Culture Magazine Monday  05/03/2007 G Issue 189
فضاءات
الأثنين 15 ,صفر 1428   العدد  189
 

على مائدة الشيخ التويجري (2)
د. عيد بن مسعود الجهني

 

 

يقولون: حب الوطن من الإيمان، وهي مقولة تصدق أيما صدق على معالي الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري؛ فحب الوطن والإيمان محوران أساسيان من محاور شخصيته، بل هما المحوران الأساسيان في تلك الشخصية؛ فأقواله وأفعاله تدلّ على إيمان عميق بالله تعالى، وحبّ أصيل لرسوله صلى الله عليه وسلم، ومواقفه تدلّ على وطنية صادقة ثابتة.

وحبه للوطن وإعزازه لأرضه لا يشبهه إعزاز عنده، وحبه لوطنه ليس أقوالاً تُقال، ولا خطباً تلقى، ولا مقالات يحبّر بها صفحات الكتب والصحف ثم لا شيء، ولكنها أفعال شامخة، وعطاءات واضحة، وتضحيات جسام، وبذل سخيّ بلا منّ ولا أذى.

ولا أظنّ أن هناك تضحية تعادل التضحية بالنفس يمكن أن تقوم دليلاً على الحب، فتلك تضحية لا تقاربها تضحية بمال أو وقت أو ولد، وقد قدم الشيخ التويجري نفسه ليفدي وطنه وتراب وطنه، ذلك أنه بدأ حياته العملية متطوعاً في صفوف جيش الملك عبد العزيز رحمه الله عندما استقر في خلده أن عزة هذا الوطن لن تتحقق إلا برفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، فقدم نفسه جندياً مخلصاً، فقد كان متطوعاً من أجل الدين ومجد الوطن.

إذا أراد الشيخ عبد العزيز أن يقدّم للوطن أغلى ما يملك، وهي نفسه التي بين جنبيه، وأراد أن يبذل أعز ما يبذل ويقدم، وهي الروح الغالية والحياة التي لا تُشترى بثمن، فقد حقق الله للشيخ أمنيته الغالية ورأى الهدف الذي أراد أن يبذل من أجله نفسه يتحقق، فتوحدت المملكة وانتصب الوطن عملاقاً قوياً عزيزاً تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله بقيادة المؤسس والموحد والمصلح الملك عبد العزيز رحمه الله. كما أورد أنتوني ناتج في كتابه (العرب.. انتصاراتهم وأمجاد الإسلام) قائلاً: (الملك عبد العزيز كان يتولّى بنفسه أو من خلال أبنائه الإشراف على جميع العمليات العسكرية وقيادتها، واستطاع أن ينظم ويضبط ويوجه حماس جيوشه).

وأورد الريحاني في مؤلَّفه (تاريخ نجد الحديث وملحقاته) عن الملك عبد العزيز فيما يتعلق بالنظام العسكري في الهجر قوله: (يجيئونا في السلم فنعطيهم ما يحتاجون إليه من كسوة ورزق ومال، ولكنهم في أيام الحرب لا يطلبون منا شيئاً، يتمنطق الواحد منهم ببيت الخرطوش ويبادر إلى البندقية، ثم يركب الذلول إلى الحرب ومعه شيء من المال والتمر.. القليل عندنا يقوم مقام الكثير عند غيرنا.. كنا نمشي ثلاثة أيام بدون طعام، يأخذ الواحد منا تمرة من حين إلى حين يرطب بها فمه).

وقبل توحيد المملكة بعام واحد، وبالتحديد عام 1350هـ، اختار الملك عبد العزيز الشيخ التويجري مشرفاً على بيت مال المجمعة وسدير الزلفي، واستمر يؤدي عمله بإخلاص وتفانٍ غير محدود، وشهد وهو في هذا المنصب المهم الحدث الأكبر في تاريخ الجزيرة العربية والعالمين العربي والإسلامي، فبعد أن استقرت الأمور الداخلية صدر الأمر الملكي رقم 2716 تاريخ 17 جمادى الآخرة 1351هـ بالموافقة على استبدال اسم المملكة العربية السعودية اعتباراً من يوم الخميس 21 جمادى الآخرة 1351هـ.

واسم المملكة العربية السعودية اسم شامل لأسرة قائد الوحدة الوطنية والكيان الكبير يجتمع عليه الجميع، هذا المعنى الواسع الشامل وضّحه سمو الأمير أحمد بن عبد العزيز نائب وزير الداخلية قائلاً: (كانت بلادنا مقسمة إلى إمارات صغيرة، وقد تم اختيار هذا الاسم من قِبل أهل الرأي والوجهاء والأعيان في ذلك الحين لأنه اسم شامل لأسرة قائد الوحدة الوطنية يجتمع عليه الجميع، فمن المعروف أن الأسرة التي تحكم سواء في الغرب أو في الشرق يكون لها امتيازات طبقية، وتدَّعي أنها من عروق نبيلة تختلف عن سائر الناس، وهو ما يبرّر وجودها في السلطة، ولكن الملك عبد العزيز أسّس دولة ترتكز على الإسلام، والإسلام يلغي الفوارق العرقية؛ فالناس سواء.. ولذلك ولكي يلغي هذا الإحساس لدى الكثير من الناس أصبح الجميع ينتمون إلى هذه الأسرة بالوثيقة الرسمية التي تمنحها الدولة؛ فالمواطن السعودي يحمل هذا الاسم كهوية وطنية، والدلالة الأخرى تأكيد مفهوم الانتماء الاجتماعي بإحساس الأسرة الواحدة المترابطة ترابطاً عضوياً ومعنوياً).

وبعد توحيد المملكة كان الوطن في حاجة لنوع من الرجال يلمّون شعثه، ويؤكدون وحدته، ويعملون على دفعه ليلحق بركب الأمم التي فاتته ببون شاسع أيام تمزّقه وتشتّته، وكان الملك عبد العزيز - رحمه الله - يتخيّر هؤلاء الرجال تخيُّراً.

إذنْ، كان عام 1350هـ مفصلياً في تاريخ حياة المفكر والعالم والمؤلف الشيخ التويجري؛ حيث كانت تلك بداية اختياره للعمل العام، وقد أهّله لذلك وطنيته الصادقة، وأمانته المشهودة، وإخلاصه الواضح، وقدراته العقلية الواسعة، وقبوله من الناس، وتمسّكه بأهداف الدين وتعاليمه، وقد منح الملك عبد العزيز ثقته للشيخ التويجري من منطلق {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة