منذ أن تسلّم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود دفة الرؤية السياسية للمملكة، تغيّرت قواعد اللعبة في الشرق الأوسط. فبدلًا من إدارة الأزمات، باتت الرياض تصنع الحلول، وتعيد ترتيب التوازنات على أسسٍ من الواقعية والمصالح المشتركة، لا الشعارات العابرة.
اليوم، ومع ما تشهده الساحة الدولية من تحولاتٍ متسارعة، تقف المملكة العربية السعودية كرقمٍ صعب في معادلةٍ معقّدة، جمعت بين واشنطن ودمشق في لحظةٍ لم يكن كثيرون يتوقعونها. فالمصالحة التي وُلدت من رحم الصراعات، واللقاء الذي جمع المتخاصمين على طاولة واحدة، لم يكن ليحدث لولا سياسة التهدئة الذكية التي انتهجها ولي العهد، واضعًا نصب عينيه هدفًا واحدًا: أن يعود الشرق الأوسط إلى العرب، وأن تكون الرياض محور الاتزان في زمن الانقسام.
ومنذ أكثر من عقد، كانت سوريا ساحة لتصفية الحسابات الدولية، تحكمها القوى بالنيابة وتتنازع فيها الرايات. لكنّ التغيّر الذي شهدته المنطقة بعد الانفتاح السعودي الإقليمي فتح نافذة جديدة للسلام. فبدعمٍ من الرياض، وبموقفٍ ثابت من سمو ولي العهد تجاه ضرورة استعادة سوريا لدورها العربي، انطلقت مرحلة إعادة التواصل السياسي، التي توّجت بزيارةٍ تاريخية للرئيس السوري أحمد الشرع إلى البيت الأبيض، إيذانًا بعودة الدبلوماسية إلى مسارها الطبيعي.
لقد نجحت المملكة في تحقيق ما عجزت عنه سنواتٌ من العقوبات والضغوط، إذ قدّمت نموذجًا للوساطة الهادئة والعقلانية التي لا تبحث عن انتصارٍ لطرف، بل عن استقرارٍ للمنطقة كلها. ومن هنا، باتت الرياض ليست طرفًا في المعادلة، بل هي المعادلة نفسها.
ومن المؤكد أن التحول الذي قاده سمو ولي العهد لم يقتصر على العلاقات الثنائية، بل شمل إعادة تعريف دور العرب في النظام الدولي الجديد. فبين واشنطن وبكين، وموسكو وطهران، وقفت السعودية بثقة، واضعةً مصالح الأمة في المقام الأول، ومؤكدة أن الحياد النشط هو سياسة القادة الكبار، لا المترددين. ومن خلال ذلك، أصبحت المملكة صوت التوازن، ومرجع الحل، وجسر التواصل بين الشرق والغرب.
وإنّ التقارب السوري - الأميركي برعايةٍ سعودية ليس حدثًا عابرًا، بل نقطة تحوّل في التاريخ السياسي الحديث. فسوريا الخارجة من الحرب تبحث عن استقرارٍ وتنمية، والولايات المتحدة تبحث عن شريكٍ موثوق في الشرق الأوسط، والمملكة - بسياساتها المتزنة - هي التي جمعت الخيوط وصاغت الصيغة الذهبية: سلامٌ عربيٌ بقرارٍ عربي، ومصلحة دولية بيدٍ سعودية.
خاتمة: هكذا تثبت الأيام أن محمد بن سلمان لا يصنع القرارات فحسب، بل يرسم ملامح الشرق الأوسط الجديد بخطوطٍ من الحكمة والواقعية. وبين دمشق وواشنطن، تمتد اليوم جسور الثقة التي شيدتها الرياض، لتعيد إلى المنطقة روحها، وإلى الدبلوماسية معناها. فمن السعودية انطلقت شرارة الإصلاح، ومن قيادتها يتجدد الأمل بأن القادم أكثر استقرارًا وعدلاً للعرب جميعًا.
** **
خالد امقيدح - مهندس وكاتب سوري مقيم في بريطانيا