Al Jazirah Magazine Tuesday  17/04/2007 G Issue 215
الافتتاحية
الثلاثاء 29 ,ربيع الأول 1428   العدد  215
 
دولة القذافي الفاطمية!!

 

 

يأبى الأخ العقيد معمر القذافي إلا أن يغرف من بحر علمه الغزير، فيتحدث لنا عن عشر روايات قال إنها للقرآن الكريم، وأنه يمكن لنا قراءة القرآن بهذه الرواية أو تلك، دون أن يزيدنا من علمه بما يفيدنا مما لا علم لنا به أو معرفة مسبقة عنه..

وأمامنا من جهة أخرى - بحسب فتوى الشيخ القذافي - فرصة لتطبيق المذهب المالكي في قضية معينة، وإن وجدنا أن المذهب الشافعي أيسر فيحق لنا أن نختار منه ما هو أيسر، وهكذا مع بقية المذاهب، أي أن بإمكاننا أن نختار من كل مذهب ما يناسبنا..

لكن الأخطر من كل هذا أن فضيلة الشيخ معمر القذافي توصل إلى فتوى غريبة حين قال إن جميع المذاهب الإسلامية لا تعدو أن تكون بدعاً، وإنها جاءت في عصر كل شيء فيه مشكوك في أمره.

***

ولم يدع العقيد الفرصة تفوته وهو يلقي بسمّه الزعاف من دون أن يوجه شكره للفرس الذين تشيّعوا لعلي لأنهم انضموا لأهل البيت كما يقول، مستغرباً - كعهدنا به - من أناس في الأردن ينتمون إلى أهل البيت من موقفهم غير المؤيِّد للشيعة في إيران، معلناً أن الدولة الفاطمية المزعومة ستكون في شمال إفريقيا شيعية المذهب، وسيؤيدها الإسماعيلون والزيديون والنزاريون والدروز والعلويون، وأنه يرحب بانضمام من يريد الانضمام إليها من المشرق العربي ومن أي جهة في العالم.

***

وللقذافي كلام كثير عن الدولة الفاطمية الثانية التي يبشر بها، ويعلن عن قيامها، إذ إنها بزعمه سوف تحل كل مشكلات المسلمين؛ حيث لن تكون هناك بعد اليوم مذاهب إسلامية، لا شيعية، ولا سنية، ولا غيرها، بعد أن أعلن أن الإيرانيين (سنة)، وأن من سماهم أبناء الجزيرة العربية والدول العربية الأخرى (شيعة)، على أن دولة العقيد المنتظرة (الفاطمية الثانية!!) ستكون على ذمة شيخنا الجليل (شيعية)، وقائدها سيكون المسلم الشيعي الأخ معمر القذافي بعد أن قرر سلاطين الطوارق إعلانه قائداً لهم، وأجمعوا على تسليمه كل الصلاحيات لتقرير مصيرهم.

***

أجل: إن معمر القذافي أصبح بهذا زعيماً لا مثيل له، ولن يكون له مثيل..

كما أنه شيخ ليس هناك من يشبهه، أو يحاكيه في تجلياته..

وهو بمواصفاته لا يملك غيره ما يملكه من إيماءات وحركات لافتة للنظر، ومثيرة للانتباه، ومن الطبيعي أن ينظر المرء إليها على أنها جزء من شخصيته المتوترة، ومؤشر للاستدلال منها على حقيقة وأسرار وغموض هذا الرجل.

***

ومعمر القذافي -على ما يبدو- يؤمن بمبدأ - خالف تعرف!! - وهو لهذا لم يجد ما يميِّزه على غيره إلا بهذا الخليط العجيب من الأزياء (المزركشة) التي يرتديها ممزوجة بحركاته (البهلوانية) التي ملَّها الليبيون والعرب والأفارقة، وازدراها العالم كله، دون أن يقبل بنصيحة صادقة من أي أحد، أو أن يستجيب لناصح مشفق عليه كلما صدرت عنه مثل هذه الآراء بكل قبحها وسوئها، بلا خجل منه ومن دون حياء.

***

والزعيم الذي بويع قائداً للدولة الفاطمية المنتظرة (!!) لا يتورع عن المجاهرة بالقول إن كلامه الذي قاله بمدينة (أغاديس) هو كلام الله، يعني أنه أخذه من القرآن، ولم يأتِ به من عندياته، وهو ادعاء يعرف القاصي والداني أنه أبعد ما يكون عن القرآن الكريم الذي لا يمسّه إلا المطهرون، فهل يمكن لمن ينسب خزعبلاته إلى القرآن الكريم أن يقنعنا بسلامة أهدافه ونواياه؟!.

***

ويستمر قائد ثورة الفاتح بالتأكيد على أنه لا توجد دولة شيعية في إيران إطلاقاً، متسائلاً متى قامت هذه الدولة؟، مضيفاً بأن الدولة الفاطمية هي أول دولة شيعية وأنها استمرت 260 عاماً، وأنها قامت في شمال إفريقية، وأن أحداً لو سأل عن العادات والتقاليد في هذا الجزء من العالم لوجد أنها عادات وتقاليد شيعية، فالشيعة ليست إيران، وإنما الشيعة شمال إفريقية، ونحن لا نقول للرجل المهووس بمثل هذا الكلام سوى (صح إلسانك!) يا فخامة العقيد.

***

ستكون هوية القذافي من الآن (فاطمية) وسوف ينصهر -كما أعلن- في دولته الشيعية العرب والبربر والأحزاب، وينصهر فيها اليمين واليسار، والمتطرفون وأنصار العنف، وبذلك - والقول له- ينتهي الصراع في الجزائر ومصر والسودان وغيرها، لأنهم أصبحوا بقرار منه فاطميين!.

***

يقول القذافي - ضمن أقواله - إن دولة الفاطميين الثانية أعطت من الآن الحرية لكل واحد بأن يمارس عبادته بحرية تامة، وأنه ليس هناك من شيء يتناقض مع شيء آخر أبداً، فلك أن تقرأ القرآن على رواية (نافع) أو على رواية أخرى، ولك أن تمارس العبادات بحسب ما شرحها لك مالك أو أحمد بن حنبل أو الشافعي، أو تكون من الخوارج، فأنت في هذا تملك الحرية التامة في ممارسة شعائرك كما تريد في ظل الدولة الفاطمية الشيعية الثانية التي عيَّنه الطوارق قائداً لها.

***

وبعد.. ما الذي يمكن للمرء أن يُعلِّق به على مثل هذا الكلام الخطير الذي يُنسب لرجل يتسلم منذ سبعة وثلاثين عاماً قيادة شعب ودولة، فلم يجدوا خلال حكمه غير هذا النوع من الكلام الرخيص، بينما يبدد ثروات شعبه على المؤامرات وشراء الضمائر، والعبث بعقله هو لا بعقل من يقرأ له أو يستمع إليه.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «2» ثم أرسلها إلى الكود 82244

خالد المالك


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة