Thursday 24/10/2013 Issue 15001 الخميس 19 ذو الحجة 1434 العدد
24-10-2013

مشروع قيادة المرأة قد حان قطافه

لم تُمنع قيادة المرأة في بلادنا بقرار رسمي ولم يُسمح لها رسمياً كذلك.. مثلها، مثل عدم إصدار بطاقة أحوال لها سابقاً، فهو لم يُمنع بقرار رسمي، بل لم يكن هناك نظامٌ لها.. كما أنه لم يُسمح بقرار رسمي ركوب المرأة منفردة مع سائق أجنبي، ولم يصدر كذلك قرارٌ بمنعه.. وكذلك هو وضع كشف وجه المرأة.. فقد تركت الحكومة هذه الأمور لثقافة المجتمع السعودي المتأثرة بالفتوى، والمتشكِّلة من رحم ما اشتهر من الفقه المُمارَس في بلادنا.. وهذه الأشياء من الأمور التي اُستحدثت في بلادنا، والناس ما زالوا حديثي عهد بالمدنية والحضارة الحديثة.. لذا فقد خاف العلماء - رحمهم الله - وتوجسوا من مدى استعداد المجتمع السعودي لهذه التغيرات السريعة.. فاجتهدوا - مأجورين - باجتهادات تُناسب زمانهم وأحوالهم، فاحتاطوا بسد ذريعة كل ما اعتقدوا أنه سيجلب الفساد والتفكك للمجتمع السعودي.. ومن ثم، فقد كان موقف علماء هذه البلاد - رحمهم الله - هو المنع والتحريم والتحذير والتخويف بالوعظ وبدعوة ولاة الأمر لتعزير وعقوبة من يرتكبها أو يدعو إليها كتابةً أو حديثاً.. وقد كان موقف الحكومة السعودية أمام هذه الفتاوى والمطالبات من هذه الأمور الثلاثة متشابهاً، وهو ترك القرار للمجتمع حتى يتقبله فيأتي وقت تنظيمه رسمياً.

فأما كشف وجه المرأة فقد أصبح عاماً وهو الغالب في كثير من مناطق المملكة، رغم فتاوى العلماء قديماً وتشديدهم في ذلك بأشد العبارات والألفاظ.. ومن ذلك ما ذكره الشيخ القاضي وعضو مجلس القضاء الأعلى، معالي الدكتور بكر أبو زيد - رحمه الله - عضو لجنة الإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء ورئيس مجمع الفقه الإسلامي الدولي وممثل المملكة في المجمع الفقهي الدولي - في كتابه حراسة الفضيلة ما نصه: «وإذا خُلع الحجاب عن الوجه فلا تسأل عن انكسار عيون أهل الغيرة، وتقلص ظلِّ الفضيلة وانتشار الرذيلة، والتحلل من الدين، وشيوع التبرج والسفور والتهتك والإباحية بين الزناة والزواني، وأن تهب المرأة نفسها لمن تشاء».. وله أقوال مشابهة أخرى في قيادة المرأة وتصويرها ونحو ذلك.. والشيخ - رحمه الله - مُطلع وعالم بأحوال المسلمين في العالم كله، ويعلم أن كشف الوجه هو الغالب عندهم، وأنه لا يقع عندهم ما وصفه من هذا الفجور والفحش.. وحاشاه - رحمه الله - أن يعتقد ذلك بالمسلمين في العالم أجمع، ويرميهم قذفاً وبهتاناً بذلك.. ولكنه كان - رحمه الله - يقصد المجتمع السعودي في حالة فعله لهذه الأمور، باعتبار حالة المجتمع السعودي قديماً وانفتاحه الحديث على الحضارة في زمنه.

وكذلك هو الحال في ركوب المرأة مع السائق الأجنبي بدون محرم.. فهذا الأمر كذلك قد تجاوزته أغلبية المجتمع وما عادوا ينكرونه، وما عاد أحدٌ يُوصف اليوم بالدياثة من أجل ذلك - وقد كان يحدث ذلك قديماً وقد حصل هذا الوصف أمامي قبل ثلاثة عقود فقامت مشاجرة على إثره - وإلا لأصبح غالب السعوديين ناقصي الرجولة وعديمي الغيرة لانتشار السائق الأجنبي (والمحرم في فقهنا يجب أن يكون رجلاً، لا امرأة - بشاهد محرم الابتعاث -، ومَنْ مِن السعوديين يُرسل محرماً ذكراً اليوم مع السائق).. والمجتمع قد تجاوز محرم السائق الأجنبي رغم تغليظ مفتي الديار ورئيس القضاة الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - في ذلك، حيث قال مخاطباً ولاة الأمور: «والآن لم يبق شك في أن ركوب المرأة الأجنبية مع صاحب السيارة منفردة بدون محرم يرافقها منكرٌ ظاهر، وفيه عدة مفاسد لا يُستهان بها، سواء كانت المرأة خفرة أو برزة، والرجل الذي يرضى بهذا لمحارمه ضعيف الدين، ناقص الرجولة، قليل الغيرة على محارمه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما خلا رجلٌ بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) وركوبها معه في السيارة أبلغ من الخلوة بها في بيت ونحوه، لأنه يتمكن من الذهاب بها حيث شاء من البلد أو خارج البلد، طوعاً منها أو كرهاً.. ويترتب على ذلك من المفاسد أعظم مما يترتب على الخلوة المجرّدة.. ولا يخفى آثار فتنة النساء والمفاسد المترتبة عليها».. إلى آخر ما قال - رحمه الله - وما طالب به ولاة الأمر من تطبيق الجزاءات والعقوبات بالجلد والتعزير وسحب الرخصة وغير ذلك على من يفعله، - كما جاء في الجزء العاشر من الفتاوى. ولكن الحكومة تصرفت كما تصرفت في كشف وجه المرأة.. فقد تركته للمجتمع ليقرر ذلك، دون أمر منع ولا أمر سماح.

وأما بطاقة الأحوال للمرأة، فقد وصف الشيخ ابن باز - رحمه الله - المطالبين «بتصوير وجه المرأة في بطاقة خاصة بها تتداولها الأيدي» بأنهم «فئات من الناس ممن تلوثت ثقافتهم بأفكار الغرب ولا يرضيهم هذا الوضع المشرف الذي تعيشه المرأة في بلادنا من حياء، وستر، وصيانة» (كما جاء في بيان اللجنة الدائمة للإفتاء).. وقد قامت الحكومة بعد اشتداد الحاجة وتفتُّح المجتمع - وهي حريصة على وضع بلادنا أن يكون مشرفاً -، بإصدار بطاقة الأحوال للمرأة اختياراً ابتداءً، ثم إلزاماً الآن لكثير من المعاملات.. وللحديث بقية بعد غدٍ في مقال السبت السادس والعشرين، فهو يوم شكر المرأة السعودية ووفائها للملك الصالح وإثباتها لعقلها وحكمتها برفضها لأي تجمُّع أو مسيرة من شأنها أن يُستغل تباشير نجاح مشروعها كمطية، يتعذَّر بها المفسدون والحاقدون في نشر مفهوم الفوضى والغوغائية.

hamzaalsalem@gmail.com

تويتر@hamzaalsalem

مقالات أخرى للكاتب