تمرُّ هذه الأيام الذكرى الحادية عشرة لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -أيده الله- التي توَّجت مسيرة حافلة بالعطاء والإنجازات والمكتسبات الوطنية، امتدت لأكثر من خمسة عقود قضاها حاكماً لأهم مناطق المملكة، وهي منطقة الرياض، حيث شهدت في عهده نهضة عمرانية وحضارية شاملة.
لقد جاءت البيعة في الثالث من ربيع الآخر عام 1436 هـ، لتكون محطةً فارقة في مسيرة هذا الوطن الغالي، تؤكد بالطبع استمرار منهج الوسطية والاستقرار، وتُعزز مسيرة البناء والتنمية والنهضة الشاملة في مملكة العز والشموخ والإنسانية.
البيعة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- ليست مجرد مناسبة وطنية عابرة، بل هي تجسيد حي لعراقة العلاقة الوطيدة بين القيادة الحكيمة والشعب الوفي.. علاقة قائمة على معاني الحب والولاء الصادق.. تنطلق بطبيعة الحال من شرعية دينية وتاريخية واجتماعية متجذرة في أعماق ووجدان هذا الشعب الأبي الأصيل.
لقد حمل الملك سلمان -حفظه الله- منذ اليوم الأول لتوليه الحكم، همَّ الوطن والمواطن، فكانت قراراته الحكيمة وانطلاق رؤية المملكة 2030 تحت قيادته، تجسيداً لرؤية ثاقبة تستشرف المستقبل، وتضع الأسس المتينة لتحويل التحديات إلى فرص، وبناء اقتصادٍ قائمٍ على التنوع والابتكار، بعيداً عن الاعتماد الأحادي على موارد النفط. وقد أسهمت هذه الرؤية الطموحة في إطلاق طاقات الشباب السعودي، وتمكين المرأة، وخلق بيئة جاذبة للاستثمار، مما وضع المملكة في مصاف الدول المتقدمة على خارطة العالم الاقتصادية والسياسية.
وعلى الصعيدين العربي والإسلامي، ظلّت المملكة في عهده -أيده الله- ركناً أصيلاً للأمن والاستقرار، وداعماً للقضايا العادلة، وقائداً للعمل الإسلامي والعربي المشترك. فقد حظيت قضايا الأمة الإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، باهتمام بالغ من قبله، كما عزَّزت المملكة دورها الريادي في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما من حجاج ومعتمرين وزوار، حيث شهدت توسعات تاريخية وتطويراً للخدمات لاستيعاب الأعداد المتزايدة بما يليق بشرف هذه الخدمة.
وفي مجال السياسة الخارجية، اتسمت قيادة خادم الحرمين بالحكمة والتوازن، فكانت المملكة شريكاً فاعلاً في تحالفاتها الدولية، وداعماً للسلم والأمن العالميين، ومدافعاً عن مصالح الأمة، وساعياً لحل النزاعات بالوسائل السلمية، مع الحفاظ على سيادة الوطن ومكتسباته في وجه التحديات والإرهاب.
أما على المستوى الداخلي، فقد شهدت المملكة في السنوات الإحدى عشرة الماضية حركة تنموية غير مسبوقة، تمثلت في إطلاق مشاريع عملاقة تغطي جميع القطاعات، من البنية التحتية والتعليم والصحة إلى النقل والطاقة والترفيه والرياضة. كما أولى - حفظه الله- عناية فائقة بتنمية الإنسان السعودي، من خلال برامج التعلم والتدريب، وتمكين الشباب في مواقع القيادة، وتعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل والتنمية، انطلاقاً من إيمانه بأن الإنسان هو رأس المال الحقيقي للوطن. ومعروف ان الإنسان الواعي المتعلم صاحب القيم الأصيلة هو لبنة بناء المجتمع المتقدم والمتماسك الذي يقاوم التحديات ويبني المستقبل لوطنه.
ولعل أبرز ما يميز هذه المسيرة المباركة هو استمرار نهج الملك المؤسس الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- القائم على الشريعة الإسلامية والدستور القرآن والسنة النبوية، والتمسك بالثوابت، والانفتاح على العالم، مع الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية الأصيلة.
في هذه الذكرى المجيدة، يتجدد الولاء والوفاء لخادم الحرمين الشريفين، الملك الإنسان، والقائد الحكيم، الذي جسد معنى القيادة الرشيدة، فوطنٌ يسير تحت قيادته على طريق المجد والازدهار، وأمة تنعم في ظله بالأمن والاستقرار.
حفظ الله الملك سلمان وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، وأطال في عمرهما، ووفقهما لكل خير، وأعانهما على مواصلة مسيرة العطاء والبناء والنماء، إنه نعم المولى ونعم النصير.
** **
د. أحمد الحمدة - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية