Culture Magazine Monday  05/02/2007 G Issue 185
فضاءات
الأثنين 17 ,محرم 1428   العدد  185
 

الذين يعرفون..!!
والذين لا يعرفون..!!
قاسم حول

 

 

ألم يسأل العربي في منطقتنا الشرق أوسطية، أو ألم يسأل المسلم في منطقتنا العالمية لماذا كل هذا الزخم من الفضائيات التي تتكاثر وتفرخ فضائيات عن فضائية. أم تربي أولادها وتلبسهم ثياباً مختلفة وتعلمهم درساً واحداً.. كيف يدخلون بيوت الناس الآمنة لتخريبها!؟

هذا السؤال يحتاج إلى إجابة تتعلق بمصدر الصورة. ومصدر معرفتها ومعرفة نواياها ومعرفة قدراتها العلمية في التأثير. وبعيداً عن نظرية المؤامرة والله العلي العظيم، فأنا غير ميالٍ لهذا التعبير لأنه صار مستهلكاً حتى بات سخيفاً، فإنني أنقل للقارئ عبر هذه الثقافية الطيبة والجميلة والتي أحبها يوماً بعد يومٍ. أنقل للقارئ ثلاث فقرات من تقرير بريطاني مرسل من السفارة البريطانية في العراق في 4 حزيران عام 1936م، والتقرير يتعلق بالصورة وبالإعلام وذلك بعد أن سمحت بريطانيا بنشر الوثائق التي مر عليها نصف قرن من الزمان.

يتكون التقرير من ثماني فقرات قسم منها يتعلق بالتجارة وهو مرتبط بشكلٍ غير مباشر بالإعلام وقسم مخصص بشكلٍ مباشر عن الإعلام.

والتقرير موقع من السفير السير أ. كلارك كير ومعنون إلى وزير الخارجية البريطاني.

يبدأ التقرير بكلمة: سيدي

1- إشارة إلى تقريري المرقم (E. 208) والمؤرخ في 23 نيسان، أتشرف بإعلامكم أن الدعاية الألمانية السياسية منها والتجارية قد اشتدت بصورة ملحوظة في العراق خلال الشهور الأخيرة.

2- إن الدعاية السياسية تتم بصورة رئيسة بواسطة الأفلام السينمائية مصورة ظهور ألمانيا كدولة مساوية للدول الأخرى مع كل ما يجر إليه ذلك، وكذلك انتصارات الفوهرر واتباعه من خطابية وغيرها. وهناك صالة واحدة فقط لعرض هذا النوع من الأفلام، لأن خمسة من دور السينما الست الموجودة في بغداد يمتلكها اليهود، وهم يرفضون أن يكونوا أداة لنشر الأفكار السياسية الألمانية. وتعرض الأفلام بعد الظهر من وقتٍ لآخر، والمتفرجون هم الضيوف الذين يدعوهم الوزير الألماني الذي يدفع من 20 إلى 30 جنيهاً في كل مناسبة لاستئجار الصالة.

3- الدعاية التجارية تمارس أيضاً إلى حدٍ ما بواسطة السينما، وتعرض الأفلام عن عمليات صناعة المنتجات الألمانية، مثل مستحضرات (باير) الكيمياوية، وهي في هذا المجال لا تقابل بمعارضة من أصحاب دور السينما اليهود. وقد علمت أن هذه الأساليب مشفوعة بسيلٍ من الكراسات والكتالوجات والمناشير التي تشيد بمزايا البضائع الألمانية من كل نوع قد أصبح لها أثر ملحوظ في موقف الموظفين العراقيين وخصوصاً في دائرة الأشغال العامة. كما أن التجار العراقيين أصبحوا يعدون المنتجات الألمانية مساوية على الأقل لمنتجات المملكة المتحدة في نوعيتها.

هذه الفقرات الثلاث من التقرير المطول للسفير البريطاني توضح بما لا يقبل الشك عن معرفة الجهات السياسية البريطانية بخطورة الصورة وتأثيرها في الرأي السياسي والاقتصادي. يحصل هذا وبعد الأخذ والرد في مراسلات كثيرة أن عملت بريطانيا على إنشاء وحدة أفلام سينمائية في شركة النفط البريطانية في العراق وصارت تصدر مجلة سينمائية مرئية بالأسود والأبيض وسرعان ما صارت تنتجها بالألوان ويتم طبعها وتوليفها فورا في بريطانيا ثم يعاد إرسالها للعراق وصارت تعرض في كافة صالات السينما العراقية قبل الفيلم السينمائي.

يلاحظ هيمنة اليهود العراقيين في منتصف الثلاثينيات على وسائل العرض السينمائي وهم الذين أنشأوا في منتصف الأربعينيات أول ستوديو سينمائي نظامي في العراق وهو ستوديو بغداد، الذي أنتج فيلم عليا وعصام، تم إنتاجه بعد النجاح التجاري الذي حققه فيلم (عنتر وعبلة) المصري.. وكان مؤتمر بال الذي انعقد في سويسرا عام 1897م قد انتبه إلى ظهور فن السينما حيث عرضت أول صورة متحركة على شاشة سينمائية في فرنسا عام 1894م بمعنى أن مؤتمر بال الذي انعقد لمناقشة إقامة وطن قومي لليهود وكان بقيادة هرتزل قد انتبه إلى أهمية الصورة المتحركة بعد ثلاث سنوات فقط من اختراعها، ولذلك ساعد المؤتمرون في إنشاء مدينة هوليوود السينمائية وتم دعمها من قِبل المصارف بالقروض ومنها شركة مترو جولدين مائير لثلاثة من كبار الرأسماليين اليهود.

هؤلاء يعرفون أهمية الصورة وقدرتها في التأثير في المتلقي ليس من الناحية النفسية فحسب، بل أيضاً من الناحية الفيزيائية، حيث للصورة تأثير فيزيائي على الإنسان. بدليل أن بعض الأشخاص وبعد مشاهدتهم لمشهد إعدام صدام حسين وطريقة وضع الحبل في رقبته قد قاموا بتقليد المشهد وماتوا ويتذكر الناس النداء الذي وجهه بيل كلنتون إلى وسائل الإعلام الأمريكية يدعوهم بعدم بث مشاهد جريمة الطالب الذي أطلق النار على الطالبات والطلاب في الجامعة حتى لا تشكل المشاهد حافزاً لغيره في تجربة مماثلة.

كل هذا يدعونا لكي نعيد السؤال ونتوقف أمامه.. لماذا هذا الكم من البث الفضائي ولماذا هذه الأعداد من الفضائيات بهذا الزخم الاقتصادي وما هو المردود الذي يقابل كل هذا النزف الذي لا يحقق أرباحاً على المستوى المادي الملموس، بل ربما ثمة واردات غير منظورة تحققها كل هذه الفضائيات.. فما هي هذه الواردات وما هو مصدرها ولأي هدف تسعى وبأي اتجاه.

هناك أهداف كثيرة والأمر يستدعي حقاً وبشكل جاد دراسة مستفيضة سواء كانت للنشر أم لاتخاذ القرار المناسب بصدد مستقبل المنطقة ومستقبل جيلها المقبل وإلى أين هي (ماشية)؟!

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7591» ثم أرسلها إلى الكود 82244

* سينمائي عراقي مقيم في هولندا sununu@wanadoo.nl


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة