Wednesday 19/03/2014 Issue 15147 الاربعاء 18 جمادى الأول 1435 العدد
19-03-2014

ماذا بعد الفوسفين

منذ أسبوعين ظهر فلم أنجز بمهارة فائقة تفوق إنتاج بعض الهيئات التلفزيونية الحكومية وانتشر عن طريق برنامج (الواتس اب) وموقع (اليوتيوب)، هذا الفلم تحدث عن مأساة عائلة فقدت طفلين نتيجة إهمال وقلة معرفة بخطورة مادة تسوق كقاتل للحشرات وهي ممنوعة الاستخدام في المنازل، هذا الفلم أثار الذعر في نفوس الناس من مصير قد يواجه أطفالهم سببه جهل الجار أو عامل يقوم بمكافحة القوارض في المنازل، وعندما أستثير ذعر الناس، تحركت أجهزة الرقابة في كل الأجهزة ذات العلاقة، وزارات الداخلية والتجارة والزراعة والبلديات والصحة ومصالح وهيئات الجمارك والمواصفات والغذاء والدواء، كل هذه الأجهزة الحكومية تحركت دونما تنسيق سابق، ولكنها تحركت من منطلق المسؤولية، كل فيما يخصه عن صحة الناس وسلامتهم، هذا التحرك لا شك أنه أشعر الناس ببعض الطمأنينة، ولكن لكونه تحرك فجائي ورد فعل كان يجب أن يحدث قبل أن تكون الكارثة العائلية وقبل إنتاج الفلم الوثائقي، فللناس العذر بأن تقف وتسأل، هل هناك أخطار بيئية محتملة على الصحة العامة لم تتحرك الجهات المسؤولة لتداركها وتنتظر كارثة أخرى حتى تستثار نخوتها.

رد الفعل والانفعال لمواجهة كارثة حصلت كان يجب تداركها أصلاً، لا يخلي الجهات المسؤولة من تهمة التقصير، فالفوسفين هو غاز ينتج من تفاعل الرطوبة مع مادة (فوسفيد الألمنيوم) وهذه أقراص تباع تحت نظر الجهات الرقابية للأجهزة الحكومية المختلفة، وأقل العمال معرفة بهذه المادة يستطيع أن يحصل عليها أحياناً من بقالة الحي، فهي منتشرة ومستوردة وربما هي مصنفة ببيانات الجمارك، وربما لها وكيل استيراد وتوزيع.

فهل كانت هذه الأجهزة على علم بخطورة هذه المادة عند استخدامها ومدى خطورتها عند سوء الاستعمال، أو إمكانية استعمالها كمادة قاتلة موقوتة ربما يهتدي لها المجرمون، إذا كانت أي من تلك الأجهزة على علم بذلك فذلك مصيبة وإن كانت لا تعلم فالمصيبة أكبر، أنا شخصياً أعتقد أن المصيبة مضاعفة فهي تعلم وتجهل في نفس الوقت، فلا تخلو هذه الأجهزة من عالم بهذه المادة يدرك خطورتها ويعي مدى إمكانية سوء استخدامها، ولا تخلو هذه الأجهزة من بيروقراطي مهمل في مسؤوليته اختار أن لا ينبه الناس لخطر تلك المادة، أو أن يوصي بحضر استيرادها كما فعلت معظم دول العالم، أو أن ينبه لإمكانية سوء استخدامها ويشترط أن لا تباع إلا لمتخصص يتعهد بتوخي الحذر عند استخدامها وأن لايستخدمها في أوساط الناس.

هذه الهبة المضرية - عوضاً عن الغضبة - لمختلف الأجهزة الحكومية قد تكون مدفوعة بالشعور في المسؤولية تجاه ما حدث، أو هي ببساطة محاولة للاعتذار المستتر عن الإهمال، وهي بلا شك لا تغير من حقيقة أن الإهمال للصحة والسلامة العامة، هو عنوان لكثير من أجهزة الرقابة البيئية، ولا تغير من حقيقة أننا تعودنا على ردات الفعل المبالغ بها والتي تستأثر اهتمام الوزراء، فأمر كهذا لا يستلزم اهتمام شخص أكثر من مراقب للصحة العامة والبيئة ومدير إدارة مختصة فقط، فلو قام كل بواجبه لما كان للوزير أن يقتطع جزء من وقته الثمين ليباشر قضية بسيطة كمنع مركب كيماوي من دخول البلاد أو تنظيم توزيعه أو وضع معايير لصرفه وضبط استخدامه.

لذا أقول لمعالي الوزراء المختصين بارك الله في جهودكم واهتمامكم ولكن المطلوب هو أن يكون لديكم تنظيم لدرء مخاطر البيئة التي باتت تزداد وتهدد الصحة العامة، فاليوم ونحن نعتصر ألماً لفقدان الدكتور عمر عبدالله علي عطية وعائلته طفليهم (مسرة وميسرة) ونتضرع لله أن يمن عليهم بالاحتساب عنده، فإننا نذكر أن هذه الكارثة هي دعوة لليقضة، من أن نجد يوم أننا أمام كارثة بيئية عظيمة تعطب حياة الكثيرين، سببها عامل تعامل مع مادة ما كان يجب أن تكون بين يديه.

mindsbeat@mail.com

Twitter @mmabalkhail

مقالات أخرى للكاتب