Culture Magazine Monday  25/06/2007 G Issue 204
تشكيل
الأثنين 10 ,جمادى الثانية 1428   العدد  204
 
من الحقيبة التشكيلية
جاها يودّع التعليم
ويمتطي صهوة الإبداع التشكيلي

 

 

إعداد : محمد المنيف

يسرنا اليوم أن نتوقف عند ذكريات جميلة جمعت الكثير من المبدعين في الساحة التشكيلية ممن أثروها بالتجارب والخبرات والإبداعات المتميزة، أعلنوا فيها منافستهم لكل جديد جاء لاحقا. اليوم يستعرض لنا الفنان الناقد التشكيلي أحمد منشي جزءا من حياة وتجربة صديقه ورفيق دربه الفنان المتميز يوسف جاها، ولكون الزميل أحمد قريبا من الفنان يوسف فله الحق في أن يتحدث عنه مع انتظارنا لبقية الزملاء وتجاربهم وذكرياتهم.

فنان أبدع فكسب الإعجاب

يقول الزميل أحمد منشي: يعد الفنان التشكيلي يوسف أحمد جاها من الفنانين الذين لهم بصمة واضحة وتقنية مميزة على الخارطة التشكيلية المحلية، وممن أسهموا في إثراء الساحة التشكيلية لعمق وجِدة تجاربه الفنية التي اتسمت بالعفوية والتلقائية ذات الصبغة التعبيرية، امتدت أكثر من ثلاثة عقود من الزمان باحثاً جاداً، وصاحب تجربة متميزة، حيث تميز عن أقرانه بتقنية الألوان الأكريلك المتكئة على الطبقات اللونية الشفافة بجرأة متزنة ورصينة، حيث ودع الفنان يوسف جاها حياته العملية كمدرب ومعلم للتربية الفنية بالتقاعد المبكر، راعياً ومشجعاً وداعماً للمواهب التشكيلية، وكان لا بد للفارس أن يترجل وهو في قمة عطائه التربوي، تاركاً أثراً إيجابياً في نفوس وأعماق أبنائه الطلاب، وقرر أخيراً التفرغ للفن، والبدء في خوض تجربة حياة جديدة، تجربة الاحتراف الفني، ونحن نتمنى له التوفيق في مقبل حياته مع تمنياتنا له بحياة سعيدة وعمر مديد لمواصلة مشواره الإبداعي، فمع إشراقة كل يوم جديد هناك حياة جديدة، نجد أنه أمر يستوجب رصد مسيرة هذا الفنان المتميز أدبًا وخلقاً وإبداعاً، حيث شكّل رقما صعبا وعلامة فارقة في الوسط التشكيلي المحلي.

التحق جاها للدراسة الثانوية واكتفى بشهادة الصف الأول، حيث لم يجد ضالته.. ولم يكن الأمر مشجعا على مواصلة الدراسة، ففي تلك الفترة لم يقرر افتتاح أقسام خاصة للتربية الفنية بكليات التربية، ففضّل الانتقال للعمل بشركة أرامكو بالظهران عام 1392هـ، وكان يمارس في تلك الفترة هوايته عن طريق العمل خارج

الدوام بأعمال خطية، ومع ذلك لم يكن المكان مناسباً لإشباع رغباته وميوله لتطوير مستواه الفني وصقل موهبته التي أخذت في التفاعل ذروتها، فتقدم في عام 1393هـ للالتحاق بمعهد التربية الفنية لإعداد المعلمين بالرياض، فوجد المناخ والبيئة المناسبة التي كان يبحث عنها لصقل موهبته من منافسات شريفة بينه وبين زملائه والمشاركة في إنجاز بعض المشاريع المشتركة.

وبعد التخرج تم تعينه بمدينة مكة المكرمة كمعلم للتربية الفنية بإحدى مدارسها، وفي نفس العام أتيحت له الفرصة فالتحق بجامعة أم القرى - كلية التربية - قسم التربية الفنية لتكملة دراساته الجامعية تحت نظام التفرغ الجزئي، وحصل على درجة البكالوريوس من الجامعة في عام 1403هـ.

كانت أولى مشاركاته عام 1394هـ، في المعرض الثامن لمعهد التربية الفنية، بدار الكتب الوطنية بالرياض، عام 1394هـ، وفي نفس العام شارك في معرض المقتنيات تحت إشراف الرئاسة العامة لرعاية الشباب. كانت بدايته الفنية أقرب إلى الواقعية، كما تأثر بفناني الانطباعية والتأثيرية، حيث كان يقلد أعمالهم في محاولة لاكتساب الخبرة الفنية والجمالية والتقنية، منتقلاً بذلك إلى مرحلة البحث عن ذاته الفنية من خلال تأملاته الدقيقة في الطبيعة و ملاحظاته.. وسرعة اختزاله.. فغدا باحثاً متعمقاً في الموروث.. له تجربة انطباعية جادة عن الحرف العربي برموزه ودلالاته، ساعده في ذلك ارتباطه بالأرض وخصوصية مجتمعه الإسلامي.

بدأ مشواره الفني بالواقعية والتعبيرية، ثم انتقل للتجريد الهندسي فالتعبيري، إلى أن استقر على نهج ما بعد الانطباعية، مع الميل لاختزال مفردات وعناصر أعماله، حيث جسدت أعماله الحياة البيئية والتراث الشعبي والطبيعة، إلا أن حروفياته كانت أكثر عمقاً وبحثاً، حيث أبرز العديد من الرموز والمفردات الشعبية برؤية متجددة وتصور واع، مستلهماً الكونيات في حركتها بصورة صوفية وإن لم تحمل المظهر الشكلي للأشياء، فالحرف قد خرج عن مكونه الشكلي إلى رؤية حسية جيدة المستوى، وجاءت معالجته للحرف مزيجاً حسيا بنائياً، متآلفا في تلقائية واعية، مؤكداً الحركة الهيولية للحرف مع الخط والكتل في فضاء متحرك في نفس الوقت. ولقد ساعده في ذلك جرأته وقدرته المهارية التي توافقت مع مستوى رؤيته وتصوراته.. وخبرته المعرفية والجمالية.

واستطاع السيطرة على المساحة بشفافية لونية وخطية بحس مرهف، فكان إحساسه باللون قد ولّد لدية القدرة على التعامل معه بمعطيات فنية يستوحيها من الطبيعة، لتحاكي روح التراث وروح العصر.

إن تجربة جاها الحروفية ناتجة عن مخزون ثقافي ومعرفي.. وخبرة واعية ومهارة تقنية عالية المستوى، أبرزت الحرف العربي في انطباعية متآلفة ومتمازجة وحدةً وبناءً، بتناسق منطقي لكل جزء من اللوحة المعتمدة على الحركة الكلية للتكوين، إضافة إلى إجادته إبراز البُعد الخطي واللوني، وتوفيقه في الاهتمام بالتغيير التدريجي للمفردات؛ ما مكّنه من السيطرة على فضائية اللوحة، مستلهماً الكونيات في حركتها، محافظاً على وحدة العمل الفني البنائي وتوازنه.. ورصانته.. دون تكلف أو افتعال.

هذا هو الفنان يوسف جاها، عن قرب معرفة ومتابعة دقيقة لمسيرته الفنية في عالم التشكيل الفني منذ نعومة أظفاره، بكل أمانة ومصداقية دون تجمل أو تجميل كنوع من التوثيق لمسيرة حياة فنان متميز وصاحب تجربة جادة متعمقة وواعية.

لإبداء الرأي حول هذا الموضوع أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«6461» ثم أرسلها إلى الكود 82244

monif@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة