Monday 21/10/2013 Issue 14998 الأثنين 16 ذو الحجة 1434 العدد
21-10-2013

دعوا المرأة تقود ... فقد تقدمت ولن تعود

أود أن أؤكد في أول المقال أن كاتبه متقاعد لا يحسن قيادة السيارة، ولذا هو مضطر للاتكال على سائق آخر سواء رُخص للمرأة بقيادة السيارة أم لم يرخص. ومع ذلك فلست محايدا، بل أرى في قيادة المرأة للسيارة ضرورة لا غنى عنها،

وأقف في صف المنادين بسرعة المبادرة إلى التصريح لها بذلك؛ ليس لأن الضرورات تبيح المحرمات - لأن القيادة أصلا لا تدخل في المحرمات - بل لأنها قضية مجتمع، والمجتمع في أمس الحاجة إليها ليكمل بها بنيان نهضته.

إن دواعي الحاجة والضرورة ظاهرة للعيان، ولكن غبار الذرائع الذي يثيره بعض المعارضين - ومنهم بلا شك محافظون وغيورون في منتهى الإخلاص - يشوش الرؤية. ولو علم المحافظون والغيورون بالفضائل - نعم الفضائل وليس مجرد المزايا - التي يحققها السماح للمرأة بالقيادة لكانوا هم أول المطالبين بذلك. دعونا نرى إن كان هذا ممكنا:

أولا - أصبحت المرأة فعلا في مركز متقدم في مسيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتشكل جزءا أساسيا من قوة العمل السعودية. فهي تشكل ثلث عدد الموظفين السعوديين في القطاع الحكومي، وخمس عدد العاملين السعوديين في القطاع الخاص ونصف عدد الدارسين في جامعات المملكة، حسب الإحصائيات السنوية لوزارات الخدمة المدنية والعمل والتعليم العالي. كما أنها فوق ذلك تتبوأ مراكز قيادية في المجالات التعليمية والصحية والاجتماعية وفي التجارة والمهن الحرة وفي أنشطة المجتمع المدني وفي مجالات البحث والتفوق العلمي. فالمرأة بعلمها وعملها رسخت وجودها ومكانتها في الفضاء الاجتماعي العام وتسهم في دخل الأسرة ورفع مستوى معيشتها وتشارك في قيادة العمل التنموي. فهل بعد ذلك نتساءل عن حقها في قيادة السيارة وضرورة حصولها على هذا الحق؟ إن الآراء المخالفة مبنية على الشك في ضرورتها والخوف من عواقبها.

- منها أن هذه القضية ليست أهم قضايا المرأة، وليست لها تلك الأولوية التي يدفع إليها المطالبون بقيادة المرأة للسيارة. فهناك حقوق المطلقات وتقاعد المرأة، وهناك وفيات المعلمات في حوادث الطرق في أثناء سفرهن إلى مكان عمل بعيد.... الخ. ومع الموافقة على أن هذه القضية ليست أهم الأولويات، إلا أنها من ضمنها، وإن أهملت أهملت بقية الحقوق ذات الأولوية؛ فهي حلقة في سلسلة حقوق المرأة التي هضمتها الوصاية والاستضعاف، وعندما تنفك هذه الحلقة تنفك الحلقات الأخرى، لأنها تدعم قوة الإرادة والشخصية لدى المرأة - كما أعتقد - وتجعلها أقدر على السعي وراء الحقوق الأخرى.

- بعض ذوي الآراء المخالفة - ولعلهم قلة - يخافون أن تكون قيادة السيارة وسيلة للانفلات والبعد عن رقابة الأهل وتوابع ذلك. إن هذه حجة بغيضة ربما تحمل بقايا من إرث وأد البنات الذي قضى عليه الإسلام، والرغبة في استمرار وأدهن وأداً معنويا؛ وهي أيضاً حجة من لا يثق في المرأة ولا يحترم إرادتها. ولكن إن فشلت تربية البيت والمدرسة في تهذيب سلوك امرأة فهل ستهذبه قيادة سائق أجنبي ؟

ثانيا - دور المرأة في تنمية المجتمع وتوطين الوظائف وتحمل جزء من دخل الأسرة ( أو كامل الدخل إذا كانت هي العائل) يحد من فعاليته مشكلة المواصلات المزمنة التي تشكو منها المرأة العاملة - كما تدل على ذلك الأبحاث والدراسات العديدة - بسبب اعتمادها على السائق الأجنبي أو سيارة الأجرة، أو سيارة الزوج أو الأخ أو الأب؛ ولكن أيضاً تقيد هذه المشكلة قدرة المرأة المسؤولة عن شؤونها وشؤون أسرتها على التحرك لمتابعة أمورها. وفي هذا السياق تحسن الإشارة إلى تأخر بعض الموظفين الرجال عن الدوام أو خروجهم في أثنائه لتوصيل نسائهم، وأثر ذلك على انسيابية العمل. ولكن هناك وجهات نظر أخرى، منها :

- أنه، مع التسليم بحق المرأة في قيادة السيارة فإن هناك مشكلات كبرى سوف تواجهها المرأة في أثناء القيادة تتمثل في تعرضها للإيذاء والمعاكسة والتضييق عليها في الطريق، أو حدوث عطل مفاجئ للسيارة تعجز المرأة عن التصرف حياله فتضطر لطلب العون من عابرين لا تعرف دخائلهم. ويمكن الرد على ذلك بأنه لا أحد ينكر ضرورة الاحتياط المسبق لمثل هذه المشكلات والاستعداد لتلافي السلبيات المتوقعة من خلال التوعية المكثفة وقيام الجهات الأمنية بإجراء فعال لرصد مضايقات الشباب الأرعن ووضع لوائح صارمة لمعاقبة من يتعرض لقائدة السيارة بسوء. ومن جهة أخرى سيكون من الضروري إدخال خدمة الأعطال الطارئة التي تستجيب فورا لمن يطلبها، كما هو مطبق في دول أخرى. وغني من البيان أن رخصة القيادة لا تعطى إلا لمن حصلت على تدريب كاف يشمل كيفية التصرف حيال الأعطال الطارئة.

ثالثا - السائق الأجنبي عبء اقتصادي كبير على الأسرة وعلى المجتمع. إذ إن تكلفته الشهرية التي تبلغ في المتوسط (1500) ريال ترهق الأسرة الفقيرة والمتوسطة الدخل، وهي تحتاج لهذا المبلغ لتغطية تكاليف ضرورات معيشية هي أيضاً مرهقة، ناهيك عن تكاليف الاستقدام. لكن تكلفة السائق مرهقة أيضاً للمجتمع. فالمملكة تحتضن أكثر من نصف مليون سائق خاص، يبلغ إجمالي تكلفتهم السنوية (12) مليار ريال يذهب أكثرها إلى خارج المملكة (علما أن هذه تقديرات متواضعة).

- يثار على احتساب هذه الحجة ضمن مسوغات الضرورة تساؤل حول جدوى قيادة المرأة للسيارة في هذا الجانب، ويضرب المثل بالكويت، حيث لا شيء يحول دون قيادة المرأة للسيارة، وهي تفعل ذلك حقا. إلا أن الأسر الكويتية لا تستغني عن السائق الأجنبي، خاصة في قضاء حاجات تتطلب المزاحمة والانتظار الطويل. وسيحدث مثل ذلك في المملكة، لأن المرأة لن تجد القيادة مريحة في ظل ظروف المرور الراهنة وقلة المواقف في المناطق التجارية وأمام المرافق العامة والمدارس والجولات المكوكية بين أكثر من مدرسة أحيانا، وربما يقول لسان حالها: اذهبي لشأنك مرتاحة ودعي القيادة في الزحام والانتظار الطويل للسائق. ولذلك يرى البعض أن ننتظر حتى يتم إنجاز مشروع النقل العام فإنه سيحل مشكلة المواصلات للمرأة. إن هذا التساؤل برمته غير منطقي لأسباب منها: أن مشروع النقل العام يحتاج عدة سنوات لإنجازه، كما أنه ينفذ في أربع مدن كبرى، وعندما يتم تشغيله كاملا فإن زحام الشوارع سيخف قليلا، وستفضل المرأة قيادة السيارة على وقوف الانتظار في محطة الركاب والانحشار وسط الراكبات. ولكن حتى قبل تشغيل النقل العام أو بدونه: هل كل امرأة مجبرة على قيادة السيارة؟ وهل كل امرأة تقود السيارة هي موظفة وأم لعدد من الأبناء والبنات؟ يجب أن لا نحلم بالاستغناء عن السائق الأجنبي مطلقا، لأن الظروف الشخصية والأسرية والمادية مختلفة ومتنوعة. ومن هنا تظهر أهمية فسح المجال أمام المرأة لتقرر هي بنفسها استعمال حقها الطبيعي في القيادة حسب ظروفها وظروف عملها وظروف أسرتها أو الاستمرار في الاعتماد على السائق الأجنبي. وقرار الاختيار في حد ذاته من شأنه أن يقلل من الحاجة للسائق الأجنبي تدريجيا مع تطور الوعي والأوضاع المرورية وتنظيم النقل المدرسي واكتساب المرأة لمزيد من الثقة والاحترام من بني مجتمعها.

 
مقالات أخرى للكاتب