Al Jazirah NewsPaper Monday  04/12/2006G Issue 12485مقـالاتالأثنين 13 ذو القعدة 1427 هـ  04 ديسمبر2006 م   العدد  12485
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

فـن

استراحة

الثقافية

دوليات

متابعة

منوعـات

الرأي

عزيزتـي الجزيرة

الطبية

وطن ومواطن

زمان الجزيرة

الأخيــرة

الديمقراطية والإرهاب
عبدالله الصالح العثيمين

قبل بداية تناولي للموضوع الأساس، وهو الديمقراطية والإرهاب، أود أن أشير إلى أن أساس هذا الحديث مشاركة قدَّمها كاتب هذه السطور في مؤتمر عقدته جامعة مؤتة في الأردن من الرابع عشر إلى السادس عشر من شهر جمادى الآخرة هذا العام، وأن حديثي ليس بحثاً قائماً على ما تقتضيه المنهجية البحثية من أصول دقيقة لابد من مراعاتها، بل إنه أشبه ما يكون ببوح لما استطاعت الذاكرة الاحتفاظ به مخزوناً من قراءات هنا وهناك، ومن تأمُّلٍ في تلك القراءات المخزونة، ومقارنة للمبادئ بما طبِّق ويطبَّق على أرض الواقع.

في أدبيات تراث أمتنا العربية الشعرية يمكن أن يُستَشف مما قاله بعض الشعراء أن الظلم سمة من سمات البشر في تنافسهم، أو صراعهم، في هذه الحياة، فزهير بن أبي سلمى، وهو من هو شهرةً في الحكمة، يشير إلى ذلك في معلقته المشهورة قبل خمسة عشر قرناً بقوله:

ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه
يُهدَّم ومن لا يَظلِم الناس يُظلَمِ

وأبو الطيِّب المتنبي، الذي طبَّقت شهرته الآفاق - وما زالت تطبِّقها - عبَّر عن رؤيته في هذه المسألة قبل أكثر من عشرة قرون بقوله:

والظلم من شيم النفوس فإن تجد
ذا عفَّة فلعلَّه لا يظلم

أما رسل الله وأنبياؤه، عليهم أفضل الصلاة والسلام، فاصطفاؤه -سبحانه- لهم غني عن الإشارة إلى استحالة وجود الظلم في نفوسهم، لكن ماذا عن سيرة غيرهم من قادة أمتنا، وبخاصة بعد أن هذَّب الإسلام نفوس معتنقيه؟.. هل تلك السيرة تتفِّق مع النظرة التي أبداها الشاعران العربيان المشهوران: زهير والمتنبي؟

يمكن أن يتَّخذ مثلاً ما حدث في مدينة القدس الشريف، فكَّ الله أسرها وطهَّرها من دنس الاحتلال، في الحرب بين الفرس والروم غزا الفرس القدس عام 615م، ولما استولوا عليها نهبوها، وجرت دماء السكان في مذابح مروِّعة، وأحرقوا كنائسها، وحملوا معهم الصليب الكبير، الذي يعتقد النصارى أن المسيح، عليه السلام، صُلِب عليه، ولما تغيَّر مجرى الحرب في بضع سنين، وغلب الروم الفرس دخلوا القدس، فنهبوا، وقتلوا من كان فيها من الفرس واليهود، الذين كانوا قد ساعدوا الفرس في الجولة الأولى لعدائهم للنصارى.

وبعد ما يقرب من عشر سنوات على تلك الحادثة حاصر العرب المسلمون القدس، ثم دخولها فلم يُقتل إنسان، ولم ينهب بيت، وأبرم أولئك العرب المسلمون مع السكان ما عُرِف بالعهدة العمرية، ومن يقرأها لا يتصوَّر أنها كانت بين منتصر ومهزوم، ولقد دخل الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، تلك المدينة بصحبة البطريرك، حيث كانت تجري بينهما محادثة ودِّية، وعندما حان وقت الصلاة دعاه البطريرك للصلاة في كنيسة القيامة، فامتنع عن الصلاة فيها خوفاً من أن يعدَّها المسلمون سابقة، فيدَّعون الحق في الصلاة فيها، ويؤدي ذلك إلى الإخلال بحرية النصارى في العبادة، وعندما حاصر الفرنجة، أو الصليبيون، تلك المدينة الشريفة، ثم دخلوها، قتلوا السكان المسلمين، رجالاً ونساءً وأطفالاً، ونهبوا، ودمَّروا، وارتكبوا من فظائع الجرائم ما تقشعر له الأبدان، وبعد مرور قرن من ذلك حاصر صلاح الدين الأيوبي بجيشه القدس، ثم دخلوها، فأظهروا من التسامح والعدل والرحمة ما حفلت به كتب الغربيين أنفسهم.

وربما حفلت أدبيات الغربيين بالإشادة بمبادئ نبيلة، بل إن دساتير كثير من دولهم تضمَّنت مبادئ عظيمة تبدو وكأن المتمسِّك بها سيكون أبعد الناس عن الظلم، ويوجد في مجتمعات الدول الغربية، كما يوجد في مجتمعات أخرى، من يتمسَّكون بتلك المبادئ، ويعبِّرون عما يختلج في ضمائرهم الحيَّة من وقوف مع الحق في وجه الباطل، بل إن منهم من يشفعون التعبير بالعمل ضد الظلم، ومن ذلك ما قام به رجال ونساء من الغرب متكبِّدين عناء السفر إلى فلسطين المحتلة للاعتصام عند جدار الفصل العنصري، الذي يقيمه الصهاينة، احتجاجاً على إقامة هذا الجدار، على أن ما تضمَّنته الدساتير من مبادئ شيء وما تقوم دول الغرب - وفي طليعتها أمريكا - شيء آخر، وهذا ما سيأتي الحديث عنه لاحقاً.

أما بعد:

تمرُّ الأمم بمراحل قوَّة ومراحل ضعف، وفي مرحلة ضعف الأمة تستهويها مبادئ الأمم القوية ومظاهر حياتها، وأمتنا العربية في العصر الحديث تعيش مرحلة ضعف واضح وإن كان لديها من عوامل القوة ما لو استنفرت واستثمرت لكان من اليسير عليها تجاوز مرحلة ضعفها، ولا أظن إلا أن الكثيرين يعرفون هذه العوامل حق المعرفة.

ونتيجة لضعف إرادة الأمة في المرحلة الراهنة، قادة وجماهير، لم يكن غريباً أن تبلورت قابلية تبنِّيها لأفكار الآخرين من الأقوياء في العالم، نهجاً وسلوكاً وإعلاماً. قبل عقود من الآن كانت الكتلة الاشتراكية ممثلة في الاتحاد السوفييتي والصين الشعبية قوية المكانة دولياً، فأُولع من مفكري أمتنا من أُولع بالاشتراكية، وكاد البعض يتوارى من القوم خشية أن يوصف بأنه غير اشتراكي.

وفي (الهمزية النبوية) التي قالها أمير الشعراء، أحمد شوقي، في مدح النبي صلى الله عليه وسلم ومطلعها:

وُلد الهدى فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسُّم وثناء

قال:

بك يا ابن عبدالله قامت سمحة
بالحق من ملل الهدى غرَّاء
فرسمت بعدك للعباد حكومة
لا سوقة فيها ولا أمراء
الله فوق الخلق فيها وحده
والناس تحت لوائها أكفاء
الدين يسر والخلافة بيعة
والأمر شورى والحقوق قضاء
الاشتراكيون أنت إمامهم
لولا دعاوى القوم والغلواء

وإذا كان للشعر جوُّه الخاص به فإن من علماء الشريعة وذوي الميول الإسلامية من حاولوا تفسير الإسلام ذاته بأنه نظام اشتراكي، فظهرت عناوين مثل اشتراكية الإسلام، لرئيس حزب الإخوان المسلمين في سوريا مصطفى السباعي.

وبعد فشل الاشتراكية في المعقل الكبير لها توارت أمثال تلك الكتابات، وازداد الشغف بالحديث عن الديمقراطية في محاولة لإظهارها وكأنها البلسم لجميع أمراض أمتنا.والديمقراطية -كما هو معلوم لدى الكثيرين- تعني حكومة من قِبَل الشعب، وقد تتحقَّق بطريقة مباشرة، فتمارس بوساطة تجمُّعات شعبية، أو بطريقة غير مباشرة بوساطة ممثِّلين عن تلك التجمُّعات، ولقد مُورست مباشرة في بعض المدن اليونانية القديمة، وفي ظني أنه لو دُرس تاريخ الإمامة الإباضية دراسة جيدة لاتَّضح أن تلك الإمامة كانت قائمة على أساس ديمقراطي يكاد يكون أمثل من غيره، بل إن نظام القبيلة العربية، وبخاصة البدوية منها، يقوم على أساس ديمقراطي وإن يكن أقرب إلى العرف منه إلى المبدأ المقنَّن.لكن الديمقراطية بالطريقة غير المباشرة هي التي أصبحت عملية بالنسبة للأمم الحديثة ذات السكان الكثيرين، وقد تطوَّرت في إنجلترا خلال القرن السابع عشر، وفرضت في فرنسا وأمريكا الشمالية نتيجة الثورتين اللتين حدثتا فيهما خلال القرن الثامن عشر، ومنذ منتصف القرن التاسع عشر تبنَّت أكثرية الأمم المتقدمة؛ علمياً واقتصادياً، المؤسسات الديمقراطية.

وتبنِّي الديمقراطية بمفهومها العام لدى تلك الأمم قائم على أساس نظرية الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بحيث يكون التشريع مقرراً عن طريق برلمان منتخب بحرِّية، وتكون السلطة المنفِّذة إما حكومة مسؤولة أمام المجلس التشريعي كما في بريطانيا، أو أمام رئيس مسؤول أمام الشعب كما في الولايات المتحدة الأمريكية، وإضافة إلى الفصل بين السلطات والانتخابات الحرَّة تتصف الديمقراطية الغربية بسيادة القانون بحيث يُتأكد من أن كل إنسان لا يعتقل بدون أن يكون متهماً بجريمة، وأنه سيحاكم محاكمة عادلة أمام محكمة مستقلة، كما تتَّصف بوجوب حرِّية الرأي والتعبير، وحرِّية التجمع، والحماية من تدخُّل السلطات الحاكمة، وكل هذه الأمور ذات جاذبية، وغلبة تطبيقها داخل المجتمعات التي تبنَّتها لها ما لها من إيجابيات. وليس بمستغرب أن يكون مصدر التشريع فيها هم البشر، ذلك أن تلك المجتمعات قد تحرَّرت عقول أفرادها من عبوديتها الأولى للكنيسة، واتَّخذت العلمانية منهجاً لها، وخطورة منهج كهذا أنه قد يؤدِّي إلى تبنِّي قرارات تتنافى مع الدين، كما تتنافى مع الخلق الكريم والذوق السويّ، ومن أمثلة ذلك أن أصبح اللواط مباحاً بناءً على قرار اتخذته الأغلبية في أحد المجالس البرلمانية الأوروبية.




نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved