Culture Magazine Monday  03/09/2007 G Issue 214
فضاءات
الأثنين 21 ,شعبان 1428   العدد  214
 
حقيبة سفر (4)
ميرا الكعبي

 

 

حينما وصلت إلى الرحلة الثانية ودخلت الطائرة، شعرت بإنهاك وجوع شديد، جوع لا يوصف، كان قد مضى عليّ نصف يوم لم آكل؛ إذ أثناء الرحلة الأولى قد أمضيت الوقت في النوم؛ نظراً لأن موعد الرحلة بعد منتصف الليل، وفي المطار لم يتسن لي أن آكل. وها أنا قد وصلت لرحلتي الأخرى، وأنا أشعر بأني سأموت من الجوع، لدرجة أني قلت لجارتي في المقعد بأنني جائعة جائعة جداً. في هذه الأثناء وبعد أن أقلعت الطائرة لم يمض وقت حتى جاء المضيف يسأل عن الشخص الذي قد حجز وجبة إسلامية، فسألني إذا كنت هو فأجبت بالإيجاب، حتى ذهب وأحضر لي الوجبة حتى قبل أن يحين توزيع الوجبات على المسافرين! فقالت لي السيدة الأمريكية التي كانت تجاورني في المقعد: هل رأيتِ؟ لقد سمع الله نداءك!

عرفت فيما بعد أن السيدة التي تبدو في الخمسينيات من العمر تقوم بأنشطة تطوعية لصالح إحدى الكنائس وقد عادت مع مجموعة شابات وشبان من رحلة تطوعية من كينيا قاموا فيها بأنشطة خيرية لمساعدة الفقراء والمرضى. لقد كانت سيدة لطيفة ورائعة. وحينما وصلت الطائرة إلى واشنطن ودعت السيدة وشكرتها على لطفها؛ فقالت: أنا فقط كنت أحاول أن أقوم بدور الضيافة لك وأنقل صورة جميلة عن أمريكا بما أنك تأتين هنا للمرة الأولى، وتمنت لي دراسة موفقة ومضت.

توقفت في واشنطن يومين زرت فيهما الملحقية والسفارة وأماكن متفرقة في واشنطن ثم تابعت الرحلة إلى حيث سأدرس. في مطار ريجان ذهبت إلى حيث البوابة التي سوف تقلع منها الطائرة الأخرى المتجهة إلى دالاس. بقيت أنتظر وسألت شخصاً يجلس هنالك عن الساعة التي سوف تقلع فيها الطائرة. كان يبدو عليه أنه شخص كبير في السن نسبياً، وكان يجلس هنالك منذ مدة طويلة ويقرأ في كتاب. ما أن سألته حتى أبدى مخاوفه من أن تفوته الطائرة؛ لأنه أحياناً يستغرق في القراءة أو ينام ويمضي الوقت، فطمأنته بأن الطائرة لم تقلع بعدُ، ثم أخذ يستفسر عني؛ فحدثته بأنني قادمة للدراسة، وعن الوجهة التي سأمضي إليها، وتخصصي في الدراسة. وتحمس جداً حينما علم بأنني قادمة من أجل دراسة القانون، فلقد كان ناشداً حقوقياً ولديه نشاطات في هذا الصدد. ولقد كان مرشداً ومعلماً في جامعة خاصة بالصم في واشنطن، لكنه الآن تقاعد من العمل. وبما أني لدي أخ لديه ذات المشكلة فلقد كان لديّ خبرة متواضعة بلغة الإشارة؛ فصرت أتحدث معه وأستفسر عن لغة الإشارة في أمريكا، ونقارن الرموز، وسألته عن I love you كيف تقال بلغة الإشارة عندهم، فقال إنها تقال بضم الأصابع الوسطى الثلاث وفتح البقية من اليد اليمنى مع هز اليد، واكتشفت أن كثيراً من الإشارات متشابهة مع لغة الإشارة التي تعلم في المعاهد الخاصة عندنا.

في هذه الأثناء حان موعد الدخول إلى الطائرة، ولقد كان من ضمن المجموعة التي تسبقني في الدخول، بينما أنا كنت سأكون في الآخر. طلب مني حينما ندخل إلى الطائرة أن يغير أو أغير أنا مقعدي لأجلس بجواره كي نتابع الحديث، كان متحمساً لي جداً. وسبقني إلى الطائرة ووجدته قد حجز لي مقعداً بجواره، وتابعت الحديث معه وعرفت عنه أشياء كثيرة، منها أنه كان عائداً من رحلة جميلة لزيارة ابنته الصغرى كانت قد رزقت لأول مرة بمولود، وهذا حفيده الأول. وأخذ يحدثني عن ابنته مطولاً بفخر واعتزاز وقال لي إنني أذكره بابنته، ثم أخرج من محفظته صوراً لها ولابنه الذي يعيش في سان أنطونيو. وتابع الحديث عن نفسه؛ فعرفت أنه أمريكي من أصل مكسيكي. تحدث عن الاعتزاز بالثقافة والهوية، وقال لي: سأخبرك بشيء ربما لن يحدثك به شخص آخر، لكن عليك أن تعي أهميته. فقلت له: ما هو؟ فقال لي: أنت صاحبة بشرة خمرية مثلي، إلى حيث ستذهبين ستواجهين بعض التمييز بسبب اللون والهوية، حينها عليك أن تكوني قوية لتواجهي ذلك كي تحصلي على حقوقك بقوة القانون، ثم حكى لي عدة أمثلة من تجاربه الخاصة. بعد ذلك عرفت عن نشاطه الحقوقي، وأنه يعمل حالياً على مشروع تبديل أسماء المدارس التي سميت على أشخاص عنصريين أو مجرمي حروب سابقة. قال لي إنه يتعرض للتهديد دائماً بالقتل بسبب نشاطه في السابق، واعتذر عندما اعترف بأنه إنسان ملحد خشية أن يجرح مشاعري كمسلمة، لكنه الآن صار يؤمن بأن هنالك من يرعاه ويشمله بالحماية؛ فأجبته بأن الإنسان حينما يعمل أشياء جيدة في حياته لابد أن يثق بأن الله يرعاه. وصلت الطائرة إلى دالاس، ووصلنا إلى مفترق طرق. أعطاني عنوانه الإلكتروني واسمه، وقال: اعملي بحثاً عني في الإنترنت، وستقرئين مقالاتي. ودعته من بعيد. جاء ليحضنني؛ فتمنعت، قال لي: هذه عادة هنا سوف تعتادين عليها لاحقاً! قلت: لا أظن! حياني ورفع يده اليمنى بإشارة ورحل.

....................................................................................... انتهت

- الولايات المتحدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة