يُعد علي السعلي قامة باسقة في فضاء الأدب، يمتد باع تجربته الكتابية الطويلة بين ثنايا الأديب المرهف، والناقد البصير، والكاتب الصحفي المقتدر، ومع أن رواية «حكاية كيد» تُمثّل باكورة أعماله الروائية، فقد جاءت عملاً ناضجًا محكمًا؛ ذلك لأنه صقل ملكته السردية عبر تمرّسهِ الطويل في فنون القصة القصيرة، والمسرح.
تدور أحداث رواية «حكاية كيد» في قريةٍ متجذرةٍ في عاداتها وتقاليدها، حيث تنسج خيوط حياة أهلها من خلال التركيز على أسرة بطل الرواية «هوس»، يمثل «هوس» نموذجًا للمثقف النسبي الذي نهل من معين الشعر، فقرأ شيئًا من أشعار العرب وتأمل في قصص الحب والحياة، مما جعله غزير الأسئلة رغم قوة شخصية جده «مقباس» ووالده «عيدان»، تتميز الرواية بعمق الحوارات بين الشخصيات الذي يغلب عليه شيء من الضبابية -أحيانًا- بدأ بذلك الحوار بين «هوس» ووالده، وفي تناقض مع محاولات الوالدين التهرب من الإجابة عن استفسار ابنهم الملح حول مفهوم «كيد النساء» وتجلياته.
تزخر الرواية بشخصيات نسائية محورية وقوية، تبرز منهن «الكيادة مستورة» و»شريفة البدوية»، اللتان يتجسد فيهما فن الحيلة والكيد ببراعة، حيث يمكن التعمق في علاقة «هوس» ببقية الشخصيات، وكيف أن تأثير أسرته الأول قد شكل شخصيته بطريقة غير مباشرة وبلور تفكيره التساؤلي، كما يمكن تقديم أمثلة ملموسة من نسيج الرواية تُظهر بوضوح كيف تجلى «كيد النساء» في تصرفات الشخصيات النسائية البارزة داخل الرواية، ومع ذلك أتاحت الرواية فرصة لوصف الحياة اليومية في القرية بجميع تفاصيلها، وإبراز العادات والتقاليد الإيجابية الراسخة، كذلك السلبية التي تسوّسها، وكيف تفاعل السكان مع مجريات الأحداث وتطوراتها، هذا الوصف يعطي ثراءً للقصة داخل الرواية، لتتسع الرواية في تفصيل التطورات الدرامية، حيث يمكن تفحّص الأحداث الرئيسة والصراعات التي واجهتها الشخصيات، وكيف تشابكت الخيوط وتطورت الحبكة على مدار القصة لترسم صورة متكاملة لحياة القرية وأسرارها.
تُقدم رواية «حكاية كيد» قراءة نقدية عميقة لعلاقة المرأة بالرجل في المجتمع التقليدي، حيث تبرز الرواية تعقيدات هذه العلاقة وتناقضاتها، وتطرح تساؤلات مهمة حول الأدوار الجندرية، وقوة المرأة في مواجهة السلطة الذكورية، وهي الرسالة العامة التي أراد إيصالها الروائي.
تتميز الرواية بأسلوبها السردي الجذاب الذي يجمع بين الواقعية والرمزية، مع توظيف اللغة الشعبية؛ سواء الأمثال، الحكم، العبارات الشهيرة، وحتى الأبيات الشعرية... مع إبراز بعض العادات والتقاليد الشعبية المندثرة، أو التي ماتزال قائمة مما جعلها قادرة على جذب القارئ وإثارة تفكيره، وزاد من قيمة الرواية الفنية على المستوى الثقافي.
وتُبرز في الرواية نماذج مختلفة للعلاقات بين الجنسين، من أهمها: سيطرة الرجل على المرأة في المجتمع التقليدي، يتجلى ذلك في سلطة الأب والزوج والأخ، وفي تحديد الأدوار الاجتماعية للمرأة، التي غالبًا ما تقتصر على المنزل وتربية الأبناء، كذلك يبرز موضوع «كيد النساء» بشكل لافت في الرواية، حيث تستخدم بعض الشخصيات النسائية داخل الرواية الحيلة والذكاء لتحقيق أهدافها في مواجهة السلطة الذكورية، ويمكن اعتبار ذلك نوعًا من المقاومة الصامتة من قبل المرأة في مجتمع يحد من حريتها، وعلى الرغم من القيود الاجتماعية تظهر في الرواية نماذج لعلاقات حب وعاطفة بين الرجل والمرأة، التي غالبًا ما تكون محفوفة بالتحديات والصعوبات، وقد تخضع في النهاية للتقاليد والأعراف الاجتماعية، ويظهر كذلك في الرواية تفاوت واضح في مستوى التعليم والثقافة بين الرجل والمرأة، فغالبًا ما يكون الرجل أكثر تعليمًا وانفتاحًا على العالم الخارجي، بينما تقتصر معرفة المرأة على محيطها الضيق، هذا التفاوت يؤثر بشكل كبير على طبيعة العلاقة بينهما.
أخيرًا تُعد رواية «حكاية كيد» لعلي السعلي إضافة قيّمة لمكتبة الرواية السعودية، حيث عملت بجد على مكاشفة الموروثات الشعبية، فأسهمت بصورة مباشرة في إثراء النقاش حول قضايا المرأة والرجل، والمرأة والمجتمع.
** **
- د. سلطان العيسي