يشترك كثير من الناس عالميًّا في خصلة سيئة فيما يرتبط بعلاقتهم بالكتب؛ وهي التأخر في قراءة كتب اشتروها عن قناعة وحب لموضوعها ثم وضعوها على رف المكتبة بانتظار قراءتها.
وتكمن مشكلة التأخير في أن بعض تلك الكتب قد يكون في قمة الروعة حين يكتشفها مقتنوها، لكن في وقت متأخر جدًّا؛ ربما سنوات، وربما بعدما يكون قد فات أوان الاستفادة منها.
وقد يكون الدافع الأول لاقتناء بعض الكتب الفضول الذي يثيره موضوعها، أو لجمال أغلفتها أو عنوانها، أو لسماع انطباع جيد عنها من صديق أو على وسائل التواصل الاجتماعي، أو لكونها من الكتب الأكثر مبيعًا. والمشكلة أن حماس اقتناء كتاب ما قد يكون في أَوْجِه قبل شرائه، لكن ما إن نقتنيه حتى يخف الحماس.
ويعود ذلك إلى عدة أسباب؛ ربما يكون منها أن مجرد امتلاكه قد يشبع رغبة التملك لدينا، وقد يمنح البعض شعورًا زائفًا بالثقافة عند امتلاكه. وهناك متلازمة تسمى متلازمة التملك(Acquisition Syndrome) تجعل المصاب بها يشعر بالإشباع من مجرد الحصول على شيء ما أو امتلاكه، حتى لو لم يستخدمه أو يستفد منه. ولا فرق هنا بين أن يكون هذا الشيء جمادًا أو إنسانًا أو حتى حبيبًا، تمامًا كما يحصل حينما نشتري بعض أجهزة وأدوات الرياضة (كجهاز المشي مثلًا) ثم لا نستخدمها، لأننا قد نشعر حينها أننا أصبحنا رياضيين أو في الطريق لأن نكون كذلك، فقد اشترينا الأجهزة ولم يتبق إلا استخدامها!
أما التفسير العلمي لهذه الحالة فهو أنه عند شراء كتاب يحصل لدينا شعور بأننا حققنا ما نصبو إليه، وأننا على الطريق الصحيح للقراءة، وهو ما قد يخفف من الاندفاعة نحو قراءته، التي كانت في أَوْجِها قبل شرائه. كما يقوم الدماغ حينها بإفراز هرمون الدوبامين كنوع من المكافأة على تحقيق إنجاز، وهي من وظائف هذا الهرمون، وهو ما يقلل عند البعض من السعي لقراءته.
أما معالجة المشكلة فهو سؤال المليون الذي نحاول الوصول إليه باستمرار، خاصة أن القراءة غدت اليوم سلعة قليلة التداول؛ لكونها بحاجة إلى التركيز، الذي يعد بدوره سلعة نادرة التداول.
وأبسط إجابة عن السؤال هي المبادرة إلى قراءة أي كتاب نشتريه دون تأخير، حتى لو كان التركيز فيه ليس مكتملًا، وحتى إن لم نستطع استيعاب كل ما فيه من القراءة الأولى، وحتى إن لم نحتمل إكماله حتى النهاية. وأن نحاول تقسيم الكتاب إلى أجزاء قصيرة من عدة صفحات كل يوم، مع الالتزام بذلك قدر الإمكان، محاولين أن يكون ذلك ضمن برنامجنا اليومي الاعتيادي.
كما ينبغي أن نكون هنا أكثر واقعية؛ فلا نجلد ذواتنا حين لا نستطيع إكمال كتاب اشتريناه، لأنه قد يكون عكس توقعاتنا، أو أنه لا يتناسب مع توجهاتنا أو قد يصطدم بها، أو أنه ببساطة كتاب لا يستحق القراءة، حينها لا تجب علينا قراءته. وحتى إهمال قراءة أي كتاب ينبغي ألا يتحول معنا إلى عقدة ذنب، بل يجب أن نحول ذلك إلى دافع قوي للشروع في قراءته، وأن نستمتع به حتى نخرج بأفضل فائدة منه؛ فالكتاب صديق صبور لا يَمَلُّك ولا ينفر منك مهما أهملته أو نسيته.
** **
- يوسف أحمد الحسن
منصة إكس: @yousefalhasan