Culture Magazine Monday  05/02/2007 G Issue 185
فضاءات
الأثنين 17 ,محرم 1428   العدد  185
 

و.. أخيراً عرفتك أيتها الأمسيات (1)
فيصل أكرم

 

 

سبعة عشر عاماً أكتبُ شعراً، وكانت بدايتي الحقيقية - هنا في صحيفة (الجزيرة) - فيها من الكثافة والهطول الغزير ما جعل المتابعين يصفونها بأنها (صاروخية)!

فطيلة عقد التسعينيات الميلادية، كنتُ أنتج قصيدتين في الأسبوع.. وأحياناً ثلاثاً!

ومع هذا لم أشارك قط في (أمسية شعرية)..

قد لا يعرف الكثيرون أن معظم المهرجانات التي أقيمت في التسعينيات قد أتتني دعوات للمشاركة فيها.. وكنتُ أعتذر بشكل قاطع.. وقد لا يعرف إلاّ القلة من أصدقائي أنني، منذ وفاة أمي وأبي (رحمة الله عليهما) عام 1405هـ- 1985م كنتُ أعتذر عن عدم حضور الحفلات بكل مناسباتها (خصوصاً الأعراس)..

إلى أن حدث حادثٌ غير اعتياديّ في حياتي، منذ أقل من عام واحد.. حين رأيت إحدى بنات شقيقتي تكبر وتصبح عروساً.. لم أستطع أن أمنع نفسي عن حضور حفل زفافها.. فكان أن حضرت، ورأيتُ منظراً كنت قد نسيته تماماً، وشعرتُ بشعور كان قد مات في داخلي منذ أكثر من 22 عاماً.. (من العزلة)!

المهم أنني فرحتُ بتمكني من كسر الحاجز الصلب الذي فرضته على نفسي، رغماً عني، وبدأتُ (أدوزن) نفسي، وأجهزها، لكسر الحاجز الآخر.. الأكثر صلابة.. وهو الذي وضعته بين قصائدي والأمسيات الشعرية..

ولكن: ما السرّ في هذا (الحاجز) ولماذا هو أكثر صلابة وقدماً من السابق؟

سأحاول شرح أسبابي بالتفصيل، ولكني لا أستطيع تحديد الخاص من العام!

فهي، وإن كانت خاصة.. فقد تكون عامة على نحو ما.

بداية، سأذكر هذه الحادثة:

عندما كنتُ في الصف الرابع الابتدائي، بالمدرسة النموذجية الابتدائية في مكة المكرمة، أقامت المدرسة حفلاً يتضمّن عرضاً مسرحياً.. لا أدري من كَتَبه.. ولكنّ مدرّس الفصل اختارني ضمن المشاركين.. وأعطاني جملة (ليست مفيدة!) وأمرني أن أحفظها لكي أصعد على المسرح وأقولها أمام الجمهور!

الجملة كانت تقول (أنا الخباز بالحِيَلِ رغيفي يتركَ الفرنَ)!

اشمأزّت نفسي من العبارة والمعنى، وحاولت الاعتذار، ولكن الأستاذ رفض!

لم يكن من حق التلميذ أن يعتذر!

وجاء وقتُ عرض المسرحية.. وجاء دوري.. صعدتُ مرغماً.. وقفتُ أمام الجمهور.. وقفتُ خلف المايكروفون.. بدأتُ أقول (أنا.. الخباز.. ب.. بال.. بالحِيَلِ....) ولم أستطع إكمال العبارة.. وقعتُ مغشيّاً عليّ من شدة الإحراج..

سحبني المدرس إلى فصل من الفصول الفارغة، وتركني هناك حتى انتهاء الحفل.. ونسيني هناك (كما قال لاحقاً) فلم أفق إلا منتصف الليل.. حيث صارعتُ الظلام وأخيلة الأشباح إلى أن جاء فرّاش المدرسة بعد صلاة الفجر وفتح الباب..

كانت ليلة من أقسى الليالي التي مررتُ بها في طفولتي..

ولعلها كانت السبب في إصراري على الاعتذار عن عدم المشاركة في كلّ أمسيةٍ (منبرية - جماهيرية) دُعيت إليها.. فعلى الرغم من ظهوري المتكرر (تلفزيونياً وإذاعياً) في مقابلاتٍ وأمسياتٍ قرأتُ فيها الكثير من قصائدي.. غير أن (الأستوديو) يختلف عن (المنبر.. أو المسرح)!

ومايكروفون الأستوديو صامتٌ، ليس كمكبّر الصوت في الأمسية الجماهيرية!

كما أنّ في الإذاعة أو التلفزيون لا يكون أمامي سوى مقدّم البرنامج والفريق الفني، وليس جمهوراً غفيراً!

فما الذي دفعني مؤخراً إلى البدء في (دوزنة) نفسي على التجهّز للمشاركة في أول أمسية أدعى إليها؟

بالطبع إن كسر الحاجز الذي كان بيني وبين (الاحتفالات) كان له دور كبير، ولكن أيضا هناك مسببات أخرى..

فقبل عدة شهور، دعاني الفنان التشكيلي الصديق - ناصر الموسى، إلى زيارةٍ في بيته.. شكرته وحاولتُ الاعتذار.. غير أنه أصرّ.. ولأنه عزيزٌ جداً فرحتُ بإصراره وحرصتُ على الحضور..

كنتُ أتصوّر أنني آتٍ للحديث معه في أمرٍ ما.. أو أنها دعوة تجمع بعض الأصدقاء للتواصل.. ففوجئت ببيته العامر (ما شاء الله تبارك الله) يعدّ من أرقى الصالونات الأدبية.. وقد جهّزه ليكون منتدىً دورياً تقام فيه الندوات والأمسيات.. وفوجئتُ بمجموعة من صفوة الأدباء والفنانين، كانوا آخذين أماكنهم في الصالون - المنتدى.. والمفاجأة الكبرى بالنسبة لي كانت أنني (ضيف المنتدى) من دون أن أدري أو أحتاط!

وضع الفنان ناصر الموسى أمامي عدداً من دواويني، وكان مدير الجلسة الأديب الصديق - خالد اليوسف، الذي دعاني للبدء في القراءة!

رجوت الصديق خالد أن يبدأ هو بقراءة شيء من قصصه حتى (أتشجّع!) فالمسألة عندي تحتاج إلى شجاعةٍ من نوع خاص!

وبالفعل قرأ خالد اليوسف قصة قصيرة، ما أن انتهت حتى بدأت أنا في قراءة قصيدة من الديوان.. لم أتعمّد اختيارها تحديداً ولكني فتحتُ أحد الكتب بشكل عشوائيّ وبدأت أقرأ من أول عنوان وقعت عليه عيناي.. فإذا بها قصيدة (آتٍ من الوادي) وهي قصيدة طويلة من خمسة أجزاء!

انتهيت من قراءة القصيدة، وهنا فوجئت بالحضور يسرفُ في الثناء والإطراء.. ويعاتبني لاعتذاري عن المشاركات الجماهيرية!


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة