Culture Magazine Monday  24/11/2008 G Issue 262
فضاءات
الأثنين 26 ,ذو القعدة 1429   العدد  262
 

أشياء... في حدّ ذاتها
أولاد أحمد

 

 

أقلام أنظر إلى الأقلام..

الأقلام الممدّدة على مكتبي مثل صبايا يفترشن الرّمل وهنّ يصطفن بعيداً عن أعين الصعاليك والزواحف والعقبان.

أدقّق في أشكالها، أقيس أحجامها، أتهجّى ألوانها.. وأحيّيها - بحرارة - كما لو أنّني أحيّي طيورا عادت - لتوّها - من هجرة قسرية طويلة.

أعيد بعثرتها على رمال الشاطئ بحيث تكون، جميعها، في متناول مياه البحر الدافئة وحصاه النّاعم.

أسمّي أقلام مكتبي كتيبة.. ثم أسمّيها جيشاً وأعلن نفسي جنرالاً في غياب شهود ثقاة أقطف بعضاً من نجوم السماء وفواكه السحاب وأوشّح بها صدري وكتفيّ، ثم أتبختر - مثل الطّاووس - بين الجنود الذين سوف لا يعودون أحياء، بالتأكيد، إلى أرض الوطن!! أنظر إلى الأقلام.. أقلام مكتبي، ومكتبتي، وبيتي (فأرى رؤوساً قد أينعت وحان) تحريرها من جميع الموانع.

كؤوس هذه الكأس الزرقاء، ذات الكعب العالي والصدر المتكوّر، التي تعلو على باقي الكؤوس، أعرف من أيّ مطار اشتريتها، ومتى، ولأجل من.

كلّما لمستها بأناملي عرفت أن اليوم يوم عطلة وأن خبراً سارّا في طريقه إليّ عبر جنيّة مسحورة ليس أجمل منها سوى كذباتها التي تنساب من بين شفتيها مثل حقائق أبديّة.

أمّا تلك الكأس الشفّافة، التي تداول على نحتها صنّاع مهرة من مدينة نيسابور.. فهي لأبي نواس.

صور تنام في الرفوف وفي الألبومات، مثل القطط الكسولة، وهي تتوسّد المناسبات والذكريات. أخاف أن أوقظها فتنتابني أوجاع لا أبرأ منها أبدا.

أخاف - على وجه الدقة - أن يقع بصري على صورتي في العشرين فأصرخ مع الشاعر: - (ألا ليت الشباب يعود يوماً!) مع يقيني بأنّه لن يعود أبداً.

معلّقة على الجدران، وفي الساحات العامّة، بمقاييس أكبر حجماً من الإنسان ذاته، يكفي أن تعوي الريح حتى تشتّتها - مزقا -، في الجهات الأربع.

تتصدّر بطاقات هوياتنا حتى لكأنّنا لا نوجد في اللحظة التي ننساها أو نضيّعها: صورة بصمة طابع للجباية أو للبريد.

حسناً: رأسك الآن في الجيب مطويّة أيّ شيء تريد؟!!

كراسي من أجل سلامة العمود الفقري للإنسان، يجتهد النجّارون في تصميم كراسي وأرائك ودواوين وعروش مريحة قدر المستطاع.

تبدأ العمليّة بقطع آلاف الأشجار والقضاء على مئات الغابات، ثمّ يأتي الحرفيّون، فالأطبّاء، فأهل الزخرف والعلامة، فتكون الكراسي جاهزة للجلوس عليها:

- مقاعد التلاميذ الصغار.

- كراسي الموظفين والإداريين الطيّعين.

- مقاعد الانتظار ذات العواطف الباردة.

- عروش المتنفذين وأصحاب الكراسي.

وبعد انتهاء الحرب والخراطيش، يعود الضبّاط والجنرالات إلى الكراسي.. ويعود الجرحى من الجنود.. على الكراسي!! الكراسي.. الكراسي.. المآسي!!!

تونس


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة