Wednesday 23/10/2013 Issue 15000 الاربعاء 18 ذو الحجة 1434 العدد
23-10-2013

أَكانَ ذلك وجهَ أمّي؟! 3-3

(لابد من صنعاء وإن طال السفر)..

وصنعاء بالنسبة لي في تلك اللحظة كانت موقعاً هادئاً مريحاً أسكن إليه وأطمئن حتى إشعار آخر.

وصل السائق الآخر، الصديق لدايفيد وهو من نفس جنسيته (تشيكي الجنسية)، تعاون كلاهما في حمل أمتعتي من السيارة الأولى إلى الثانية، كنت في حالة انبهار شديد بهذا التفاني في الخدمة وبتلك الأخلاق العالية، رغم أنه لم يبدُ عليّ في تلك اللحظة بأني مليونيرة أو أنني سأعدُ أياً منهما بالمنّ والسلوى..!

ركبت مع السائق الجديد واسمه (إيفرم) ومازالت حكايات السائق الأول ديفيد تطوف برأسي، حيث ختمها بحديث عن أحد الأغنياء الذين قدموا لقضاء الصيف في لندن وربح أموالاً طائلة في صفقة مثيرة وعاجلة ربما لم يكن قد خطط لها تماماً قبل ذلك، حيث اشترى المليونير شقة بما يزيد على مليوني جنيه إسترليني وقضى فيها مع عائلته ثلاثة أشهر ثم باعها بربح يزيد على نصف مليون جنيه إسترليني، قال وهو يهز رأسه يمنة ويسرة: ذلك أمر مذهل حقاً!

أدهشني ذلك السائق الذي جمع ما بين مروءة وشهامة أهل الخليج وهمة وعزيمة البريطانيين وتفانيهم في العمل.

السائق الثاني كان كما وصفه صديقه لا يقل دماثة ولا أدباً.. انطلق بي إلى هتفيلد وهي بلدة جميلة تبعد عن لندن بالقطار المباشر عشرين دقيقة وبالسيارة حوالي ساعة، حالما وصلت هناك اتجهت إلى الفندق الذي أعلم أنه الأفضل سعراً لأجده ممتلئاً:

(Sorry, We are fully booked)

المعذرة الفندق محجوز بالكامل، كم كرهت هذه العبارة التي تكررت على سمعي كثيراً طوال تجوالي..

اتجهت إلى الفندق الآخر الذي اعتذر أيضاً، سألتهم فيما إذا كانوا يعلمون عن فنادق شاغرة حولهم، أجاب موظف الاستقبال: لا، لا أعتقد.. لكن يمكنك الذهاب إلى (سانت ألبانز) وهي بلدة صغيرة مجاورة!!

يا للكارثة..! هل سأقضي الليل في التجوال من مدينة إلى أخرى بحثاً عن سكن؟!

عندها شعرت بهبوط مفاجئ في معنوياتي واستغرقت مع ذاتي في صمت مطبق يشبه صمت القبور، فقدت بعضاً من تركيزي واستبدّ بي التعب، تذكرت الفندق الثالث الذي أعرف وحاولت قدح ذاكرتي لإرشاد السائق إليه، أعرفه جيداً غير بعيد عن الجامعة، لكنني في تلك اللحظة لم أكن قادرة على تذكر موقعه ولا كيف يمكنني الوصول إليه، طلبت من السائق أن يركن السيارة قليلاً جانباً كي أستعيد توازني، عندها تذكرت في لحظة صديقتي الجميلة الطيبة (غ) التي تكمل دراستها العليا هناك، حيث تسكن هي وطفلتها الصغيرة، وكنت أعلم بأن زوجها قد غادر في تلك الفترة إلى السعودية لظروف خاصة، إذاً لا مفر من التوجه إليها لقضاء الليلة في ضيافتها. اتصلت بها، رحبت كثيراً، توجهت إليها بلا تردد، حين صافحتني ملامحها وابتسامتها، تنفست الصعداء، ورغم أنها أصغر مني سناً إلا أنني شعرت بالدفء والأمان وكأنما رأيت وجه أمي.

مقالات أخرى للكاتب