Culture Magazine Monday  02/06/2008 G Issue 250
قراءات
الأثنين 28 ,جمادى الاولى 1429   العدد  250
 

(ثمن الشوكولاتة)
بشائر بميلاد (بشائر)«4»
خالد بن أحمد الرفاعي

 

 

في الحلقة الماضية قدمنا عرضاً مختصراً للحكاية التي قامت عليها رواية (ثمن الشوكولاتة)، وأشرنا إلى أبرز إشكالياتها، وهو تفكّكها، فبدلاً من أن تتماسك، لتعرض عينا شريط الحياة التي كانت تحياها (ملاك)، بقصد أن نلمس المشاكل التي مرت بها، والتغيرات التي طرأت عليها، ونستخلص من ذلك كله رؤية محدّدة، نجدها تنحرف ذات اليمين وذات الشمال، ومع كل انحرافة تصنع الحكاية لنفسها ولقارئيها رؤية جديدة، وباجتماع هذه الرؤى التي يصعب اجتماعها تضيع الأساسية التي هي بذرة الرواية.

في هذه الحلقة سنستكمل عرض الرؤى التي تعطيها الحكاية ثم سنتوقف عند الرؤية التي نقدر أن تكون الرؤية الرئيسة والمهمة والثرية في إنتاج هذه الرواية، وربما في الرواية النسائية السعودية بشكل عام.

4 - من الرؤى التي يمكننا من خلالها تفسير التغّير الذي طرأ على شخصية (ملاك) زواج الرجل السعودي من امرأة غريبة على مجتمعه، ليست ذات دراية كافية بأبعاده المعقّدة، فهذه أمُّ (ملاك) من بلاد مصر، زفّت رغماً عنها إلى والد (ملاك)، فانتقلت إلى هذا المجتمع وهي ما زالت تستحضر شرطها الاجتماعي - المصري، بل وتنطلق منه في ممارستها التربوية مع أولادها، وهو ما أثّر على سلوك بناتها تحديداً وجعلهنّ في إشكالية كبيرة مع مجتمعهنّ، نقرأ: (أما أختي... فقد كانت في جولة شبه أسبوعية إلى السوق والمجمّعات التجارية برفقة صديقها الذي تعرّفت عليه عن طريق الإنترنت، الذي يأتي إليها في عطلة نهاية كل أسبوع ليقضياها معاً، كانت أمي على علم بهذا. أقسم. فللصداقة عندها مفهومها النقي الذي كانت تقدِّسه وتحترمه ولا ترى فيه عيباً...، لم تعِ أمي خطورة هذا التساهل في مجتعنا السعودي الذي يفتح عينيه للتوّ على التواصل مع الآخر المغاير، ولم يصل بعد إلى معادلة صحيحة توازن بين الرجل والمرأة بشكل سوي... (ص: 38).

الرؤية الرئيسة:

بعد عرض هذه الرؤية التي اشتملت عليها الحكاية المتشظية سنقوم - تحت هذه الفقرة- بعرض الرؤية الأساسية انطلاقاً من تفكيك الحكاية وإعادة ترتيبها بعد تخليصها من الإضافات والهوامش.

تستمد الحكاية في هذه الرواية وجودها الكامل من حياة (ملاك)، فهي مدار الأحداث المتنوعة، ومنا تبتدئ الحكاية وإليها تعود، وهي القائمة بفعل الرواية، وهي من دفعت الثمن، وهي من أخذت الشوكولاتة، وإذن فهي الأصل، وعن طريقها يمكن أن نحصد الرؤية الاصل، التي تتغيأ الرواية إيصالها.

عند تتبع حركة هذه الشخصية في الحكاية نجدها - كما أسلفنا- تتعرض لموقف اغتصاب في الصغر، أخذ منها شيئها مقابل شيء من العطاء، وظل هذا الموقف حاضراً فيها، حتى تمكن منها، وصاغ مبدأ في حياتها يربط ما بين الأخذ والعطاء.

ملاك - خالد- جهنم- ياسر - الجنة، ثلاث شخصيات في الرواية استطاعت اللغة الإشارية أن تلعب لعبتها في صياغة أسمائها تحديداً، كما سيتضح من خلال العرض التالي:

1 - (ملاك): لهذا الاسم مداليل متعددة، أكثرها مقصود لذاته: الطهر- النزاهة - الطاعة-البراءة-.. إلخ، لكنّ (ملاك) بسبب الرجل أصيبت بعقدة ما، باعدت بينها وبين الطهر، والنزاهة، والطاعة، والبراءة....، نقرأ:

قالت ذات مرة (القائلة هنا رجاء زوجة سعد، الرجل الذي اغتصب ملاك):

اصدقيني بالله يا ملاك.. هل أساء لك هذا الفاسق السكير سعد؟

قالت: لا.. أبداً.

لكنها لم تصدقني، فهي تدرك جيداً كم أحبها، ولا أحتمل الابتعاد عنها، أخذتني وضمتني بقوة، وقتها فقط أدركت أن الروح التي تهيم بها قد أزهقت، ولم يتبقَ من ملاك إلا مجرد جسد... (ص 29).

ففي قولتها (لم يتبقَ من ملاك إلا مجرد جسد) إشارة إلى إشارية هذا الدال.

و(ملاك) بصفاتها الطبيعية، أو في مرحلة ما قبل الرجل، تنتسب إلى عالم الجنة في صفاتها ونقائها وبرودتها وجمالها، لكنها بسبب الرجل وفيه انتقلت إلى الضدّ- إلى الجحيم.

2 - (خالد) واحد من الذين خلقوا هذا الجحيم ل(ملاك)، وتركوها تتنعّم بالاحتراق فيه نقرأ: في اليوم الموعود كنت أعد نفسي لدخول جحيكم مدججة بكل أسلحتي الأنثوية الممعنة في الهدوء حد الموت (ص 11).

إذن هي (ملاك) لكنها في (الجحيم)!!، وبحثها عن الجحيم، وتلذذها بالنار، يعود إلى عقدة ابتدأها رجل وطورها من بعده مجموعة من رجال (انظر: ص 16).

3 - (ياسر) الرجل الوحيد الذي كان جنة واحتمل اسم الجنة، وحاول جاداً أن يلم شتات ملاك، وأن يرمم روحها المهشمة، غفر لها ما مضى منها، وابتدأ معها حياة جديدة، لكن تاريخه المصبوغ بالسواد كان أكبر منه ومن حاضرها، فدخلت مع (زياد) - شقيق زوجها - ناراً جديدة، أو لنقل: إنه أدخلها ناراً جديدة، فعادت مطلقة إلى بيتها، تبحث عن جحيمها، ألو....، خالد...، حبيبي أرغب في رؤيتك (انظر: ص 124).

أحسب أن هذا الخيط الطويل المستل من الرواية هو كل ما تريد الرواية إيصاله بمجموع عناصرها، ومن ثم فهي ذات موضوع فلسفي - متقاطع مع الاجتماعي-، يضع الرجل على المحك، ويحاول جاهداً نقض الفكرة التي تجعل المرأة سبباً في إخراج الرجل من جنته، أو من مثاليته، وتربط بينها والفساد، لتحل محلها فكرة على النقيض، تجعل من الرجل سبباً رئيساً في فساد المرأة، وصرفها عن إنسانيتها، وطبيعتها، معرضة بالمجتمع كله كونه رجالياً، يتحكم الرجل في أكبر انعطافاته المصيرية، ولهذا كان الرجل سبب فساد (أم ملاك) سواء في ذلك الأب الذي باعها أو الزوج الذي اشتراها وكان الرجل أيضاً سبب فساد (ملاك) حتى عجز الرجل نفسه عن ترميمها، وصار هذا الفساد الذي صنعه رجل يتناسل ويكبر حتى تجاوز الفرد والأسرة إلى المجتمع كله.

المجتمع الرجالي جحيم، والمرأة - ملاك تتعذب فيه، والرجل المثالي دائماً هو الاستثناء، والاستثناء العاجز عن إحراز أي هدف.

تركيب - الحكاية:

تبين لنا أن الحكاية في هذه الرواية لم تكن متماسكة بشكل جيد، ولم تكن قادرة على تقديم رؤية واضحة، أو مركز رؤيوي مفتوح على التأويل، يعود ذلك إلى تشتت أطرافها، وتوقفها عند محطات متعدّدة، منها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو فلسفي، ومنها ما هو بين هذا وذاك، وانعكس هذا على الشخصية الرئيسة (ملاك) فبدت ظالمة ومظلومة في آن واحد، ضحية مبادئها المادية مرة، وضحية موقف الاغتصاب الذي تعرضت له في صغرها ثانية، وضحية التفكك الأسري الذي عاشته ثالثة، وضحية العلاقة الميتة التي كانت تربط ما بين والديها رابعة، وضحية اصطراع ثقافتين داخل دائرتها الأسرية، وربما ضحية أشياء كثيرة فات علينا رصدها.

وإذن فالحكاية مشتتة، فتشتت أشياؤها، ومتى خرج القارئ - والقارئ الحاذق خاصة- من قراءة الرواية دون رؤية واضحة أو دون إشارات تحتمل في مجموعها تشكيل رؤية معينة، فإن هذا يعد خللاً كبيراً في الرواية سيمتد إلى عناصر البناء الأخرى - كما سيتضح لاحقاً.

ورغم ذلك كله فقد استطعنا النفاذ إلى الخيط الممتد من بؤرة الرواية (ثمن الشوكولاتة)، وتوصلنا من خلال إلى الرؤية المستخلصة من هذه الحكاية، وانطلاقاً منها صنفنا الرواية موضوعياً تصنيفاً قد لا يعجب الآخرين، ولا يقنع الروائية نفسها.

alrafai16@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة