودية ولو لم يفعل لضاعت كما ضاع كثير مما لديه.

طلعَ الصباحُ فهل رنوتَ إلى هنا

لترى السّنا الرّفاف يهتف بالمنى

يختالُ بالأفقِ الرحيبِ كأنما

كشفت له الأيامُ مما استبطنا

فمضى يتيهُ على الزمانِ وأهله

ويُريقُ لحنَ البشرِ في سمع الدُّنى

ويطلُّ من أعماقه روجُ الرضا

فيشيدُ بالأمل البهيج ملحّنا

مستبشراً فيما رأى متفائلاً

مما بدا متهللاً لمّا رنا

ألقى له الأملُ الضحوكُ زمامَه

فأتى به جذلانَ يمنحه لنا

فانظر الى الحشد العظيم وقد أتى

ليخلّد اليوم السعيد لحفلنا

يوم به تحلو أغاريد المنى

ويصافح المجد التليد المحسنا

وترفرفُ الأطيار في وكناتها

فرحاً بمقدمه ويرتعشُ السنا

ويرتل الوطن الحبيب على الملا

أغرودة يشدو بها متفننا

يسخو بها من قلبه في نغمةٍ

يُصغي لها النائي البعيد ومن دنا

فاسمع إلى أنشودة الفخر الذي

قد لاح في سِفر الخلود مدونا

وانظر إلى هذا البناء وقد بدا

في روعةٍ بهرت رؤاها الأعينا

واسأل فؤادك من تُرى قد شادها

حصناً لأبناء البلاد ومأمنا؟

العلم فيه على الذرا متربع

والجهل يُنبَذُ في التراب مكفّنا

يتفيأُ النشء العزيز ظلالها

وينال من أثمارها طيب الجنى

ويعيش في أفيائها متخطياً

سُبل الصعاب الى العلوم بلا ونى

ويعُبُّ من نهر الحقيقة والهدى

مستقبلاً عهد المسرة والهنا

ويرود للعرفان أسباب العلى

فتجيبه النُعمى وينقاد الغنى

ويعيشُ في ظل النعيم على هُدى

متمتعاً بحياته مستأمنا

فاهتف لمن قد شادها متفضلا

لله ما قد يبتنيه وما بنى

في مثل ذا تُجلى السماحة والندى

أعظمْ بمن تخذ المكارم ديدنا

عبثاً أحاول أن أُشيد بذكره

من دونه الألقاب تقصر والكُنَى

صدحت له الأيام أعذب نغمةٍ

قد ضمنتها الشكر يعبق بالثنا

وبكل قلب فرحة جياشة

نظمت بعيد الدار والمستوطنا

قد كنتُ أحسبه خيالاً عابراً

فإذا به يجلو بعيني مسكنا

تبدو الأمور على التواني صعبة

فإذا عزمت لقيت شيئاً هينا

كم ذا ظننا المستحيل فراعنا

لما بدا في السعي أمراً ممكنا

آمنت أن العلم سرّ باهر

يمحو الجهالة والمذلة والضنى

ويهيبُ بالآمال وهي عزيزة

فإذا بها وقد استقرت عندنا

والعلم ينبوع الحياة وروحها

وهل الحياة بغيره إلا الضنى

فانظر ترَ المشبوب من نفحاته

يهبُ الشعوب حضارة وتمدُّنا

ويمدّها في كل ما تصبو له

فترى لها في الناس شأناً معلنا

هم فيه يبتدعون كل عظيمة

تتخطف الأبصار مما حولنا

كم نال فيه ذووه كل كريمة

وأحلَّهم سمت الكواكب مكمنا

بالعلم يُحمى يا بني وطني الحمى

لا بالسيوف كما مضى أو بالقنا

وبه يعيش الشعب مرهوب القوى

متسنماً أعلى الذُّرا متمكنا

يحيا كما أملت له أحلامه

ويهيمُ في سبل السعادة مُمعنا

إن الحياة لمن تدبر أمرها

لم تستجب أبداً لغِرّ أرعنا

فالأمَ نبقى نحن في أحلامنا

صرعى كأنا قد نسينا مجدنا؟

يا ليت أنا نستفيق من الكرى

حتى نراجع مجدنا يا ليتنا!

أَوَلَيس في الماضي الأغر دلالة

أن العلى كانت قديماً ملكنا؟

عُودوا إلى الماضي البعيد لكي تروا

عهداً أضعناه فشتت شملنا

وإلى الأمام إلى الأمام فقد بدا

عهد جديد واستهل مؤذنا

للنهضة الكبرى أعدوا أمركم

فإلام ترضى أنفس أن تُغبنا؟

ما المال ما الحسبُ الرفيع إذا انزوى

عن كل ما يُعلي ويحيي الموطنا

ماذا يُفيد إذا أضعنا عمرنا

في غير ما يجدي ويصلح أمرنا

يا موكب الأنوار طال بنا الظما

فاسكب لنا من فيض نورك واسقنا

لم تأذن الأيام أن نلقى العلى

فيما مضى فاهتف بها كي تأذنا

بدمي بروحي أفتدي هذا الثرى

أنا دون مغناي المفدى من أنا

أبداً أنا الباكي إذا وطني اشتكى

وأنا الغنيُّ - ولو عدمت - إذا اغتنى

من كان يرعى للبلاد حقوقها

فأنا الذي ما زال فيها مؤمنا

في مهجتي ألم وفي قلبي أسى

حتى أرى وطني أعزَّ وأمكنا

++++++++++++++++++++++++++++

* عنيزة 2 صفر 1372هـ.

* عنيزة 2 صفر 1372هـ.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة