يتطلب تقديم الآراء حول عمل الآخرين الإلمام بأصول النقد الهادف،لكون النقد البنّاء ينطوي عليه مخرجات غالبًا ما تكون في مصلحة العمل للارتقاء بمعايير الأداء.
أما النقد الأحادي، المبني على انتماءات، أو ميول، أو علاقات، أو من أجل منافع، أو من منطلقات ذاتية غير ناضجة هذا نقد مشوه لا فائدة منه، ولا منفعة، نقدٌ يفتقر للقواعد والأصول التي ينبغي أن تتوفر في الشخص مهنيًّا،وعقليًّا، بعيدًا عن التعصب، أو الحزبية، أو القبلية، أو المناطقية، أو المذهبية.
كلنا يعمل ويجتهد فيما يقدمه من أشغال، لكن قد يحدث نقص أو يعتري الفعل قصور في بعض جزئياته مما يجعل النتائج لا تتناسب مع الكدح المبذول.
إن تعزيز الفهم للنفس والآخرين يعتبر نافذة صحية يعالج فيها الإنسان أخطاءه ويلتفت أكثر لأوجه القصور حتى يضمن البقاء في المسار الصحيح وينأى عن الاجتهاد ويغلق باب الانزلاق.
يقول جوزيف لوفت وهاري انغهام إذا أردت أن تعرف إلى أين تتجه فعليك إنشاء نافذة (جوهاري) الخاصة بك حتى تستطيع من خلالها معالجة أخطائك ويصبح بمقدورك إعطاء الآراء على نحو متزن.
لا يمكن للفرد أن يقوم بالنقد بينما هو أصلاً لم ينشئ نافذته الخاصة، فالكثير من الناس لديه مفهوم عقيم لمعنى النقد، ويستخدم أساليب عاقرة لا تستند إلى أصول ولا إلى قواعد ثابتة، تجده يهاجم الأفكار، ويجتاح العقول، ويستبيح المفاهيم، ويكتسح التوجيهات، ويداهِمَ بلا وعي، ويقتحم بلا إنكار، ويسمح لنفسه بأن تنال من شخصيات الآخرين، بل يمتد به الحال أن يقلل من شأن الأعمال والإنجازات، ومصادرة الجهود، هذا بالطبع نقد أحادي غير مثمر، لكون الناقد في هذا الموقف وهذه الحالة يعيش في منطقة ليس لها صلة بالأهداف ولا بالغايات التي من أجلها وجد مصطلح النقد.
لقد كان النقد ومايزال جسرًا من الجسور التي تتمتع بالمتانة والقوة رغم مروره بالكثير من التحديات والعديد من الصعوبات أهمها وأولها ظهور نقاد على الساحة الإعلامية والثقافية والأدبية والرياضية وحتى السياسية والاقتصادية لم تسلم منهم، يتناولون الموضوعات من طرف واحد أبعد ما يكونون عن النقد الهادف القائم على الاعتدال والاتزان الذي لا يجتر معه خلفيات ثقافية معقدة ولا تركيبات بيئة قاصرة، نقد مجرد من الهوى والرأي خالٍ من النصائح العامة، قائم على اقتراحات محددة قابلة للقياس والتنفيذ ينطوي على توصيات توضح كيفية إجراء التحسينات، ليس للأديولوجيات مكان فيه.
من أجل أن تكون ناقدًا حصيفًا ينبغي أن تتبع بعض الإجراءات:
1/ القدرة على التمييز .
عندما يستطيع الناقد أن يميز الخلل في العمل الذي يواجهه فهو بذلك يضمن اقتراحًا فعالاً ويبني توصيات ناضجة.
2/القدرة على إصدار الأحكام.
الناقد الجيد يلزمه أن يكون خبيرًا في مجاله أي أنه تحصل على رخصة يزاول بها المهنة تجعله يحكم على الأعمال المميزة ويفصل عنها الأعمال الركيكة منذ اطلاعه عليها، كأنه خط إنتاج لا يجيز المنتج إلا بعد مروره بمراحل شتى تضمن سلامته وجودته.
3/ التمكن من فهم النفس.
هذه الخانة ذات أهمية بالغة لإصدار التمييز والقدرة على إصدار الأحكام.
إنّ فهم النفس باتباع نافذة «جوهاري» يساعد الناقد على معرفة مكانه من المناطق الأربع التي تعيش داخله، فطغيان ربع على آخر سيكلفه الكثير؛ لذا إذا رغبت أن تكون ناقدًا مميزًا، عليك أن تعرف المنطقة المجهولة فيك، والمفتوحة، والبقعة العمياء وكذلك المخفية.
فالمخفية تفيد في الأشياء التي تعرفها عن نفسك، ولكن الناس لا يعرفونها عنك غالبًا ينبغي عليك إبراز قدراتك أمام الآخرين والكشف عن مهاراتك حتى يمكنهم تقبل أفكارك ونقدك، ينصح دائمًا بالتعريف عن نفسك بشكل مبسط من غير مبالغة حتى تضمن استقطاب أفكارهم وتلفت انتباههم، وتسترعي أسماعهم هذا سوف يقوم بإغرائهم للسؤال عنك وعن قيمك ومبادئك وأمانتك وإخلاصك وتفانيك.
لتعلم أن العظماء لديهم ستار يحرصون على عدم كشفه خشية الرياء لكن اجعلهم يكتشفون عنك كل يوم شيء من خلال حرصهم على الاستزادة عنك.
أما الجزئية العمياء أو مربع الخداع أو كما يحلو لبعضهم إطلاق مصطلح العُتمة، يعرفها الآخرون بينما الشخص لا يعرفها، هنا ينصح النقاد إذا ماكانوا يرغبون في نقد بنّاء صحيح الإدراك لأهمية الموضوع وفهمه جيدًا بحيث يصبح لديهم القدرة على توصيل المقترحات والآراء على هيئة سديدة، فكلما ضاقت هذه المنطقة استطاع الشخص الإبصار، خاصة إذا أطال النظر وتمعن في أخطائه وحاسب نفسه وراجع مواقفه وحلل سلوكياته بإنصاف.
في حين أن مربع الانفتاحية أو النهار، هذا الشيء يومئ بأن الإنسان يعرف نفسه وأن الباقين لا يجهلونها فإذا أردت أن تكون ناقدًا فريدًا عليك أن تمنحهم القدرة على قراءتك، وكن مرنًا في هذا حتى تضمن عدم توتر في العلاقات معهم أو نشوء سوء الظن، في غالب الوقت فإن بقاء الشخص تحت هذا التأثير لا يخدمه بل يمكن أن تزداد الأمور سوءًا فيتعرض للأذى منهم، بقاؤك في مربع الشمس أو الوضوح سيعطيك هالة أكثر وثقة أكبر ويمنحك قبولاً ومكانة.
أما المربع المجهول أو الصندوق الأسود ينضوي تحته الاحتياجات وينصح أن يُكثر الإنسان من القراءة والاطلاع والتدريب حتى يضمن أن يكون كفؤًا، هذه يحتاج فيها الفرد إلى زيادة تقديره للأمور حتى إذا ما وقع في أزمات استطاع أن يخرج منها بحكمته وكثرة تجاربه، هي تعتمد على التجارب والمواجهات واليقظة هذه المنطقة لا يعرفها المرء كما أن الناس لا يعرفونها، هي تظهر وقت المآزق وأثناء الصعوبات، تظهر فجأة لتقيس الحصافة والفراسة والذكاء.
يقول إيمانويل كانط: إنّ العقل أداة أساسية للأخلاق والأخلاق، لأنه يسمح لنا بالتفكير في أفعالنا واتخاذ القرارات الأخلاقية على أساس العقل وليس على أساس العاطفة والعاطفة.
** **
- علي بن عيضة المالكي