منذ توحيد البلاد وجميع خطط الدولة ترتكز محاورها الرئيسة على تنمية الفرد والمجتمع، وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله زاد الاهتمام والدعم، وأُقرِت رؤية الدولة 2030 التي تبناها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رعاه الله، الرؤية الرشيدة التي من أهم أهدافها تحقيق أعلى المعايير لجودة الحياة مع الاستثمار الأمثل في الإنسان.
تقول العرب ما أشبه الليلة بالبارحة وأما الشخص المنصف المحايد فيقول إن ما يراه الآن لم يكن يتوقع حدوثه مطلقا ولم يخطر يوما بخلده، حيث يجد نهضة شمولية تعم كل أرجاء الوطن الغالي، ويجد أيضا تقدما حضاريا غير مسبوق وإنجازات مبهرة تتوالى على كافة الأصعدة أمامه.
ولكن مع إعلان هيئة الترفيه قبل عامين عن عزمها إنشاء ديوانية تُعنى بالأدب والمبدعين لم أتحمس للخبر المعلن كغيري من المتابعين للحركة الثقافية، وذلك ليس تقليلا من جهود الهيئة، حيث إن قفزاتها المذهلة في مختلف الميادين وأرقام نجاحاتها غير المسبوقة تثبت أحقيتها وقدرتها على ذلك، وإنما التجاهل كان لجراءة الخطوة واستحالة تنفيذ الفكرة وصعوبة استمرار التفوق في هذا المعترك المتشعب الأبعاد والآراء.
حيث إن وصمة الفشل قد صاحبت مجمل البرامج السابقة التي طرقت هذا الباب، وتعثُر تجارب الآخرين وإخفاق مشاريعهم النخبوية خير دليل يستشهد به، فالحماس لوحده لا يكفي لصنع المعجزات، وفي أحسن الأحوال تخفت الأضواء عنها وعن مسيريها، ويقع التنافر والتصادم بين مشرعيها ومنظريها ويصيب الجمود مناهجها ويُحبِط منسوبيها بعد مرور العام الأول على الأكثر من انطلاق مشاريعها الرائدة.
أما الآن فقد زال اللبس عني وبَطُلَ العجب لمّا علمت بأن معالي المستشار الأستاذ تركي آل الشيخ يقف بنفسه على شؤون ديوانية القلم الذهبي رغم مشاغله المتعددة، وإن جل اهتمامه منصب لتيسير سير عملها التقدمي النير من أجل تحقيق تطلعات القيادة وتحقيق الهدف الذي أنشئت من أجله، بأن تكون جامعة للفكر والثقافة ولتبادل الخبرات والمعارف بين مرتاديها طوال العام.
وكذلك لتثري الساحة السعودية بإنتاجاتها المتميزة الهادفة، وأن تحتضن مختلف شرائح المجتمع بمختلف الأعمار والتخصصات والهوايات، وأن تغدو وجهة لأبناء العاصمة وأيضا للقادمين إليها من مناطق المملكة، وأن يبقى بابها مفتوحا مشرعا للجميع، وأن يصبح مقرها جاذبا ومكتبتها عامرة بالقراء ومرجعا للباحثين، وأن تكون معتزلاتها مهيأة على الدوام للكتاب المحترفين وللمواهب المبتدئين حتى تُنمى مهاراتهم وتُصقل.
ومع قدومي للرياض الشهر الفائت وزيارتي لمقر ديوانية القلم الذهبي تلبية لدعوة كريمة من مديرها المسرحي الأستاذ ياسر مدخلي وجدت كل اهتمام وترحاب من المنظمين، وسعدت باكتمال التجهيزات وتعدد الأنشطة وتنوع الفعاليات، وشعرت بالأريحية والألفة والتفاعل المثري بين جميع المشاركين في ذلك اللقاء الأسبوعي المعتاد المعنون – الدولة السعودية الأولى تأملات في التأسيس – وأحببت الآن في هذا المقال الموجز أن أسرد بعض تخيلاتي السابقة وأن أدون بكل موضوعية تجربتي الأولى مع ديوانية القلم الذهبي.
** **
- فهد النامي