«اللغة أقدم تجليات الهوية، أو هي التي صاغت أول هوية لجماعة في تاريخ الإنسان، إن اللسان الواحد هو الذي جعل من كل فئة من الناس جماعة واحدة، ذات هوية مستقلة».
عند حديثنا بلغةٍ ما، وعند نطقنا بكلماتها، فإننا لا نستحضر ألفاظًا فحسب، بل نستدعي تاريخًا طويلًا وإرثًا حضاريًا متجذّرًا في الذاكرة، ونوقظ ثقافةً كاملة في وعينا، فكل لغة تحمل وراء مفرداتها نظرةً للعالم، وموقفًا من الحياة، وصوتًا للإنسان الذي ينتمي إليها.
ولذلك كان أول ما يسعى إليه المستعمِر في أي أرضٍ هو فرض لغته، لأنه يدرك أن السيطرة على اللسان هي الطريق الأقصر للسيطرة على الوجدان، فاللغة ليست وسيلة تواصل فحسب، بل هي روح الأرض، وسلاح الذاكرة، والمحرّك الأول للقيمة الأسمى: الإنسان.
إن من يُحرَم من لغته يُحرَم من ذاته، فالهزيمة اللغوية أخطر من أي هزيمة عسكرية؛ لأنها تُفقد الشعوب بوصلتها الداخلية، وتتركها تائهة تبحث عن ملامحها في مرايا الآخرين، واللغة إذا تراجعت، تراجعت معها القيم والتصورات التي تحملها، وضعف الانتماء الذي يجمع أبناء الوطن الواحد.
ولغتنا العربية هي ركيزة هويتنا الوطنية والثقافية، فهي تحافظ على تاريخنا وتراثنا، وتربط الفرد بمجتمعه ووطنه، وتكوّن وعيه الثقافي والاجتماعي، ومن خلالها يعبر الإنسان عن قيمه ومعتقداته، ويشعر بالانتماء إلى أمته وثقافته العريقة.
وكما قال سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -أيده الله-:
“إنَّ لغتنا العربية لغة حضارة وثقافة، وقبل ذلك لغة الدين القويم، ومن هنا فإنها لغة عالمية كبرى شملت المعتقدات والثقافات والحضارات، ودخلت في مختلف المجتمعات العالمية، وهي مثال اللغة الحية التي تؤثر وتتأثر بغيرها من اللغات».
** **
- لينة بنت عبدالعزيز الجبالي