بريدة - خاص بـ«الجزيرة»:
قال الدكتور سليمان بن محمد النجران أستاذ أصول الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم أن يوم الجمعة من أفضل أيام الأسبوع، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه، وفي هذا اليوم العظيم شرعت خطبة الجمعة ومنزلتها عظيمة، باعتبارها منبر البيان ومَرتقى الهدى والإيمان، تُنصِتُ لها القلوب قبل الآذان، وتُبصِر فيها العقولُ سبيلَ الله في شؤون الحياة، مشيراً إلى أن خطباءُ الجمعة في فقه الخطبة بين التأصيل والتنزيل على أربع مراتب تتفاوت بها منازل الأثر في النفوس، والهدى في العقول.
الأولى: من يمزج واقع الناس بالنص والأثر، فيستنطق النصوصَ بما يُلامس آلامهم، ويستخرج من الوحي علاجًا لمشكلاتهم، بعد أن يصوّر الواقع تصوير العارف، ويُحسن تشخيص أسبابه، ثم ينزل عليه الدواء الشرعي القويم؛كما كانت خُطَب النبي صلى الله عليه وسلم إذ خطبهم: «غطّوا رؤوسهم، ولهم خنين» (متفق عليه)، فجمعت خطبُه بين تصوير الحال، وإقامة الدواء، ودوام الهداية.
الثانية: من يؤصِّل أولًا ثم يُنزِّل، أو يُنزِّل ثم يُؤصِّل، فلا يخلو من جمعٍ بين العلم وحياة الناس، غير أن التداخل بينهما ضعيف، والانصهار بين الدليل والتنزيل ناقص؛ فله من التأصيل نصيب، ومن التنزيل حظ، ولكنّ أثره دون الأولى في النفوذ والتأثير.
الثالثة: من يُبرز المشكلة بلا تأصيلٍ، أو يُؤصِّل بلا تنزيلٍ، فتغدو الخطبةُ في وادٍ وحياة الناس في وادٍ، أو تكون معزولةً عن الوحي ومنهجه؛ فتهتزّ الألفاظ، ولا تهتزّ القلوب، ولا تُغيِّر الخطبةُ واقعًا، ولا تُحدِث أثرًا.
الرابعة: من لا تأصيلَ عنده ولا تنزيل؛ يخطب بلسانٍ خالٍ من العلم، وبيانٍ خاوٍ من المقاصد، وما أكثر هؤلاء في هذا الزمان؛ وهذه أضعف المنازل وأبعدها عن هَدْي النبوّة وروح الخطبة.