Culture Magazine Monday  29/10/2007 G Issue 220
أوراق
الأثنين 18 ,شوال 1428   العدد  220
 
عودة شكسبير
مي عبد العزيز السديري

 

 

إن فن المسرح والتمثيل فن قديم قدم الزمان يعود تاريخه إلى العهد اليوناني ومن ثم العصر الروماني ومن أبرز فتراته الفترة الرومانية، حيث اهتم الرومان بهذا الفن فشيّدت المسارح في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية ولا تزال تلك الآثار ظاهرة للعيان حتى اليوم، وقد تركّزت النشاطات المسرحية في تلك الفترة على المصارعة التي انتقلت في جميع أنحاء العالم وحملت اسم (المصارعة الرومانية)، الأمر الذي أدى إلى ازدهار فن بناء المسارح وتبارى الأباطرة والملوك والسلاطين والحكام في إقامة المسارح الفخمة والباسقة في الشرق والغرب.

وقد أثبتت الآثار والمراجع التاريخية أن فن المسرح كان موجوداً في جميع الثقافات القديمة لدى اليونايين وفي أوروبا العصور الوسطى والهند والصين واليابان وكانت العناصر المشتركة في كافة هذه الثقافات هي طقوس دينية، حيث يجري حوار بين عدة أشخاص يقومون بترتيل تراتيل دينية يتم خلالها تبادل الأدوار فيما بين جوقة المغنيين ورئيس الفرقة.

خلال فترة طويلة من الزمن تطورت الأفكار التي كان المغنون الدينيون يتناولونها وظهر كتّاب مسرحيون وظهرت مسرحياتهم ولكن تلك المسرحيات نبذت الطقوس الدينية وابتعدت عنها وعن أفكارها واستبدلتها بثقافات علمانية وقد أثار هذا الاتجاه حفيظة رجال الدين الذين قاموا بحملات مكثفة ضد المسرح والمسرحيات وانصب ذلك الغضب والاحتقار على الممثلين الذين امتهنوا تلك المهنة وانعكس ذلك على مفاهيم الغالبية العظمى من الشعب وعلى الرغم من هذا العداء للمسرح والنظرة الدونية للممثلين والعاملين في هذا المجال فقد ظهر كتّاب مسرحيون عبّروا عن الطبيعة الإنسانية بطرق مختلفة متحدين الرأي العام ومحاولين الانطلاق في ذلك الفن وتجاوز كافة العقبات التي تعترضهم وبرزت إلى حيز الوجود مسرحية الملهاة أو المأساة التي شملت شخصياتها نساء ورجالاً ولا بد أن يظهر على المسرح من هو رجل ليقوم بدور الذكورية وكذلك امرأة لتقوم بدور الأنوثة وهنا يظهر المأزق، إذ إن الناس كانوا ينظرون إلى المسرح نظرة عداء وتهكم واحتقار بناء على التوجيهات الدينية فكيف إذا ظهرت امرأة على المسرح أمام الجمهور خاصة أن المرأة كانت محتقرة في ذلك العصر ويفرض عليها عدم الخروج من بيتها والاكتفاء بالخدمة في البيت.

والحالة هذه كان لا بد من إيجاد حل لهذه المشكلة وكان الحل أن يقوم رجال بدور الشخصيات النسائية ويظهروا على المسرح بلباس نساء ويتصرفوا تصرف النساء سواء كان ذلك بالعمل أو الصوت أو اللهجة وهذا ما وجدناه في مسرح شكسبير الذي ولد عام 1564م وتوفي عام 1616م، حيث تمكّن هذا العملاق من تثبيت هذه الظاهرة وقد وجدنا ذلك في كتابة المسرحية، حيث تمكّن من التغلب على مشكلة ظهور المرأة على المسرح بأنه وظف رجالاً للقيام بهذا الدور ونجح في ذلك، حيث نجد أنه في مسرحيته يوليوس قيصر Julius Caesar التي تعود بالتاريخ إلى عام 44 قبل الميلاد قد أظهر في هذه المسرحية القيصر على المسرح برجل وأظهر الإمبراطورة برجل يلبس لباس امرأة وفعل ذلك أيضاً في مسرحيته السيدة مكبثLady Macbeth وهكذا انتشرت عادة ظهور رجل بلباس امرأة في جميع أنحاء العالم وخاصة في أوروبا.

نعم هذه هي حال الممثلين قبل خمسمائة عام ويمكن القول إن العادات والتقاليد والأوضاع الاجتماعية في ذلك الزمن ربما كانت مبرراً لظهور رجل بلباس امرأة ليقوم بدورها على المسرح ولكني لا أستطيع أن أتفهم أي مبرر لقيام الرجال في هذه الأيام بارتداء لباس النساء ووضع المكياج الكامل الذي تستخدمه المرأة والتشبه بها صوتاً وحركة، بل تقمص دورها حتى في ليلة الزفاف. عجباً لهذا المنطق الأعوج وكأننا ليس لدينا نساء يقمن بتلك الأدوار وفي أيامنا هذه أخذت المرأة حقها وزيادة وربما أتجرأ على القول إن الرجال قد بدأوا يفكرون بالمناداة بمساواتهم بالنساء ولذلك فإني لا أرى سبباً وجيهاً يجعلنا نقلّد التصرفات التي تصرف بها رجال مسرح شكسبير قبل عدة قرون.

في كل يوم نرى مفاجأة جديدة على إحدى الفضائيات، حيث نرى رجلاً بزي امرأة مزين بأبهى زينة يمكن للمرأة أن تتزين بها يتكلم بصوت امرأة وينظر نظرات المرأة.

لماذا هذا التقمص؟ إني أعتقد أن هذا الاتجاه هو اتجاه خاطئ بعيداً عن الخلق الكريم يسيء للرجل والمرأة في آن واحد ألا يكفي أننا تخلقنا بأخلاق بعيدة كل البعد عن المثل العليا التي كان آباؤنا وأجدادنا يتغنون بها ويلقنونها لأبنائهم وأحفادهم جيلاً بعد جيل.

وإني أقول بصراحة إنني كلما رأيت رجلاً يرتدي ثياب امرأة أشعر بالاشمئزاز من ذلك المنظر فأقول لنفسي عسى الله أن يرحمنا برحمته وأن يعيدنا إلى سيرة آبائنا وأجدادنا وقيمنا التي أدبنا بها الإسلام.

الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة