Culture Magazine Monday  05/02/2007 G Issue 185
فضاءات
الأثنين 17 ,محرم 1428   العدد  185
 

رداً على الدكتور مرزوق بن تنباك «4»
بالدليل.. الكتاب وما فيه باطل
محمد عامر الفتحي

 

 

سابعاً: يقول الدكتور «ولقد خيب الأستاذ الفتحي ظن القراء عندما لم يجد في كل التراث الذي هو تخصصه نصاً واحداً يثبت أن العرب يئدون البنات، ويكذب ما زعم الكتاب ومؤلفه». وأقول له إن النصوص موجودة، وأتعجب أن يكون الدكتور لم يقع على شيء منها بعد، أو أنه يظن أن أحداً لن يقع على شيء منها!.

وليست القضية قضية شاهد، وإنما القضية قضية منهجية تقبل الحق وتعود إليه. فمن ذا الذي يضمن لي ألا يرده الدكتور بعد أن رد الأحاديث وسفه التفاسير؟!

وبعد أن رد ما قال الفرزدق واعتبره اختلاقاً من عند نفسه؟!

لولا ذلك لأوردت مثل قول الشاعر:

سميتُها إذ ولدتْ تموتُ... والقبر صهرٌ ضامنٌ خريتُ

ثامناً: وليس بأقل غرابة من سابقيه، فالدكتور يقول عني ((ينقض ما أورده الكتاب من سؤدد قيس بن عاصم والدليل عنده أن السيد عند العرب لا يمكن أن يهجو ابن عمه ولا يقلل من شأنه كما فعل قيس بن عاصم مع ابن عمه عمرو بن الأهتم عند الرسول))! ها هو الآن يقولني ما لم أقل!

وإنما قلت ((وحين ننظر إلى ما أورده عن قيس بن عاصم، سنجد أنفسنا بين طرائق لا تلتقي، فالدكتور حيناً يصدّق ما أوردته (المصادر القديمة) عن قيس واشتهاره بالفضائل وكريم السجايا.. بل يعتمدها دليلا على أنه لا يمكن لرجل في فضله وحلمه وعقله أن يقتل ولده.. ثم يورد نقلاً عن تلك (المصادر القديمة) ما يشوّه الصورة الجميلة لهذا السيد العربي الكبير، وينقض هذه الخصال الحميدة، حتى إنه ليحتقر ابن عمه - عمرو بن الأهتم الذي تركوه في رحالهم لصغر سنه - عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم. يصدّق الدكتور المصادر القديمة التي تتحدث عن هذا لأنه سيتخذ منه دليلاً على قضيته! ثم يكذّب تلك المصادر حين تكمل نفس القصة، في نفس الزمان والمكان، فينكر الجزء المتعلق بسؤال قيس الرسول صلّى الله عليه وسلم عما كان يفعله من الوأد في الجاهلية، لأنه لا يريد إثبات هذه القصة! ولست أريد من هذه الملاحظة إلا أن أريكم كيف يختار الدكتور منها ما يوافق ما يريد فيأخذ من الأثر الواحد جزءا فيصدقه ويقيس عليه.. ويرفض جزءا فيكذبه! أما كيف فعل الدكتور ذلك! فلأنه يتخذ من الجزء المتعلق بحادثة إنقاص قيس من شأن ابن الأهتم دليلاً على أن قيساً لم يئد بناته، فلو كان قيس قد فعل لكان عمرو بن الأهتم قد هجاه بذلك لما بينهما من العداوة.. والدكتور يتعمد ألا يكمل القصة! لأنه لو أكملها لكانت نقضت نظريته! نسي الدكتور هنا أن المصادر التي يعتمدها الباحث تكون حجةً له.. وفي الوقت ذاته تكون حجة عليه. وأن إعمال العقل لاستنتاج التأييد.. يستلزم قبله إعمال العقل ذاته لفحص الدليل. وأنه لا تثبت قصة العداوة ما لم تثبت قصة الوفادة على الرسول صلّى الله عليه وسلم ومن ثم قصة السؤال عن الوأد، وقصة سؤال أبي بكر لقيس بن عاصم)) هذا ما قلته فأين ما اتهمني الدكتور به؟!.

إن الدكتور يعلم أنني إنما أتحدث عن تصديقه للمصادر القديمة حين يريد وتكذيبه لتلك المصادر حين يريد، واتخذت من قصة قيس دليلاً، فالدكتور يصدق الجزء المتعلق بالوفادة وتحقير قيس لعمرو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يكذب الجزء الثاني من هذه القصة لأنه يتعلق باعتراف قيس بأنه وأد بناته! هذا ما قلته وما قرأه الدكتور، فكيف انصرف عنه إلى غيره؟! إلى درجة أنه راح يعلمني كيف تنشأ العداوات بين أبناء العم! وعلم الله أنني أعلم.

ليقل لي الدكتور الآن كيف تجاوز قولي: (ولست أريد من هذه الملاحظة إلا أن أريكم كيف يختار الدكتور منها ما يوافق ما يريد فيأخذ من الأثر الواحد جزءا فيصدقه ويقيس عليه.. ويرفض جزءا فيكذبه! أما كيف فعل الدكتور ذلك! فلأنه يتخذ من الجزء المتعلق بحادثة إنقاص قيس من شأن ابن الأهتم دليلاً على أن قيساً لم يئد بناته، فلو كان قيس قد فعل لكان عمرو بن الأهتم قد هجاه بذلك لما بينهما من العداوة.. والدكتور يتعمد ألا يكمل القصة! لأنه لو أكملها لكانت نقضت نظريته! نسي الدكتور هنا أن المصادر التي يعتمدها الباحث تكون حجةً له.. وفي الوقت ذاته تكون حجة عليه. وأن إعمال العقل لاستنتاج التأييد.. يستلزم قبله إعمال العقل ذاته لفحص الدليل. وأنه لا تثبت قصة العداوة ما لم تثبت قصة الوفادة على الرسول) ثم راح يحدثني عن العداوة بين الأعمام؟!.

تاسعاً: يريد الدكتور أن يناقش قولي: (وهنا نعود للتذكير بأننا نأخذ على الدكتور أنه يصدق كتب الأدب في الروايات التي تدعم موقفه التنظيري.. ويكذبها في الروايات التي لا تدعم موقفه. إن كتب التفاسير وكتب اللغة وكتب الأدب والسير لا تساوي عند الدكتور مثقال ذرة في مسألة إثبات قضية الوأد.. فهي عنده إما كاذبة وإما واهمة وإما مستغلة. ولكن الكتب ذاتها تصبح عنده مصدراً موثوقاً حين يتعلق الأمر بقضية قد تعطي ملمحاً - ولو من بعيد - يؤكد ما أراد الدكتور تأكيده. ولست أرى في هذا التناقض ما يخدم أساليب البحث العلمي الرصين، ولا المنهج الأكاديمي العادل).

فيقول: (في هذه الفقرة قولان لأخينا الفتحي تعقيباً على كتاب الدكتور مرزوق بن تنباك، الأول أن المؤلف يعتمد على كتب الأدب وهو لا يأخذ كل ما جاء فيها على علاته بل يمحص ما يريد منها ويأخذ ما يخص قضيته التي يناقش وهي قضية أدبية دينية مصدرها كتب الأدب وكتب التفسير والحديث) وليس لدي شك في أن الدكتور قرأ أسطري، وأيقن أنني تحدثت عن الانتقائية ولم أتحدث عن التمحيص، والأمر أوضح من أن يخفى عليه.

عاشراً: يقول الدكتور متحدياً.. (إن ثبت أن بنتاً واحدة وئدت في كل تاريخ العرب الجاهلي وليس أربعمئة بنت فالكتاب وما فيه باطل)!

وأنا أقول له بأن الوأد ثابت.. والأدلة كثيرة.. فيها آيات فسرها الصحابة بوأد البنات.. وأحاديث تحدثت عن الوأد على حقيقته بقرينة ذكر القبر والقبر معروف معلوم الوظيفة.. وفيها قصص وأبيات شعرية جاهلية وإسلامية..

فعلى هذا يكون الكتاب وما فيه باطل.. بدليل آيات الوأد.. لا يضيرها تفسيرك لها.

ويكون الكتاب وما فيه باطل.. بدليل الأحاديث في الصحاح.. لا يضيرها إنكارك لها.

ويكون الكتاب وما فيه باطل بإجماع الأمة.. لا يضيرها اختلافك عنها.

ويكون الكتاب وما فيه باطل بدليل أشعار العرب في الجاهلية والإسلام.. لا يضيرها تكذيبك لها.

ويكون الكتاب وما فيه باطل بدليل القصص المتوارث منذ تلك الحقب.. لا يضيرها رفضك لها.

ويكون الكتاب وما فيه باطل على اعتبار أننا لو افترضنا أن لكل قضية شهود إثبات وشهود نفي لكان شهود إثبات الوأد أكثر بلا مقارنة من شهود نفيه.

وأخيراً أريد أن أذكر الدكتور بأنه رد الآثار الثابتة دون أن يأتي بأثر صحيح يدلل به على صدق نظريته.. وإنما كان اعتماده على ظنه هو.. وهو يعلم أنه غير معصوم.

فمن حقنا أن نقول: إن ثبت أن العرب لم تئد البنات فإننا نعتذر من الدكتور!.

انتهت


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة