تعد التوراة من مصادر التاريخ المبكرة التي تحدثت عن أخبار نوح-عليه السلام، ومسميات ولده «حام، وسام، و»يافث» وأنسابهم، وتنقلاتهم بين الأقطار في الشرق الأدنى القديم، وسوف نستعرض «الرحلة الإبراهيمية» من أرض «سومر»، إلى «حاران» ثم أرض «كنعان». من خلال رؤية توراتية بحتة، مع تعريف بعض المواضع الواردة في السياق -حسب الإمكان- وتحديد البلدة التي نشأ بها، وشجرة نسبه، وتنقلاته بين البلدان مع أسرته المكونة من والده (تارح)، وزوجه «سارة»، وابن أخيه «لوط» بن هاران بن تارح، ثم زواجه لاحقا من «هاجر المصرية»، وقطورة، واستقراره في أرض كنعان إلى وفاته.
نسبه ونشأته:
جاء نسب إبراهيم -عليه السـلام- إلى سام بن نوح في عدة مواضع من أسفار العهد القديم، ومن ذلك نص «سفر التكوين» الذي أشار لنسبه كالتالي: (إبرام بن تارح بن ناحور بن سروج بن رعو بن فالج بن عابر بن شالح بن أرفكاشد بن سام بن نوح). تكوين :10، 11.
نشأ إبراهيم في أسرة صغيرة في «بلدة «أوركلدان» مع أخويه (هاران، وناحور) وأولادهم، في كنف والدهم «تارح» كما ورد أن: (تارح ولد إبرام، وناحور، وهاران. وهاران ولد لوطا. ومات هاران قبل أبيه تارح في مسقط رأسه أور الكلدانيين).. تكوين :28، 11.
وتم الكشف عن هذه البلدة سنة (1855م) من قبل عالم الآشوريات المستشرق الإنجليزي هنري رونليسون (ت:1895م)، الذي حدد موضعها في جنوب العراق، بالقرب من مدينة الناصرية، في موضع يسمى حاليا «تل المقير» في محافظة ذي قار. كما هو واضح في (خريطة رقم (1). وما زال هذا الرأي موضع جدال لم يحسم بين الباحثين.
ونقلت إلينا التوراة بعض أسماء الزوجات بشكل مقتضب؛ فأشارت لـ(ملكة بنت هاران بن تارح) زوجة «ناحور بن تارح»، أنجبت له ثمانية أولاد، ولناحور زوجة أخرى اسمها (رؤومة) ولدت له (جاحم، وطابح). كما ورد ذكر «سارة» زوجة إبراهيم دون تحديد لاسم والدها؛ على أن شراح التوراة يعدونها من نسل هاران.
أولاد إبراهيم عليه السلام وزوجاته:
تذكر النصوص التوراتية ثلاث زوجات لإبراهيم، وثمانية أولاد، فزوجته الأولى «سارة» انتظرت عشر سنين في أرض كنعان لم تحمل، فأهدت جاريتها هاجر المصرية لإبراهيم، قالت سارة: (قد حبسني الرب عن الولادة، فادخل على خادمتي، لعل بيتي يبنى منها). وفي سفر التكوين: (في أرض كنعان، أخذت ساراي امرأته هاجر المصرية خادمتها فأعطتها لإبرام زوجها لتكون له زوجة). تكوين: 3:16.
وتحدد النصوص عمر إبراهيم عندما ولد بكره إسماعيل: (وكان إبرام ابن ست وثمانين سنة حين ولدت هاجر إسماعيل لإبرام). تكوين:16، 16
ولما بلغ إبراهيم تسعا وتسعين سنة من عمره أنجبت له «سارة «إسحاق» وذلك بعد مضي ثلاثة عشر عاما من ولادة «إسماعيل».
أما زوجته الثالثة فتسميها التوراة «قطور» دون ذكر لنسبها، وأنجب منها ستة أولاد: (فأخذ زوجة اسمها قطورة. فولدت له زمران، ويقشان، ومدان، ومدين، ويشباق وشوحا). تكوين: 1،25 ولكل واحد من هؤلاء البنين ذرية.
الانتقال إلى حاران:
بدأت رحلته الأولى مع والده «تارح» من «أوركلدان» إلى مدينة «حارن» أقصى الشمال السوري، دون توضيح لأسباب الرحلة، وكان برفقته «سارة»، و»لوط بن هاران بن تارح، فجاء في سفر التكوين:31:11 (وأخذ تارح إبرام ابنه، ولوط بن هاران ابن ابنه، وساراي كنته، امرأة إبرام ابنه، فخرج بهم من أور الكلدانيين، ليذهبوا إلى أرض كنعان. فجاءوا إلى حاران وأقاموا هناك). وحاران تنطق أيضا «حران» تعرف حاليا بـ»أورفا» جنوب تركيا بالقرب من الحدود السورية. خريطة (1)
استقر تارح في مدينة «حاران» مع أسرته فترة زمنية ثم توفي، وفقا للنص التوراتي الذي يخبر بعمره ووفاته وقبل ذلك سكنه في حاران: (جاءوا إلى حاران، وأقاموا هناك، وكان عمر تارح مئتي سنة وخمس سنين. ومات تارح بحاران). تكوين 27:11
الانتقال إلى أرض كنعان:
بعد بعد وفاة «تارح» انتقل إبراهيم بزوجته «سارة» وابن أخيه لوط إلى أرض كنعان، ونزلوا في موضع يسمى «شكيم» وهو مسمى قديم لبلدة كنعانية من أرض فلسطين بالقرب من مدينة نابلس الحالية. (انطلق إبرام كما قال له الرب، ومضى معه لوط. وكان إبرام ابن خمس وسبعين سنة، حين خرج من حاران. فأخذ إبرام ساراي امرأته ولوطا ابن أخيه وجميع أموالهما التي اقتنياها والنفوس التي امتلكاها في حاران، وخرجوا ليمضوا إلى أرض كنعان، وأتوا أرض كنعان. فاجتاز إبرام في الأرض إلى موضع شكيم، إلى بلوطة مورة، والكنعانيون حينئذ في الأرض). تكوين 4، 5، 6:12
من شكيم تحول إلى موضع في جبل بالقرب من «بيت إيل» ونصب خيمته فيه، ثم حدثت مجاعة في أرض كنعان تسببت في رحيل إبراهيم و»سارة» لمصر، ومن ثم لقاء فرعون مصر، ثم عاد لأرض كنعان حيث خيمته في «بيت إيل». ومكث بها وبحبرون إلى أن توفي، (فدفنه إسحق وإسماعيل في مغارة المكفيلة في حقل عفرون بن صوحر الحثي) تكوين :9:25. ينظر خريطة رقم (2).
هكذا وصفت نصوص العهد القديم، طريق رحلة إبراهيم من موطنه في بلاد الرافدين بأور كلدان، ثم انتقاله إلى حاران، ثم رحيله في آخر المطاف إلى أرض كنعان واستقراره بها حتى وفاته، ولم تشر لهجرته -عليه السلام-، إلى مكة المكرمة، حيث أسكن هاجر وولده إسماعيل فيها، ولم تذكر هجرته الثانية لبناء الكعبة المشرفة، قال ابن جرير الطبري: «لا خلاف بين جميع أهل العلم أن هجرة إبراهيم من العراق كانت إلى الشام، وبها كان مقامه أيام حياته، وإنه قدم مكة، وبنى بها البيت، وأسكنها إسماعيل ابنه مع أمه هاجر».
**¬__**¬__**¬__**¬__**¬__**
مراجع:
1- التوراة – سفر التكوين. النسخة العربية.
2- المرشد الجغرافي التاريخي للعهد القديم، القس مكسيموس وصفي، ط1- 1994م
3- الموسوعة البريطانية الإلكترونية بريتانيكيا.
4- أطلس الكتاب المقدس وتاريخ المسيحية، تيم دوالي، يوسف توما النسخة العربية
5- تفسير ابن جرير الطبري، دار هجر للطباعة، ط1- 2001م
6- The Old Testament in the Light of the Historical Records- by Theophilus Goldridge Pinches-1903- p:193
الموسوعة اليهودية-:
7-https://www.jewishencyclopedia.com/
** **
- د.فيصل سعيد الجربوعي