Al Jazirah NewsPaper Monday  25/12/2006G Issue 12506مقـالاتالأثنين 05 ذو الحجة 1427 هـ  25 ديسمبر2006 م   العدد  12506
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

المجتمـع

فـن

استراحة

الثقافية

دوليات

متابعة

منوعـات

الرأي

الركن الخامس

عزيزتـي الجزيرة

الطبية

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

زمان الجزيرة

الأخيــرة

قراءة في كتاب المسيحية والسيف
د. عبدالله الصالح العثيمين

وضع تحت عنوان هذا الكتاب: (وثائق إبادة هنود القارة الأميركية على أيدي المسيحيين الإسبان.. رواية شاهد عيان). والكتاب من تأليف المطران بوتولومي دي لاس كازاس، وترجمة سميرة عزمي الزين. وهو من منشورات المعهد الدولي للدراسات الإنسانية الثاني من سلسلة (من أجل الحقيقة). أما الثالث من هذه السلسلة فعنوانه: بولس وتحريف المسيحية. وأما الرابع منها فعنوانه: الأصول الوثنية للمسيحية.
وكتاب المسيحية والسيف يتكوَّن من خمس وتسعين صفحة من القطع المتوسط. ويشتمل على مقدّمة للناشر في تسع صفحات، ثم رسالة المطران إلى أمير إسبانيا دون فيليب يسترحمه لوقف ما يرتكبه أتباعه من جرائم ضد الإنسانية، وبعد ذلك تأتي رواية ذلك المطران عن تلك الجرائم البشعة. وقد صدر هذا الكتاب عام 1991م؛ أي قبل عشرة أعوام من حادثة الحادي عشر من سبتمبر، التي ما زالت أمثلة مهمة حيرى تحيط بها. ومن المرجح جداً عدم الحصول على أجوبة مقنعة عن تلك الأسئلة؛ تماماً كما لم يُحصل على أجوبة مقنعة عن أسئلة تلفُّ قضية اغتيال الرئيس الأميركي كيندي الذي قُضي حتى الآن على أكثر من ستة عشر إنساناً كان من المحتمل أن يدلَّ أحدهم على من كان وراء اغتياله.
من بين ما ذكره ناشر كتاب المسيحية والسيف قول المؤرخ الفرنسي مارسيل بايتيون عن مؤلف هذا الكتاب بأنه أهم شخصية في تاريخ القارة الأميركية بعد مكتشفها من الأوروبيين كولومبوس. ذلك أنه شاهد على انحناء قومه من الغزاة لعشرات الملايين من سكان تلك القارة بوحشية متناهية. وقد ولد في قشتالة سنة 1474م. وكان والده قد رافق كولومبوس في رحلته الثانية إلى أميركا سنة 1493م؛ أي في السنة التالية لسقوط غرناطة الإسلامية بيد نصارى إسبانيا. ثم سافر هو إلى جزيرة سان دومنيغو، حيث عُيِّن أول راهب هناك سنة 1513م. ولقد سمِّيت تلك البلاد الهند، وسمي أهلها الهنود لأن كولومبوس حين وصلها ظنها الهند. وعاش لاس كازاس في تلك الجزيرة فترة، ثم انتقل إلى كوبا. وهناك اشمأز من وحشية غزاة قومه. وكان كلما أمعن في نصح ملوك إسبانيا ازدادوا في غيِّهم، أما زملاؤه من الرهبان فكانوا - كما وصفهم أحد زعماء الهنود - لا يعبدون إلا الذهب. وكانت محاكم التفتيش التي تطارد المسلمين في إسبانيا. ورجال التنصير الذين يطاردون من سموا الهنود في أميركا من طينة واحدة.
وفي عام 1520م أبحر لاس كازاس إلى فنزويلا، فأصبح شاهداً على جرائم الحرق والقتل والدمار التي ارتكبها المنتسبون إلى دين المسيح من الإسبان؛ وهي الجرائم التي اشترك في ارتكابها الرهبان أنفسهم. وبعد أن شاهد ما شاهد من الجرائم المرتكبة عاد إلى إسبانيا ليقضي السنوات العشرين الأخيرة من حياته في عزلة كاملة. وفي رسالته التي بعثها إلى ملك إسبانيا قال: (لقد عشت في بلاد هذه الشعوب الهندية أكثر من خمسين عاماً، وشاهدت ما ارتكبه الغزاة من قومنا من فظاعات وجور، وعزمت على أن أكتب عن النزر اليسير منها؛ لأنني عاجز عن أن أكتب عنها كلها).
ولقد تحدَّث لاس كازاس في تقريره عن جرائم فظيعة ارتكبت في حق سكان أميركا الوسطى والجنوبية من قبل غزاة قومه الإسبان. ولعلَّ إيراد ما قاله عما ارتكب في جزيرة كوبا وحدها يكفي دليلاً على بشاعة تلك الجرائم.. فماذا قال؟
قال: زحف الإسبان على جزيرة كوبا العامرة بالبشر سنة 1511م. وكان فيها زعيم اسمه هانوي. فلما علم ذلك الزعيم بوصولهم إليها جمع أتباعه، وقال لهم: لقد سمعت بأن الإسبان وصلوا إلى جزيرتنا ليفعلوا بها ما فعلوا بغيرها من الجزر. أتعلمون لماذا؟ إنهم يريدون أن نؤمن بالرب الذي يقدِّسونه، ولهذا يقتلوننا. وكان معه سلة صغيرة من الذهب، فابتسم، وقال: هذا هو ربهم.. إنه ربُّ الذهب. اسمعوني جيداً.. سوف أرمي هذا الذهب في النهر لأنهم سوف يقتلوننا بسببه. ورماه. وعندما عرف الإسبان بذلك علقوا مشنقة، ثم جاءه راهب يرشده إلى الإيمان بالمسيح قبل موته. ولم يكن ذلك الزعيم قد سمع عن ذلك من قبل. فقال له الراهب: إن عليه أن يغتنم الوقت القصير قبل موته ويؤمن لأن إيمانه سوف يدخله الجنة. وسأله الزعيم: هل هناك مسيحيون في الجنة؟ قال الراهب: معظمهم هناك. فقال الزعيم: إني أفضل دخول النار على أن ألتقي بكم في جنتكم.
وقال لاس كازاس: مرة جاءنا الهنود لاستقبالنا محملين بالهدايا والخيرات. وقد أعطونا كثيراً من السمك والخبز والطعام وكل ما يستطيعون تقديمه، فماذا فعل المسيحيون لشكرهم؟ فجأة راحوا يقتلونهم بالسكاكين، فقتلوا أمام عيني أكثر من ثلاثة آلاف إنسان، رجالاً وأطفالاً ونساء.
لقد شاهدت وحشية لم يرها قبلي بشر. ومرَّة توجهت مع حاكم المنطقة إلى هافانا. وقبل وصولنا بأيام بعثت إلى أسيادها رسلاً أطمئنهم وأضمن لهم أنه لن يؤذيهم أحد. ذلك أن الأرض كلها زلزلت بما سمعت عن مجازرنا. وحين وصلنا إلى هناك استقبلنا زعماء القبائل - وعددهم واحد وعشرون - وذهلت حين شاهدت القبطان يأمر جنوده بالقبض عليهم وأحرقهم أحياء. وقد حاولت إنقاذهم، لكنه أمر بإحراقهم، فأُحرقوا. وأذكر أن الضابط الذي منحه الحاكم ثلاثمئة هندي، لم يبق منهم بعد ثلاثة أشهر غير ثلاثين.
وأعطاه الحاكم، أيضاً، عدداً مماثلاً فقتلهم جميعاً. وخلال إقامتي في الجزيرة أربعة أشهر توفي أكثر من سبعة آلاف طفل؛ لأن أهلهم كانوا يصطحبونهم معهم إلى مناجم الذهب، ورأيت كيف كان الإسبان يصطادون الهنود اللاجئين إلى الغابات والكهوف. هكذا أبادوا أهالي كوبا عن بكرة أبيهم. لقد شاهدتها عامرة بالناس، ثم رأيتها بعد ثلاثة أشهر صحراء موحشة.
أما بعد..
فإن ما ذكره الراهب لاس كازاس عن جرائم قومه الإسبان الغزاة بحق سكان أميركا الأصليين كان - كما قاله - نزراً قليلاً. وما أورده كاتب هذه السطور عن ذلك النزر القليل نزر قليل أيضاً. على أن الدلالة واضحة.
وما ارتكبه شركاؤهم في أوربيتهم من الأنجلو - ساكسون من جرائم في شمال أميركا لم يقلّ فظاعة وبشاعة. وقد سبقت الإشارة إلى شيء منه في قراءة كاتب هذه السطور لكتاب الأستاذ منير العكش حق التضحية بالآخر.. أميركا والإبادات الجماعية؛ وذلك في ثلاث حلقات أسبوعية نشرت في الجزيرة ابتداء من 7-1-1424هـ. على أن ما يميز هؤلاء الأنجلو - ساكسون هو أن بعضهم كانوا متصهينين، وأن تصهينهم ظلَّ راسخاً في نفوس خلفهم حتى الآن. وهذا أحد أسباب اتحاد مواقفهم مع الصهاينة واشتراكهم معهم في ارتكاب الجرائم ضد أمتنا العربية بخاصة والمسلمين بعامة.
وإذا كان كاتب هذه السطور يقدِّر كلَّ التقدير ما بذل في كتاب المسيحية والسيف من جهد؛ ترجمة ونشراً، فإنه يرى من الأنسب لو لم تستعمل كلمة المسيحية في العنوان. ذلك أن دين المسيح عليه السلام بريء مما ارتكبه المجرمون المدُّعون بأنهم أتباعه من جرائم.



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved