الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد عدد من العاملين في الحقل الوقفي والمختصين في القطاع غير الربحي على ضرورة تحقيق الاستدامة المالية للقطاع والجهات المستفيدة من الأوقاف، مشيرين إلى أن وقف الاستدامة المالية للقطاع غير الربحي يهدف إلى تأمين استمرارية العمل في الجمعيات والمؤسسات الخيرية على المدى الطويل، عبر تحقيق مصادر دخل ثابتة ومتنوعة، مما يقلل الاعتماد على التبرعات والتمويل الخارجي، ويمكنها من تحقيق أهدافها التنموية والاجتماعية بشكل فعال مستديم.
جاء ذلك في أحاديث للخبراء والمختصين في العمل الوقفي، حول أهمية وقف الاستدامة المالية للجهات الخيرية.
ثلاثة مسارات
يرى الشيخ راجس بن أحمد الشرافي الأمين العام للمؤتمر الإسلامي للأوقاف وقف الاستدامة المالية لم يعد خياراً تكميلياً للجمعيات الخيرية، بل هو أداة استراتيجية لضمان استمرارية الخدمة وجودتها، ويمكن اختصار أهميته في ثلاثة مسارات واضحة:
1 - تنويع مصادر الدخل وتقليل المخاطر: وجود أصل وقفي منتج يقلّل من اعتماد الجمعية على التبرعات الموسمية، ويخلق تدفقات مالية مستقرة يمكن البناء عليها.
2 - تمكين التخطيط متوسط وبعيد المدى: العائد الوقفي يتيح للجمعية تبنّي برامج تنموية مستمرة، بدلاً من المبادرات القصيرة المتأثرة بتذبذب الموارد.
3 - تعزيز الثقة والحوكمة: إدارة الوقف وفق سياسات استثمارية واضحة وشفافة ترفع مستوى الانضباط المؤسسي، وتزيد ثقة الشركاء والداعمين.
آلية التحقيق
يشير راجس الشرافي الأمين العام للمؤتمر الإسلامي للأوقاف أن آلية تحقيق الوقف يمكن تقديمها في ثلاث خطوات عملية مختصرة:
1 - تحديد أصل وقفي مناسب يعتمد على تحليل العائد والمخاطر، وملاءمته لطبيعة الجمعية.
2 - إنشاء إطار حوكمة واستثمار يضمن الشفافية والفصل بين التشغيل وإدارة الأصول.
3 - ربط العوائد بأهداف محددة داخل الجمعية، مع نشر تقارير دورية تعكس الأثر الحقيقي للوقف.
وبهذا يتحول الوقف من «مورد مالي» إلى منصة استدامة تعزز قدرة الجمعية على تقديم خدمة مستقرة وفعّالة على المدى الطويل.
فلسفة الموارد
يبين الشيخ إبراهيم بن محمد السماعيل الباحث في شؤون الأوقاف أن وقف الاستدامة المالية أحد الأدوات التنموية الرئيسية التي تعزز الحوكمة الرشيدة لمؤسسات العمل الخيري، وتكمن أهمية هذا النوع من الأوقاف في دورها في إعادة تشكيل إدارة المال في المؤسسات الخيرية وتغيير فلسفة الموارد المالية من حالة الاعتماد على التمويل المؤقت إلى منظومة الاستثمار المستدام الذي تمثل الأوقاف أحد أهم أدواته المالية؛ كونه يضمن تأمين مصدر دخل دائم ومحايد يغطي النفقات التشغيلية والإدارية الأساسية كحد أدنى وربما يتجاوز ذلك إلى تغطية تكاليف البرامج والأنشطة داخل المؤسسات الخيرية، مما يحقق للمؤسسات الخيرية أمانًا ماليًا ويقلل من مخاطر التقلبات الاقتصادية ويُحرر إداراتها من عبء التفرغ لجمع التبرعات اليومية، مؤكداً أن وقف الاستدامة يُسهم في تحقيق الاستقرار المالي للمؤسسات الخيرية، ويعزز استقلالية هذه المؤسسات وتحررها من شروط المانحين وتأثيرهم على سياساتها وتوجهاتها، كما يُسهم في تمكين المؤسسات الخيرية من بناء خطط استراتيجية طويلة الأجل، وتنفيذ مشاريع تنموية ذات أثر عميق ومستدام، بدلاً من التركيز على المساعدات قصيرة الأجل.
أصل وقفي
يشير الباحث إبراهيم السماعيل إلى أن هذه الاستدامة تتحقق عبر تأسيس أصل وقفي ثابت تجري عليه أحكام الوقف كعدم البيع أو الرهن أو غيرها من التصرفات التي تتعارض مع مفهوم الوقف، ويتم توثيقه رسميًا باسم المؤسسة الخيرية ويكون له شخصيته الاعتبارية المستقلة، ويُدار هذا من قِبَل جهات متخصصة مستقلة عن إدارة المؤسسة الخيرية (إدارة الوقف)، وتُستثمر أصوله في قنوات شرعية ذات عائد مستمر. ويُخصص ريعه لتغطية نفقات الجمعية، مع إعادة استثمار جزء من العائد لضمان نمو الأصل وحمايته من التضخم.
هوية العمل الخيري
يتمنى الأستاذ وليد بن خالد الغامدي المحامي المهتم بالقطاع غير الربحي ويرجو من الله أن يرى في يوم من الأيام وقفاً يحمل اسم (وقف الاستدامة المالية)، وقفاً يصرف ريعه لتمكين الجهات الخيرية من فهم أثر المال في استدامة واستمرار العمل الخيري، ولا ينظر إليه كمورد سرعان ما ينفد، بل كقوة للجهة يجب أن يدار بحكمة ويستثمر بوعي، وقف يجعل من الثقافة المالية والاستثمارية جزءاً من هوية العمل الخيري، لا عبر التنظير والشعارات بل عبر اللقاءات، والندوات، وورش العمل، والمؤتمرات والممارسات العملية، ليعيد تعريف العلاقة بين المال والتمكين، وبين العطاء والاستدامة.
ويضيف وليد الغامدي قائلاً: تخيلوا كم سيكون الأثر عظيماً حين تتحول الجهات الخيرية من مجرد باحثة عن الدعم من إلى صانعة له، ومن متلقية للمنح إلى منشئة له، ومن جهة تعتمد على التبرعات إلى جهة قادرة على الاستمرار والنمو والتوسع، ففي ذلك اليوم -بإذن الله- يصبح الوعي المالي في العمل الخيري ثقافة لا مبادرة، وسنكون فيه أقرب إلى تحقيق الاستدامة الحقيقية، ونضمن استمرار النفع للأجيال القادمة - بعون الله.