«الثقافية» - أحمد الجروان - كمال الداية:
أغلق معرض الرياض الدولي للكتاب 2025م، أبوابه يوم السبت الماضي بعد أيام ثقافية شارك فيها أكثر من ألفي دار نشر من مختلف دول العالم، وندوات وأمسيات تنوّعت بين الأدب والفكر والفلسفة والفنون والعلوم.
وهكذا، اختتم المعرض نسخته لهذا العام بتأكيدٍ جديد على أن القراءة ليست فعلًا ثقافيًا فحسب، بل نمط حياةٍ يتجدد في قلب الرياض كل عام حيث تكتب العاصمة، عبر كتابها وقرائها، فصولًا متجددة من الوعي الثقافي.
(الجزيرة الثقافية) في هذا الاستطلاع وقفت على آراء شريحة من المثقفين والأدباء الذين تباينت آراؤهم حيال مستوى تنظيم المعرض، وتنوع برنامجه الثقافي، لتقدم لكم خلاصة مهمة يمكن للجهات المعنية الاستفادة منها مستقبلاً في معرض الرياض للعام القادم.
ملاحظات عاشقة للوطن والكتاب
الروائية المعروفة أميمة بنت عبدالله الخميس قدّمت قراءة ميدانية ناقدة لما رصدته من زحام المعرض وتنظيمه، داعيةً إلى تطوير الجوانب اللوجستية دون المساس بروح المعرض الثقافية.
وقالت الخميس في حديثها: «ليت ضباطنا خبراء إدارة الحشود الذين أداروا موسم الحج الماضي (بكل مهنية واقتدار) عينًا لترى ما يحدث أمام بوابات الدخول والخروج في معرض الكتاب».
وأوضحت أن الزحام الشديد ونقص الحافلات الترددية وتكدّس المواقف كلها تحتاج إلى معالجة تنظيمية، مضيفةً: «حجب الفترة الصباحية زاد الضغط، فما ذنب أصحاب الصبح إذا تنفس مثلنا؟»
وقدّمت مجموعة اقتراحات محبة للكتب، منها إبعاد الصيغة الترفيهية عن المعرض، واقتصار الفعاليات الترفيهية على الساحات الخارجية، مع التركيز داخل القاعات على الثقافة والكتب فقط، مؤكدة أن جماهيرية المعرض لا تحتاج استقطابًا قسريًا.
واختتمت الخميس حديثها بتأكيدها أن المعرض «محجّة ثقافية» يقصدها جمهور من مختلف أنحاء العالم العربي، مطالبةً بتخصيص بوابات للنساء والأطفال وتدريب الفرق التنظيمية على حسن التعامل مع الحشود.
مكاسب القراءة ولقاء الأصدقاء
أما الناقد والأكاديمي الدكتور: عبدالله الحيدري، أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقًا، فقد عبّر لـ«الجزيرة الثقافية» عن سعادته بالمشاركة في المعرض وحرصه الدائم على ارتياده كل عام، قائلاً: «منذ سنوات وأنا أحرص على حضور معرض الرياض الدولي للكتاب. وقد زرت المعرض هذا العام ثلاث مرات في أوقات مختلفة، وشاركت ببعض كتبي الجديدة، مثل (شخصيات وذكريات) في دار الثلوثية، و(حضور الجزائر في الأدب السعودي) في جناح المجلة العربية، و(وجع الكتابة) في دار المحدث.
وأضاف الحيدري أنه حرص على اقتناء العديد من الإصدارات الجديدة التي وصفها بـ»المتميزة»، منها «نسج الريح» للدكتور: عبدالعزيز السبيل، و»نظارة الغريب» للدكتور حسن السلمي، و»بوح الذات» و»العمر الثاني» للشيخ محمد بن سعود الحمد، و»أيامي» لأحمد الربيعان، و»في كتّاب القرية» لمحمد عبدالجواد.
وأشار إلى أن من أهم مكاسب ارتياد المعرض هو تجديد الصلة بالكتاب واللقاء بالزملاء والأصدقاء، مقدمًا شكره لهيئة الأدب والنشر والترجمة على جهودها في التنظيم وتنوع الفعاليات المصاحبة.
لا إحصاءات واضحة ولا شفافية في المبيعات
تناولت الكاتبة والأكاديمية الدكتورة: زينب الخضيري، الأستاذة بجامعة الملك سعود، جانبًا نقديًا مهمًا يتعلق بصناعة النشر والكتاب، قائلة: «مع معرض الرياض الدولي يتجدد السؤال القديم: من يربح من الكتاب؟ الكاتب أم الناشر؟»
وترى الخضيري أن بين أجنحة المعرض تختبئ فوضى صناعة ما زالت تفتقر إلى العدالة والشفافية، حيث يكتب المؤلف بروحه وعقله، ثم يسلّم جهده لمن يملك المطبعة لا الفكرة، ليصبح الحلقة الأضعف في سلسلة الربح.
وأضافت بأسى: «لا إحصاءات واضحة ولا شفافية في المبيعات ولا تقدير لقيمة العقل كمورد نادر».
ومع ذلك، فإنها ترى في المعرض مساحةً لتلاقح الأفكار والتقاء الكاتب بالناشر والقارئ، مؤكدة أن الوقت قد حان لصناعة كتابةٍ جديدةٍ تُنصف صاحب الكلمة قبل ناشرها.
الثقافة في المملكة ليست هامشاً ترفيهياً!
من جانبه، عبّر الدكتور يوسف حسن العارف، أستاذ الأدب والنقد بجامعة أم القرى لـ»الجزيرة الثقافية» عن تفاؤله الكبير بمستقبل القراءة لدى الجيل الجديد، قائلاً:
«قضيت ثلاثة أيامٍ بين أروقة المعرض بسعادة لا توصف، فالجيل القادم جيل الرؤية قارئ ومتفرد في اختياراته، يعي معنى الثقافة، ويتعامل مع الكتاب بشغفٍ ومسؤولية.»
وأوضح العارف أنه حاور عددًا من الشباب والشابات فوجد لديهم وعيًا معرفيًا متجددًا، وحرصًا على الاطلاع والاقتناء، مشيرًا إلى أن المناشط والفعاليات الثقافية كانت جيدة المحتوى ومناسبة لتطلعات الشباب.
لكنه في الوقت نفسه أشار إلى بعض السلبيات، منها ضعف التنظيم في المواقف وبعد المسافات وقلة الحافلات، مؤكدًا أهمية استماع الجهات المنظمة لآراء الناشرين وتحسين تجربة الزوار.
واختتم العارف حديثه قائلاً: «وفقت هيئة الأدب والنشر والترجمة في اختيار المكان، فجامعة الأميرة نورة رحبة وكبيرة، لكن المتابعة الدقيقة للتنفيذ ضرورية لضمان استمرار هذا النجاح.»
خاتمة: الرياض تكتب... والعالم يقرأ
لقد أثبت معرض الرياض الدولي للكتاب 2025م أن الثقافة في المملكة ليست هامشًا ترفيهيًا، بل ركيزة من ركائز التحول الوطني.
فيه التقت الأجيال، وتجاورت اللغات، وتصافحت الحضارات على أرضٍ واحدة تنبض بالحياة.
وفيه أيضًا تماهت الكلمات مع ملامح الوجوه، وصار الكتاب جواز مرورٍ بين العقول والقلوب.
إن ما حدث في الرياض لم يكن مجرّد موسمٍ للكتب، بل بيان ثقافي جديد تقول فيه المملكة للعالم:
إنها لا تكتفي بالنهضة العمرانية والاقتصادية، بل تُشيّد نهضتها الكبرى على الإنسان القارئ والمثقف والمبدع.
وهكذا، يرحل المعرض هذا العام تاركًا في الذاكرة مشهدًا خالدًا:
الرياض تقرأ، والكتاب يحتفل بالحياة.
هذا الموسم تميز بروحه الثقافية والإنسانية
ويرى الروائي: أحمد السماري في كلمته لـ»الجزيرة الثقافية» أن هذه النسخة من المعرض كانت أكثر اتساعًا وبهاءً من سابقاتها، مشيرًا إلى أن التنوّع الثقافي الذي شهده المعرض جعلاه أشبه بمهرجانٍ عالمي للكتاب.
ويقول السماري: «منذ لحظة الافتتاح بدا واضحًا أن هذا الحدث تجاوز التوقعات تنظيمًا ومحتوىً وجمهورًا. آلاف الزوار تدفقوا على القاعات الواسعة التي احتضنت أكثر من ألفي دار نشر من مختلف دول العالم، في مشهدٍ يجسد التحول الثقافي العميق الذي تعيشه السعودية اليوم».
وأضاف أن ما يميّز هذا الموسم هو روحه الإنسانية والثقافية التي جمعت بين الفكر والأدب والفن والتاريخ والعلوم، موضحًا أن الندوات والأمسيات الفكرية كانت تزدان بالحضور والتفاعل، في حين امتلأت الممرات بالضحكات، وامتدت صفوف التواقيع لتروي حكاية العلاقة الأبدية بين الكاتب وقارئه.
ويختم السماري حديثه قائلاً: «لقد تجاوز معرض الرياض حدود المكان، وتحول إلى رمزٍ للنهضة الثقافية السعودية الجديدة، وإلى جسرٍ حيّ يربط المملكة بالعالم من خلال الكلمة والمعرفة.»
المعرض ليس مجرد مناسبة ثقافية بل تظاهرة حضارية
كما أكد الكاتب راشد الشعلان من خلال مداخلته لـ»الجزيرة الثقافية» أن معرض الرياض الدولي للكتاب ليس مجرد مناسبة ثقافية، بل هو تظاهرة حضارية تُشع نورًا ومعرفةً، وتكشف عن شغف المجتمع السعودي بالكتاب رغم زحمة التقنية والمنصات الرقمية.
وقال الشعلان: «المعرض اليوم يؤكد أن الرياض، بل وكل مدن المملكة، شغوفة بالقراءة والكتاب، فقد تحوّلت إلى سوقٍ عالميٍّ للمعرفة يهرول إليه الجميع».
وأضاف: «مع كل وسائل التقنية الحديثة، تبقى معارض الكتب تتفوّق في جذب القارئ وتسويق الكتاب. هي أشبه بسوق عكاظ حديث، يلتقي فيه الأدباء والشعراء والمفكرون، وتتلاقح فيه الأفكار، ويتبادل الجمهور الحوارات مع مؤلفيهم الذين طالما أحبوهم من خلال الصفحات».
ويرى الشعلان أن المعرض أعاد للقراءة بريقها، وأسهم في غرس حب الكتاب في نفوس الصغار والكبار، مؤكدًا أن ما أضفاه من جمال على الرياض لا يُقدّر بثمن.
«الرياض تقرأ»
فيما نوه نايف الفيصل، رئيس العلاقات العامة والتواصل في جمعية الفلسفة السعودية، بالمشهد الثقافي للمعرض بلغةٍ شاعرية قائلاً: «في كل عام يزداد يقيني أن «الرياض تقرأ» ليست شعارًا لحدثٍ ثقافي فقط، إنها حالة وعيٍ ومعنى. عندما أتأمل حركة بيع الكتب وحركة الناس بين أروقة المعرض، تتجلى الرياض قارئةً وناطقةً بالأدب والفكر، مدينةً تنصت للحرف وتمنحه الحياة».
وأشار الفيصل إلى أن الحضور الهائل من القرّاء والمثقفين والناشرين يعكس تحوّلًا عميقًا في الوعي الجمعي نحو المعرفة والجمال، موضحًا أن الرياض اليوم لا تقرأ وحدها، بل تجعل العالم يقرأ إنتاجها ويصغي لصوتها الثقافي المتجدد.
وختم بقوله: «كأن الرياض حين تقرأ.. تكتب تعريفًا جديدًا للقراءة».