Culture Magazine Monday  05/02/2007 G Issue 185
فضاءات
الأثنين 17 ,محرم 1428   العدد  185
 
تمييز مستتر وعنصرية مبطنة!!
أمل زاهد

 

 

صرح الدكتور عبد الله الغذامي في ملتقى النص العام الماضي الذي أقامه النادي الأدبي بجدة بأنه اضطر إلى تغيير عنوان ورقته؛ وذلك لأنه فوجئ بورقة الناقدة الدكتورة لمياء باعشن وبمحتواها، وانبهر باستنتاجاتها التي زحزحت عنوان محاضرة الأديب الراحل حمزة شحاتة (الرجولة عماد الخلق الفاضل)، ووضحت الخطاب المضمر فيه؛ لتصل إلى الافتراضية التي قلبت العنوان إلى (الأنوثة عماد الخلق الفاضل).

وعلى قدر ما تظهر كلمات الدكتور الغذامي إعجاباً جلياً وانبهاراً واضحاً بورقة الدكتورة لمياء، على قدر ما يخفي خطابه المتضمن ذلك المديح الظاهري إنكاراً لتميز المرأة واستهانةً بالمنتج الثقافي للمرأة السعودية، وكأنه يقول إنه لم يكن يتوقع أن يصل عقل أنثوي (محلي) إلى هذا الاستنتاج الذكي، ولا إلى القدرة على قراءة الخطاب المضمر، وتفكيك مفرداته!

وهنا أجد أنه لا مفرّ لي من رفع تساؤل بريء يقول: هل سيصرح الدكتور الغذامي بهذا الإعجاب لو كان الكاتب رجلاً؟!

ولا أرى حقيقة في شهقات الانبهار المبالغ فيها هذه إلا الصورة الأخرى الموازية لتلك المنكرة أن يكون الإبداع مدموغاً بدمغة أنثوية، فكلاهما يسير في ذات الخط الذي يرفض التصديق أن الإبداع من الممكن أن يتوج رأس امرأة أو يتدفق من عقل وقلم أنثوي؛ فالإبداع - في عرفهم - لا يمكن إلا أن يلبس شوارب الذكورة ويرتدي ثراء ورجاحة العقل الرجولي وقدرته على الوصول إلى آفاق التميز!!

وفي هذا السياق اتُهمت الروائية المبدعة أحلام مستغانمي بأن من كتب روايتها (ذاكرة الجسد) هو سعدي يوسف! فلا يمكن - في تقديرهم - أن تصل امرأة إلى تخوم الإبداع، ولا بد من رجل يقف وراءها ليمنحها بكل بساطة وأريحية منتجه الأدبي لتضع عليه اسمها وتنال المجد الذي يفترض أن يكلل جبهته هو!!

كما رفع الناقد عبد الله السمطي أصابع الاتهام في وجه الأديبة السعودية ليلى الجهني زاعماً أنها سرقت فكرة روايتها (الفردوس اليباب) من فيلم أمريكي، وقد وصل إلى هذا الاستنتاج الجهبذ لورود عبارة على لسان بطلة الرواية تتشابه مع عبارة وردت في الفيلم، ثم زاد في محاولة غير موفقة محاولاً اقتناص ملامح تشابه بين قصة الفيلم وقصة الرواية، متجاهلاً أن قصة خداع فتى لفتاة ثم التنكر لها موجودة في كل الثقافات، وقد تناولها كتاب كثيرون كلاً بطريقته وأسلوبه؛ فهل سرقوا جميعاً أفكارهم من الفيلم المذكور؟! وألا يكمن الاختلاف والتميز في أسلوب الطرق وتقنيات السرد ولغة الكتابة والأسئلة الشائكة التي يثيرها العمل؟ ولا أرى في هذا النقد المجحف إلا محاولة لسحب البساط من تحت سن القلم الأنثوي ورغبة في إنكار الإبداع إذا ما صدر من موهبة تنتمي إلى الجنس المستنكر عليه دائماً أن يرتفع إلى قمم الإبداع!

تعاني المرأة العربية عامة، والسعودية خاصة، من صنوف مختلفة من التمييز الجنسي، ولعل أبشع صنوف هذا التمييز هو ذلك الذي يرتدي ثوباً مستتراً!! فيستتر خلف أقنعة الوعي، ويتمركز هناك في طيات اللا وعي، ولعل من يمارسه لا يعلم به ولا يدرك طبيعته، وهنا تكمن خطورته؛ فله نتائج سلبية دون وجود ظاهري ملموس نستطيع من خلاله تحديده والإحاطة به والتعرف عليه، ومن ثم إدانته ورفضه.

والكارثة حين يصدر هذا التمييز المبطن والعنصرية المستترة من رموز ثقافية تظهر تعاطفاً مع المرأة، وتزعم المنافحة عن قضاياها، بينما لا يزال ذلك الذكر الناشئ على احتقار المرأة والحط من شأنها قابعاً في دواخلهم، فيتسلل رغماً عنهم ليدينهم بما يستنكرونه ويستهجنونه في ظاهر كلامهم!!

تعاني أيضاً المثقفة والأديبة السعودية من ظاهرة التصفيق والاحتفاء المبالغ فيه بمنتجها الثقافي، حتى لو لم يتوافر في العمل مقومات الإبداع والتميز!! ويصل هذا الاحتفاء إلى التربيت على الكتفين والتغاضي عن النواقص والتجاوز عن الهنات!!

وأنا هنا أتساءل: هل كانت رواية (بنات الرياض) ستلاقي ما لاقته من نجاح وضجة إعلامية لو كان كاتبها رجلاً؟! وهذا لعمري صنف آخر من صنوف العنصرية المبطنة التي تلبس ثوب الاحتفاء والإطناب المبالغ فيه، وكأن لسان حال المادح يقول إنه لا ينتظر من قلم أنثوي إبداعاً متميزاً أو إنجازاً خارقاً!! فهذا أعلى ما تستطيع الوصول إليه امرأة، فلنصفق لما لا يستحق التصفيق إن صدر من هذا الكائن المختلف والمحدود المواهب!!

وفي عنصرية الاحتفاء والمديح المبالغ فيه تجنّ على المثقفة السعودية، ليس لأنه فقط يحتوي على استهانة مضمرة بعقلها وإمكانياتها ومواهبها، ولكن لأنه يخفي عنها الحقائق ويريها صورة مزيفة عن ذاتها ويضخم لها مميزات إنتاجها؛ فلا تسعى إلى رفع المقاييس التي وضعتها لنفسها؛ فتراوح مكانها ولا تنتقل منه؛ فقد تضخم إحساسها بذاتها، وصدقت أنها (جابت الديب من ديله)، كما أوحت لها زفة المديح وجوقة المطبلين.

زد على ذلك أن هذا الاحتفاء بمنتج المرأة السعودي دون وجه حق يهضم كثيراً من الأعمال المكتوبة بأقلام رجالية حقها؛ فتغلق دونها أبواب الثناء وتجفوها الأضواء الإعلامية لحساب أعمال لا تبزها جودة ولا تدانيها تفوقاً!!

تحتاج المثقفة السعودية أحوج ما تكون إلى النقاد الصادقين مع أنفسهم أولاً، الذين يرصدون خطواتها، ويقوّمون عثراتها، ويدعمون مسيرتها دون تفريط ولا إفراط؛ فلا احتفاء يقلدها ما لا تستحقه، ولا نقد مجحف يستنكر عليها الإبداع والتميز!! وأبشع من هذا وذاك ذلك الانبهار الذي يحوي في طياته استخفافاً بها وانتقاصاً من قدراتها!!

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7446» ثم أرسلها إلى الكود 82244

Amal_zahid@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة