16-10-2014

الشابة السعودية وانتظار الزوج الذي لا يأتي

لا أظن موضوعا استقطب اهتمام الكتاب والمتشددين منهم على وجه الخصوص أكثر من موضوع (عنوسة) الفتيات التي تم تناولها كقضية اجتماعية تستوجب الحل السريع من خلال طرح حلول متنوعة كان أبرزها فكرة اقتران الرجال المتزوجين (بأكثر) من زوجة حتى (يستر) الله على هؤلاء العوانس ويحقق الرجل (المتعة الحلال).

وحتما حصل الكثير من ذلك فحين (تفوت) السن التقديرية التي (يفترض) فيها أن تتزوج الفتاة فمن الأجدر لها ذلك فعلى أقل تقدير وبالرؤية الاجتماعية السائدة فخير للفتاة (المتأخرة) الحصول علي زوج يمكنها من أن ترزق بطفل أو اثنين بدل ضياع شبابها دون جدوى؟؟

ورغم أن الإسلام أحل تعدد الزوجات للضرورة أو لعلاج أوضاع اجتماعية معينة لكنه يظل وخاصة في زمننا المعاصر لا يعدو كونه حلا واقعيا نضطر لقبوله بعسر ولضرورات محددة. وحتى تتخيلون صعوبة قبول مثل هذه المواقف على الشابات وأهاليهن: ضعوا أنفسكم فيها أو ضعوا بناتكم اللاتي قضيتم أعماركم تربونهن وينتهين (بنصف) زوج في هذا الموضع المقلق.

في كل الأحوال لم نجد إجابة على السؤال الأهم: هل ظاهرة تأخر زواج الفتيات (وخاصة الحاصلات علي مؤهل جامعي) صحيح ومدعوم بالأرقام أم أنها مجرد مشاهدات عامة قد لا تدعمها الإحصاءات؟

وإذا كان الأمر صحيحا ويبدو أنه كذلك فالسؤال الذي يليه هو: لماذا حدثت وتحدث هذه العنوسة بين الفتيات المتعلمات على وجه الخصوص؟ طبعا لم ولن يسمع زميلنا الرجل بلقب (عانس) مهما تأخر في الزواج لأسباب اجتماعية وتاريخية وثقافية متعددة لا مجال لسبرها كلها ولكن بعضا من ملامحها ستظهر أثناء المناقشة لكن لماذا لا تجد الفتيات زوجا مناسبا حتى لو رغبن في ذلك.. وحتى لو توفرت كل المقومات التي تؤهلهن (لأحلى) زوج كما يقال مثل المظهر الجيد والعفة والتعليم وربما الوظيفة فالكثير من الفتيات يبقين دون زواج أو على أقل تقدير يتأخرن في الحصول على زوج.

بالطبع هناك العامل التاريخي الذي يجعل فرصة المرأة بشكل عام أقل من الرجل وهو حقيقة العرض والطلب في هذا المضمار فالمرأة تبقى في (الفترينة) الاجتماعية فعلا حتى يؤشر رجل ما معلنا رغبته في الزواج منها والتقدم إلى ذويها لإعلان الزواج وبناء الأسرة.. هذا هو ما يجري في مؤسسة الأسرة في الغالب وربما كانت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها هي الاستثناء في هذه القاعدة فهي حين رأت رجلا عرفت صلاحه وصدقه أعلنت له رغبتها في الزواج منه؟ انظروا مقالتي في ذلك //2014/20140403/ar3.htm

طبيعة البيئة الجغرافية التي نعيش فيها اليوم تؤثر بشكل قد لا نتوقعه عبر (احتمالية) الزواج للفتاة، فالأسرة السعودية اليوم تعيش في (بيوت) إسمنتية ذات أسوار عالية فعليا ومجازيا مما عزل الأسر إلى جزر صغيرة نائية لا تعرف شيئاً عن محيطها الاجتماعي فأفرادها إما مشغولون بالإنترنت أو بمشاويرهم الاجتماعية والعائلية وأقل من ذلك انشغالهم بالعمل فكيف تعرف أوضاع الفتاة الاجتماعية إن كانت عازبة أو مطلقة أو أرملة ولم تعد الحال كما كانت القرى الصغيرة سابقا أو الأحياء حيث يعرف الجميع بعضهم البعض ويتناقل أهالي الحي أخبار هذه وتلك وأضف على ذلك الاختفاء التدريجي لدور الخاطبة من حياتنا الاجتماعية. نعم حلت وسائل أخرى مثل وسائل التواصل الاجتماعي التي حلت محل الخاطبة لتقريب الطرفين لكنه للأسف تقارب يبقى في معظم الأحوال ضمن العالم الافتراضي ومن القليل أن يتمخض عن حياة حقيقة تنتهي بالزواج.

بالتأكيد.. ساهم التعليم في تغيير التوقعات الاجتماعية للمرأة حول الرجل الذي ترى أنه يناسبها لبناء أسرة.. أولا من حيث طول مدة التعليم حتى الحصول على الدرجة الجامعية مما يؤخر الزواج ككل كما ساهم التعليم في أن (يعلم) و (يفتح) أعين ومدارك المرأة لنوع الرجل الذي تنوي قضاء عمرها معه.

ارتفاع توقعات المرأة من الرجل بأن يكون (كما تقرأ) ا لطيفا وحساسا ومسئولا الخ جعلها لا تقبل بأي أحد وأن يكون مستوى التعليم متكافئا أو على الأقل متقاربا مما جعل النساء لا يقبلن بأي خاطب وهو ما رفع المدة الزمنية التي ينتظرن فيها الزوج، أي أن هناك تغيرا قيميا طال علاقة المرأة بالرجل ورفع مستوى توقعاتها منه فهي تتوقع احترامه لها وتقديره لأدوارها المتعددة كزوجة وأم وموظفة كما تتوقع منه المشاركة الفاعلة في العناية بالمنزل والأطفال وغيرها من المتغيرات التي لم تتوقعها أمهاتنا من آباءنا في زمنهن مما جعلهن يقبلن بظروف قمعية وصعبة لا تقبل بها معظم فتيات اليوم اللاتي يفضلن البقاء من غير زواج بدل علاقة مأزومة.

وهنا نأتي بيت القصيد حيث يلعب التغير القيمي اليوم دورا كبيرا في نوع العلاقة بين الرجل والمرأة كما تراها المرأة السعودية اليوم. لاحظ أن علاقة المرأة بالرجل في مجتمعنا سابقا كانت مبنية على علاقة التابع وأن الرجل رغم كونه راعي الأسرة وحاميها وموفر مواردها المالية إلا أنه أيضا (الحاكم بأمره) الذي تخشاه المرأة وترتعد فرائصها من فكرة غضبه.. فماذا تنشده المرأة الحالية اليوم في رفيق المستقبل حتى إذا لم تجده بقيت بدون زوج إذا اضطرها الأمر لذلك؟ هذا ما نناقشه الأسبوع القادم.

مقالات أخرى للكاتب