Al Jazirah NewsPaper Monday  04/12/2006G Issue 12485مقـالاتالأثنين 13 ذو القعدة 1427 هـ  04 ديسمبر2006 م   العدد  12485
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

فـن

استراحة

الثقافية

دوليات

متابعة

منوعـات

الرأي

عزيزتـي الجزيرة

الطبية

وطن ومواطن

زمان الجزيرة

الأخيــرة

من أوجاع النفوس ما هو إلهام ومصدر
د. عبدالمحسن بن عبدالله التويجري

يتعرض الإنسان لأسباب يتعطل معها حجم نتاجه وتتدنى قدرته وحيويته، ومن هذه الأسباب الهموم التي يقول بها الإنسان، ويفترض أنها فرضت نفسها عليه فطغت على كل شيء يستمد منه أو به علاقة له مع الحياة؛ فيتوجه باللوم إلى حياته بل على الدهر الذي خذله، وسار بآماله وأحلامه على طريق لا حظ معه، تقطعت أسباب استقراره ليجد أن مستقره مع الهم أصبح السمة السائدة.
وللإنسان مع الحياة والهم علاقة يتداخل معها الفهم بين الصحيح وعكسه، وقد تستعصي على الإنسان لحظة من تأمل تهدي سبيله ليدرك مكانه من همومه والداعي لها ومصدرها، فالأوراق بين يديه وأمام ناظريه ولكن العجز بأثر همومه غيّب كل قدرة على قراءتها، واستيعاب محتواها. إنها أوراق عن الحياة ونواميسها وعن الإنسان، كما أنها سطور كتبت وفي كل حرف معنى للهم كنوع له مصدر وأسباب فحلت بدعوة من داع يكره استضافتها فيأخذ به التصور أنها مرسلة أو مسلطة.
إنها قدرهُ كما يتصور، بينما قدره قد يكون غير ذلك متى أحسن التصور. ومن خلال هذا التصور يتم التداخل، وهو معقد بطبيعته فيستسلم البعض والبعض الآخر يأخذ به التأمل نحو فهم يفصل ما بين نفسه ومحصلة هذا التداخل متكئاً على تجربته، وعلى تجارب الآخرين بوعي ذاتي وفطنة. ومن تحرك بأقدام وعيه أدرك أن للحياة نواميس وسنناً، وأن الهم إفراز لعلاقة الإنسان بتلك النواميس ومدى استيعابه لها، وأن هذا الإفراز مؤشر هام بل شديد الأهمية، وفي إدراكه إدراك لأشياء كثيرة ومتعددة في النوع وفي الأثر؛ فالحياة بنواميسها وكل قوانينها لا نملك أن نعدل أو نبدل شيئاً منها، وإن أمكن افتراضاً فإنها محاولة تفسد الحياة وتشوه كل علاقة معها.
والهم من خلال مصدره ومستقره له أثر من ضيق وألم يحل بالإنسان فيعكس أثره نمط الاستجابة للكمّ والكيف، ومتى تجاوز الهمّ وظيفته بما هو إيجابي الأثر تعطلت حيوية الإنسان وكذلك الكثير من قدراته.
والإنسان يدعو الهم دون قصد، وفي بعض الأحيان دون أن يدري من خلال مواقف له مع الحياة، يستجيب معها للهم بأسباب سوء الفهم في علاقته بالحياة وقوانينها. وينطبق ذلك على فهم نفسه؛ فالإنسان بطبعه وما خلق به متحرك لا يطيق السكون، وحركته هي تفاعل مع حيز من الحياة بقوانين خاصة بهذا الحيز، وحين تخطئ الحركة طريقها يتعثر شيء في الفهم، أو نفس الإنسان فيحلّ الهم وينصرف الإنسان عن إدراك أسبابه فيستسلم ويعاني.
والاستسلام معضلة يزيد بها المدى فيزيد الهمّ، والمعاناةٌ مع جهدِ يحاول التفكُّر، ومقاومة الهم الوسيلة الأمثلُ التي يتحقق معها ما للهم من وظيفة كحافز ومنشط للحركة، وكأساس لتجربة تضاف إلى تجارب الإنسان، فيزيد رصيده منها. وهي مكتسب يغني العقل ويطمئن النفس فينبعث الأمل والتفاؤل.
وهذا المكتسب مبني على قاعدة الإفرازات التي تشيرُ من خلال حالة التراكم إلى أمور هامة قد يحسب كل أمر منها مقابلاً كل قانون للحياة أو شيء من نواميسها؛ فالإيمان والإصرار على كل عمل صالح متوَّج هذا كله بالصبر من صميم ما يفرز على طريق الحياة التي يأمل معها الإنسان بعداً عن الهموم وآثارها، وقوة العزيمة والتوجه بالإرادة العاقلة نحو هدف على الطريق مسير تبتعد معه وطأة الهموم. وإدراك ما هية الإشكال أو المشكلة وفصلهما عن ما هو تافه بدافع قوي نحل به الإشكال أو المشكلة، ونقاوم توافه الأمور التي كثيراً ما تحلّ ومعها الهم يحلّ.
بعض من الهموم يجسدها خوف الإنسان من الغدِ، أو من سقوط أدبي بوهم يحلّ به فيحلّ معه الخوف وهذا نوع من الهموم التي لا يقهرها إلا الإيمان الصارم بأن الأشياء قدر، وتحلّ بقدر، منها ما نهرب منه إلى قدر آخر، ومنها ما يتوجب القبول به طاعة وخضوعاً لمقدّرِ قادر له كل العزة والجلال، وجميعنا نخضع لقبول نؤجر عليه، ومن رفض منا فإن هذا القدر واقع لا محالة فلا الخوف ولا الرفض بقادر على حال غير الحال والخوف قد يبدو كذلك، ولكن بشيء من تأمل النفس ومراحل قد مرت بها فيكتشف أن الخوف مظهر لشيء آخر مخبوء يلزم بيانه.
والمصائب التي منها ما هو محسوب، أو ما قد يحلّ فجأة لا يدفع عنها الهم حين تصورها أو لحظة خشيتها؛ فقد يمتد الهم من ألم إلى آخر دون أن يتحقق شيء من هذا التصور، وإن حدث فلا التصور أو الخشية منها ذات أثر على الحدث وألمه.
إن الحياة بنية مستقلة وكذلك الإنسان، والتفاعل ما بينهما أمرّ لا مفر منه مادام القلب ينبض والنفس متواصل؛ فالمحاولة أو مجرد البداية نحو فهم النفس وقدرتها ومقدارها بقياس الحياة ونواميسها مسعى يتحقق معه شيء من التوازن والاتزان لهذا التفاعل على أن يسبق هذا ويتزامن معه إيمان مطلق بوعي عاقل بأن الحياة وكل نواميسها والإنسان بوعيه وإحساسه خلق مقدر، وفي المنهاج القرآني مصادر متاح تناولها تفسر لنا من قصص النفس والحياة الكثير، وتضع المنهاج الأقوم ما بين المسير والمصير.
هذه أوراقنا النفسية، وكل دعم يسمو بهذه النفس وبالحياة لا نتخلى عنه وإن حدث فالهم هو البديل، ومتى حلّ حلّ معه شيء من الضياع الذي قوام ردعه قوة النفس المطمئنة بقوة الوعي حيث المرجع، وحال الهم بما يلازمه من ضياع هو ضياع في الوسائل التي تحاوره وترصد أسبابه بنظرة تتفق ومراجعه، ومن تقاعس يوماً لن يرغب في مرجع، وإن رغب قد لا يحسن فهمه وإن أحسن الفهم قد لا يحسن العمل حيث الرغبة والفهم والعمل مراحل تأتي بالأثر بعد مجاهدة وجهاد يعمقُ مفعول كل مرحلة، وهي التي تمهد لما بعدها فلا تنافر بين شيء وآخر، فالأصل مصدر الأمن والاستقرار النفسي بعيداً عن كل هم أو تصور بالوهم يلقي بظلاله على النفس فيعكر ما صفا منها فيشقيها.
إنه حوار مع النفس بصوت مسموع، وأذن ترهف السمع لكل تجربة إنسانية بغثها وسمينها، فمحصلة ما نجرّبُ به وتجرّبُ به الحياة وعينا، والوجدان منا له من الغث نصيب ومن السمين كذلك، وما الفرق إلا في المحصلة، ولا سبيل لزوال أحدهما فالإنسان بين الصواب والخطأ سرمدي الطبع والتكوين.



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved