Car Magazine Wednesday28/02/2007 G Issue 13
السلامة
الاربعاء 11 ,صفر 1428 العدد13
مشاهد مرورية .. من هنا وهناك
ما أحرانا بالتجربة الماليزية!

* إعداد - محمد الحمالي *

عدت مؤخراً من خارج المملكة بعد رحلة عمل تخللها بعض المشاهدات من هنا وهناك حول السلامة المرورية، تيقَّنت بعدها أن هناك مسافة زمنية وهوة واسعة تفصلنا عن كثير من الدول المتقدمة في مضمار السلامة المرورية.

إن أول ما يخطر ببال أحدنا عندما يتحدث البعض منا عن المعضلة المرورية هو توجيه اللوم مباشرة لإدارة المرور أو وزارة المواصلات أو البلديات.. وهذا اتهام غير دقيق وفي غير محله؛ فالسلامة المرورية بشكل عام لا يمكن أن تتحقق ما لم تكن هناك أربعة أسباب رئيسة تبذل في سبيل ذلك هي:

1- تعاون فاعل من أفراد المجتمع مع الجهاز المروري وإظهار التقدير له.

2- احترام متبادل بين أفراد المجتمع (السائقين تحديداً) ورغبة حقيقية منهم في التغيير نحو الأفضل.

3- تشجيع البرامج والأنشطة المرورية المتنوعة ودعمها على المستويين الحكومي والشعبي.

4- إدراك البُعد الاستراتيجي والحيوي الذي يلعبه جهاز المرور في المنظومة السياسية للدولة وتقديم الدعم الحكومي اللازم لهذا الجهاز الحيوي مادياً ومعنوياً، ويكفي أن نعلم هذا الكم الهائل من الخسائر البشرية والاقتصادية التي تتكبدها بلادنا سنوياً نتيجة عدم الأخذ بالأسباب الكاملة للسلامة المرورية.

مشاهد من ماليزيا

مكثت في ماليزيا قرابة 20 يوماً في مهمة عمل، ووجدت الانضباط المروري هناك وكأنك في واشنطن العاصمة. تفحصت وجوه الناس فوجدتهم من مشارب شتى: بعضهم من سكان البلاد الأصليين، جزء منهم خرج من الأحراش الماليزية، وبعضهم من جذور صينية، وآخرون من أصل هندي، وقليل من العربان!

الكل يقود مركبته أو دراجته النارية ضمن الحارة المخصصة له ضمن المسار المحدد، الجميع يلتزم ترك مسافة كافية تفصله عن السيارة التي أمامه، أما الشاحنات فتلزم المسار الأقصى المخصص لها طوال الطريق. لا تجد أحداً يتجاوز خط المشاة أو يغلق المسار عند إشارة المرور، لا تسمع أصوات المنبهات البتة عند إشارات المرور أو عند التقاطعات أو المدارس سواء ليلاً أو نهاراً.

عشرين يوماً قضيتها هناك لم أشاهد خلالها أي حادث مروري حتى لو كان بسيطاً أو أن أحداً أوقف سيارته أو دراجته بشكل خاطئ، أبداً. لم أشاهد أحداً يتجاوز الإشارة الحمراء أو أن أحداً يقترب بسيارته من السيارة التي أمامه بشكل خطر أو أن أحداً يستخدم أضواء مصابيحه الأمامية العالية High Beam في وضح النهار بما يتسبب في مضايقة السائقين القادمين من المسار المقابل (كما يفعل كثير من الأغيلمة عندنا دون أن يحاسبهم أفراد المرور على ذلك).

في ماليزيا كأنك في مجتمع أفلاطوني؛ الجميع يحترم بعضاً رغم أنهم من أجناس شتى، الجميع يحترم القانون، للمشاة الأفضلية، وللأطفال مكانة خاصة، والسائق الذي يرغب في أن يتجاوز السيارة التي أمامه له احترام وتقدير (وليس أبواق وتكبيس!).

الحفاظ على البيئة

في ماليزيا يلتزم أصحاب الشاحنات بنظافة البيئة التي يعملون فيها حتى أن الدهشة لتأخذك عندما تعلم أن القانون هناك يُلزم أصحاب المنشآت التي في طور البناء بأن يضعوا مساراً (بركة ماء) عند بوابة المشروع مخصصاً للشاحنات التي تمتلئ بالوحل والغبار بحيث يتم تنظيفها تماماً قبل الخروج إلى الشارع! لم أشاهد أحداً يرمي بأوراق أو أي مخلفات في الطريق أو يبصق في الطريق سواء عند الإشارات المرورية أو أثناء قيادة المركبة (كما تفعل العمالة الآسيوية عندنا!). في ماليزيا لا تشاهد السيارات أو الشاحنات أو حتى الدراجات النارية يخرج من عوادمها الدخان؛ فالبيئة عندهم مقدَّسة والحفاظ عليها مسؤولية الجميع.

لوحة الشرف وقائمة العار

على الرغم مما سبق فإن وزارة المواصلات الماليزية لم ترغب في أن تفسح المجال للسائقين المتهاونين (ولا أقول المتهورين كما الحال عندنا) في أن يحدثوا خللاً في المنظومة المرورية، فكان أن أقرَّت الوزارة في شهر يوليو من عام 2005 مشروعاً يسمح للمواطنين والمقيمين باستخدام الكاميرات الرقمية لرصد بعض المخالفات المرورية ومن ثم تحميل الصور عبر موقع إنترنت يتبع لوزارة المواصلات ويدعى Pandu Cermat، كما أقرَّت الوزارة في نفس الوقت قائمتين: الأولى تدعى سِجِل الشرف Hall of Merit وهي خاصة بالمواطنين والسائقين المتعاونين مع أفراد الشرطة والمرور في ضبط المخالفين، والثانية تدعى سِجِل العار Hall of Shame وهي مخصصة لأولئك السائقين المخالفين بمن فيهم أولئك الذين تم ضبطهم بواسطة الكاميرات الرقمية من قبل المواطنين والمقيمين.

الإرادة الصادقة في التغيير

العجيب في الأمر أن ماليزيا لم تحصل على استقلالها إلا عام 1957، وكان جزء كبير من سكانها قبيل الاستقلال إما يعيشون في الأدغال أو أنهم صائدو أسماك، وهذا رد مفحم على من يبرر كون الحضارة (ومن ذلك السلوكيات المرورية الخاطئة) تحتاج إلى وقت ليتسنى للمجتمع التوافق معها والعمل بها!

باختصار إنها الإرادة الشعبية الصادقة في التغيير نحو الأفضل ومن ذلك احترام قانون السير. هذه هي الحقيقة وما عدا ذلك من تهم وتبريرات غير دقيقة تُلقى جزافاً على هذه الجهة أو تلك لا يعدو كونه حيلا عقلية لا شعورية كالإسقاط النفسي Projection يسعى البعض من خلالها إلى تبرير فشلنا في تحقيق النجاح.. واسألوا علماء النفس والاجتماع عن ذلك.

3000 ريال غرامة تجاوز الإشارة الحمراء في قطر

تبلغ غرامة قطع الإشارة الحمراء في دولة قطر الشقيقة 3000 ريال وليس كما هو الحال عندنا، حيث تتراوح الغرامة من 300 إلى 900 ريال (غالباً ما تكون 300 ريال مع حجز 24 ساعة في بعض الأحيان). العجيب في الأمر أنه سبق أن قامت الإدارة العامة للمرور في المملكة قبل حوالي 10 سنوات برفع سقف غرامة تجاوز الإشارة المرورية الحمراء إلى 3000 ريال وبحد أدنى 900 ريال بجانب عقوبة السجن، لكن هذا الأمر لم يستغرق سوى بضعة أسابيع اضطرت بعدها الإدارة مكرهة إلى العمل بالنظام القديم، علماً بأنه تم تحقيق انخفاض ملموس في نسبة تجاوز الإشارة الحمراء خلال هذه الفترة!

في قطر (كما هو الحال في البحرين والإمارات وعُمان) لا يدور بك رأسك في الميادين أو الدورات؛ فالجميع يمنح الأفضلية للقادم من اليسار حتى لو اضطر الآخرون للانتظار دقائق (ولا أقول ثواني) ودون أن تسمع أحداً يستخدم منبه سيارته لاستعجال الآخرين واقتحام الدوار عنوة. الوضع عندنا مختلف تماماً: الأفضلية للأكثر تهوراً!

التشهير والغرامة للمتهورين في الإمارات

مع أن الانضباط المروري في دولة الإمارات الشقيقة يعتبر أفضل حالاً من بعض الدول المجاورة، لكن ذلك لم يمنع سلطات المرور في إمارة دبي البدء في تطبيق عقوبة التشهير بأرقام سيارات المتهورين في شوارع المدينة، وذلك بنشر صفحة كاملة عن صورة المتهور ورقم سيارته في الصحف المحلية وعلى نفقته الخاصة، وذلك اعتباراً من تاريخ 22-10- 1427هـ.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي سبق أن وجه بعدم التهاون مع مخالفي قواعد المرور، وأمر بتغليظ العقوبة المطبقة بحقهم، حيث تقرر ترحيل السائقين الأجانب الذين يتجاوزون الإشارة الحمراء ويرتكبون حوادث مرورية أثناءها.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة