Saturday 10/05/2014 Issue 15199 السبت 11 رجب 1435 العدد
10-05-2014

تحديات في ذكرى البيعة التاسعة

حلت علينا الذكرى التاسعة على حكم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله ونحن السعوديون ننعم بدلالات هذه الذكرى كالاستقرار والأمن ورغد العيش وتجدد الانتماء والولاء للقيادة، كما نجني معطيات التنمية في مختلف مجالاتها ومستوياتها. لكن هناك من يستغل مثل هذه المسرات؛ لينغص على الوطن فرحته بها مستفيداً من إمكانات التقنية فيشكل فتناً تتفاوت في تأثيرها عليه، وفي أعراضها، وفي نتائجها، وفي سبل مواجهتها، ولا غرابة في ذلك فالمملكة العربية السعودية جزء لا يتجزأ من هذا العالم ترتبط به بشبكة من العلاقات المتفاعلة تتأثر بأحداثه وينعكس على مواقفها، وتؤثر أحداثها عليه وينعكس على مواقفه حيالها.

وقد أثبتت الأحداث بأن السعودية صاحبة مواقف مشرفة مع الجميع، جعلت مختلف أطياف الشعب السعودي يشعرون بالفخر والاعتزاز برموزها السياسية والدينية والاجتماعية والتعليمية والأمنية والاقتصادية.

حيث أوصى مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن (1876م-1953م) نجله وولي عهده الملك سعود بن عبد العزيز (1902م-1969م) رحمهما الله بضرورة مراعاة ضوابط حكم الدولة، وإظهار مكانة الإنسان السعودي لدى قيادته وذلك كما جاء في صحيفة الجزيرة الإلكترونية في عدد 14528 وتاريخ الأحد 18شعبان 1433هـ بقوله: «تفهم أننا نحن والناس جميعاً ما نعز أحداً ولا نذل أحداً، وإنما المعز والمذل هو الله سبحانه وتعالى، ومن التجا إليه نجا، ومن اغتر بغيره عياذاً بالله وقع وهلك، موقفك اليوم غير موقفك بالأمس، ينبغي أن تعقد نيتك على ثلاثة أمور: الأول: نية صالحة، وعزم على أن تكون حياتك وأن يكون ديدنك إعلاء كلمة التوحيد ونصر دين الله، وينبغي أن تتخذ لنفسك أوقاتاً خاصة لعبادة الله والتفرغ بين يديه في أوقات فراغك، تعبداً إلى الله في الرخاء تجده في الشدة، وعليك بالحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يكون ذلك كله على برهان وبصيرة. والثاني: عليك أن تجد وتجتهد في النظر في شؤون الذين سيوليك الله أمرهم بالنصح سراً وعلانية، والعدل في المحب والمبغض، وأن تحكم بالشريعة في الدقيق والجليل والقيام بخدمتها باطناً وظاهراً، وينبغي ألا تأخذك في الله لومة لائم. والثالث: عليك أن تنظر في أمر المسلمين، اجعل كبيرهم والداً ومتوسطهم أخاً، وصغيرهم ولداً، وهن نفسك لرضاهم، وأن تمحو زلتهم، وأقل عثرتهم، وانصح لهم، واقض لوازمهم، واحرص على توقير علماء المسلمين ومجالستهم وأخذ نصيحتهم.

والمملكة العربية السعودية منذ ذلك الوقت وهي تجني العوائد الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والتعليمية لتطبيق وصية المؤسس من بعده أي في عهود أنجاله رحمهم الله وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز(1924م-وحتى الآن)، لكن السعودية ليست استثناء من العالم، ففي الوقت الذي ينعم الوطن بخيرات عدة تصادفه تحديات مختلفة، يستغلها المغرضون بخبث، وللأسف الشديد من أبنائه الذين ولدوا على هذه الأرض الطاهرة وتربوا على خيراته؛ بقصد تحقيق أطماعهم والتي نسأل الله ألا يبلغهم مقاصدهم لا في زمن الحاضر ولا زمن المستقبل. وهي على سبيل المثال لا الحصر:

- انتشار أصحاب الفكر الضال الذين كنا نعدهم من الأخيار، نأخذ من علمهم ونطبق أساليب تعاملهم مع الآخرين، بل وصل الأمر أن نتقمص شخصياتهم حباً فيهم في المظهر والفكر والمنطق والسلوك، نستحسن ما يرونه حسناً، ونستقبح ما يرونه قبيحاً، ونذود عن أعراضهم حتى أصبح البعض يرى نفسه درعاً واقياً لهم قد يقبل خسارة المقربين له ولا يقبل أن يخسرهم.

- وجود خلايا نائمة أو ساكنة تمارس مختلف التصرفات التي من شأنها أن تنغص على الوطن والمواطن فرحته. فقد زفت وزارة الداخلية للوطن والمواطنين يوم الثلاثاء 7رجب1435هـ الموافق 6أبريل2014م تقريرا عن قبضها على خلية إرهابية الـ(62) المرتبطة بداعش في سوريا، وتوضح تفاصيله. وفي الوقت الذي نفرح بهذا التقرير إلا أنه يجعلنا نحزن على أعضائها وهم من سعوديين وبالتالي لا نستغرب من وجود أعضاء غير سعوديين.

- تحريض المغرر بهم من صغار السن والفكر والإرادة، حتى وصل بهم الحال التحدث بجرأة تامة عن همومهم وأسبابها، ويختمون كلامهم بالإشهار بهوياتهم الوطنية، ويتفاخر بهم من يلقنهم، وينعتونهم بأوصاف البطولة والأحرار، وهم بعيدون عنها كل

البعد.

- نعت كل غيور على وطنه ورموزه بنعت بالجامية والشبيحة، وتوجيه التهم له، والتهديدات بمواجهته.ويستخدمون أسماءً وصوراً مستعارة في قنوات التواصل الاجتماعي؛ بقصد تثبيط وإحباط الغيورين عن الاستمرار في التعبير عن انتمائهم وولائهم لرموز مجتمعهم.

- تهميش حرص القيادة على الوطن والمواطن، ووصفه بأنه لا يرقى لمستوى اهتمام المجتمعات الأخرى المجاورة والبعيدة؛ وذلك للتقليل من هذا الحرص وجعل المواطن دائماً متذمراً على قيادته، ومتنقصاً لاهتمامها.

- نعت رموز الوطن بألقاب وأوصاف ورسوم لا تليق بإنسان عادي؛ لإثارة السخرية منها، وبالتالي إسقاط هيبتها في قلوب جمهورها المستهدف، والاستمرار في التهكم بها، وإذا كان هذا التصرف له انعكاس على بعض الكبار من المواطنين، فإن خطره يتعاظم على فئتي البراعم والشباب، فعقولهم وعواطفهم لم تزل غير مستقرة وفي طور التشكيل.

وبعد رحيل المؤسس بعقود أكد نجله رجل الأمن الراحل سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز (1934م-2012م) ولي العهد وزير الداخلية الأسبق رحمه الله وأجزل له الأجر على كل حرف في وصيته للشعب السعودي هذه التحديات بصراحة مطلقة كما جاء في صحيفة المدينة الإلكترونية المنشور في عدد18630 وتاريخ 26 جمادى الثانية 1435هـ الموافق 26 أبريل 2014م، إذ قال: «..... أقولها بكل صراحة نحن مستهدفون في عقيدتنا، نحن مستهدفون في وطننا، أقولها بكل صراحة لعلمائنا الأجلاء، ولطلبة علمنا، ولدعاتنا، ولأمرنا بالمعروف والنهي عن المنكر، ولخطباء المساجد، دافعوا عن دينكم قبل كل شيء، دافعوا عن وطنكم، دافعوا عن أبنائكم، دافعوا عن الأجيال القادمة، يجب أن نرى عملاً إيجابياً، ونستعمل كل وسائل العصر الحديثة؛ لخدمة الإسلام، ونقول الحق، ولا تأخذنا بالحق لومة لائم، فلنستعمل قنوات التلفزيونية والإنترنت، وأنتم كل وقت تقرأون وترون ما فيها».

ثم يصدر الأمر الملكي الذي أعلن التصدي بكل ثقل الدولة لهذه التحديات، ورقمه أ/44 وتاريخ 3 ربيع الثاني 1435هـ، كما نشرته صحيفة الرياض الإلكترونية يوم الاثنين 3مارس 2014م، والذي تأسس على مقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ الأمة في دينها، وأمنها، ووحدتها، وتآلفها، وبعدها عن الفرقة، والتناحر، والتنازع، وحدد عقوبات جزائية لا تستثني أحداً مهما كان وضعه الاجتماعي لمن يكون له تفاعل بأشكاله المختلفة الحركية واللفظية الظاهرة للتيارات الدينية أو الفكرية والمتطرفة أو المصنفة كمنظمات إرهابيًا داخلياً أو إقليمياً أو دولياً استهداء بقول الحق تعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} وقوله تعالى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} وقوله صلى الله عليه وسلم «من فارق الجماعة شبراً فارق الإسلام».

أنها وصايا تعري وبعد توفيق الله أصحاب الفكر الضال أمام أنفسهم والآخرين، وتحاصر لمؤامراتهم؛ لتدحضها، وتبصركل مغرر به. فالقيادة والشعب في المملكة العربية السعودية عينان في رأس واحد، لا يقبل طرف المساومة على الآخر. فمهما بلغت قوة المجتمع الخارجية وثقله الاقتصادية والعسكرية، فإنها لا تصمد أمام تصدع أو وهن الوحدة الداخلية. حفظ الله بلادنا قيادة وحكومة وشعباً.

malnooh@ksu.edu.sa

كلية التربية - جامعة الملك سعود

مقالات أخرى للكاتب