Al Jazirah Magazine Tuesday  08/01/2008 G Issue 248
استشارات
الثلاثاء 30 ,ذو الحجة 1428   العدد  248
أساس المسؤولية الجنائية

الفعل والإرادة الحرة المختارة هما أساس المسؤولية الجنائية وشرطاها، كما أن الإنسان الحي هو وحده محل المسؤولية الجنائية لأنه وحده المميز المختار، فالحيوانات لا يمكن أن تكون محلاً لهذه المسؤولية لأنها عديمة التمييز والاختيار، وكذلك الميت لأن الموت يعدم تمييزه واختياره ولأن القاعدة في الشريعة أن الموت يسقط التكاليف واشتراط التمييز والاختيار يستوجب أن يكون الإنسان بالغاً عاقلاً.

فلا عقاب على الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق). ويقول عز وجل: (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم). فنص الآية يعفي الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم مما يوجبه على الرجال.

كما أن الجنون والعته مانعان من موانع المسؤولية في الشريعة الإسلامية لأنهما يعدمان سلامة الإدراك وصحة التقدير، وكما هو مبين من نص الحديث الشريف سابق الإشارة إليه أن المجنون شأنه شأن الصبي في عدم تحمل المسؤولية فلا يقام عليه الحد إذا سرق أو زنى أو قذف.

أما الجنايات التي توجب الدية أو القصاص فإنه لا يقتص منه وإنما عليه الدية فيها ذلك أن حقوق العباد لا تقبل السقوط خلافاً لحقوق الله سبحانه وتعالى فإنها تقبل السقوط في حالة العذر، هذا فضلاً عن أن حقوق المجنون المالية تثبت له وبالتالي فإن ذمته المالية تكون أهلاً لتحمل العقوبات المالية.

وحكم الصغير مميزاً أو غير مميز حكم المجنون في العقوبات التي تترتب على أفعاله المحرمة التي تصدر منه وإن كان بعض الفقهاء يرى تعذير الصبي المميز بالعقوبة المناسبة وهذا يعد من قبيل التهذيب والصيانة له وذلك خلافاً للمجنون والصبي غير المميز.

والتمييز يبدأ من السنة السابعة من عمر الصبي وينتهي بالبلوغ ومعظم الفقهاء حدد سن البلوغ بخمسة عشر عاماً وحدده مالك وأبوحنيفة بثماني عشرة سنة، وحدده بعض أصحاب أبوحنيفة بتسعة عشر عاماً.

الإكراه والمسؤولية

والإكراه مانع أيضاً من موانع المسؤولية الجنائية في الشريعة الإسلامية والإكراه هو فعل يفعله الإنسان بغيره فيعدم رضاه ويفسد اختياره وهو نوعان: إكراه تام يخشى فيه المكره تلف نفسه وهو الذي يعدم الرضا ويفسد الاختيار، وإكراه ناقص وفيه لا يخشى المكره تلف نفسه كالحبس والضرب، وهذا النوع يعدم الرضا ولا يفسد الاختيار، وقد يكون الإكراه مادياً أي يقع بالفعل وقد يكون معنوياً أي بالتهديد، ويشترط فيه أن يكون الشخص المهدد فيه قادراً على تنفيذ تهديده وأن يعتقد المكره أن المهدد سينفذ ما هدد به، وأن يكون الفعل موضع التهديد متلفاً للجسم أو جزء منه أو للمال أو بعضه وأساس امتناع المسؤولية أو العقاب في الإكراه قوله عز وجل: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان). وقوله: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). وفيما عدا القتل والاعتداء المهلك فإن الشريعة تبيح الأفعال المحرمة في حالة الإكراه كالسرقة والزنا والقذف والشرب، لأنه إذا ارتكب المكره الجريمة لينجو بنفسه من الهلاك فإنه في هذه الحالة يكون واقعاً لأشد الضررين وإذا كان الإكراه لا يجيز القتل أو الاعتداء المهلك فإنه يعد عذراً مخففاً فلا يقتص من المكره، وإنما يعذر عند أبي حنيفة والراجح في مذهب الشافعي أن فيه شبهة تدرأ القصاص ويكتفي بالدية.

والسكر مانع من موانع المسؤولية في بعض الحالات، وقد اختلف الفقهاء في تعريف السكر، فالجمهور يعتبر الشخص سكراناً إذا كان يغلب عليه الهذيان فلا يعلم ما يقول أما أبوحنيفة فقد اشترط في السكران فقدان وعيه كاملاً فإن كان في حالة وعي ولو نسبياً لا يعتبر سكراناً وقد اتفق الفقهاء على أنه إذا سكر الجاني اضطراراً أو إكراهاً كأن شرب خمر لشدة عطشه وعدم وجود ماء أو إذا سكر لأمر مباح كمن أعطي بنجاً لإجراء عملية جراحية له فإن أفعاله في هاتين الحالتين غير معاقب عليها فلا حد يقام عليه ولا عقوبة توقع به ويعفى عنه بالنسبة لحقوق الله تعالى، ولا يقتص منه أيضاً في حقوق العباد ولكن تترتب عليها المغارم المالية ولا خلاف بين الفقهاء في هذه الحالة ولكنهم اختلفوا في حالة تناول المسكر باختياره ولم تكن هناك ضرورة تدفعه لتناوله فالبعض قال أن يتحمل في هذه الحالة تبعة جرمه شأنه شأن غيره ولكن العقاب لا يوقع عليه إلا بعد أن يفيق من سكره ذلك أنه لا عذر له في السكر كما أن الإثم لا يبرر الإثم، وقال البعض الآخر إن عقوبات الحدود والقصاص لا تقام عليه لأن فقده وعيه وقت ارتكاب الفعل يوهن من معنى العمد وفي هذا شبهه وهذه العقوبات تدرأ بالشبهات ولا توجد شبهة أقوى من السكر وإن كان البعض قال بجواز تعزيره في هذه الحالة منعاً للفساد وزجراً للجاني السكير.

ولا خلاف فيما سلف ذكره من معنى المسؤولية وشروطها وموانعها بين الشريعة والقوانين الوضعية الحديثة، ولكن نظرة القوانين الوضعية في هذه الأمور حديثة ولم تعرف أهلية العقوبة بها إلا حديثاً، أما الشريعة الإسلامية فقد عرفت أهلية العقوبة منذ زمن طويل في نظرية تامة موحدة وبذلك تكون الشريعة الإسلامية قد سبقت القوانين الوضعية في هذا المجال.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة