في الخامس والتسعين من عمر المملكة العربية السعودية، يطلّ علينا اليوم الوطني كحكاية وطن تُروى بفخر، تتداخل فيها ملامح الماضي مع وهج الحاضر وطموحات المستقبل. إنه ليس مجرد ذكرى توحيدٍ رسمها الملك المؤسس عبدالعزيز - طيب الله ثراه -، بل هو مناسبة تتجدد فيها معاني الولاء والانتماء، وفرصة لتأمل التحولات الكبرى التي شهدتها المملكة في مجالات التعليم، والتنمية الإنسانية، وتمكين المرأة.
منذ إطلاق رؤية 2030، أصبح التعليم حجر الزاوية في بناء المستقبل. لم يعد مجرد تلقينٍ للمعارف، بل تحوّل إلى مشروع استراتيجي لإعداد أجيال قادرة على الإبداع والمنافسة عالمياً. فنرى المناهج تُعاد صياغتها لتغرس قيم الابتكار، وأُقرت برامج الذكاء الاصطناعي في قاعات الدراسة لتؤهل أكثر من ستة ملايين طالب لمستقبل تقني متسارع. حتى القرى النائية لم تُستثنَ من هذه النهضة، إذ تشهد حملات محو الأمية مشاركة واسعة، لتعلن أن السعودية ماضية نحو مجتمع متعلم بأكمله.
لكن التعليم وحده لا يكفي ما لم يكن الإنسان في قلب التنمية. لذلك وضعت الدولة استراتيجيات طموحة لتطوير رأس المال البشري، من برامج الابتعاث الخارجي، إلى التدريب المهني والتقني، وصولاً إلى مبادرات تحسين جودة الحياة في المدن وأنسنتها. فلم يعد المواطن مجرد متلقٍ للخدمات، بل أصبح شريكاً فاعلاً في صناعة التغيير، مدعوماً بفرص العمل، والرعاية الصحية المتقدمة، وبرامج الرفاه الاجتماعي. إنها نهضة تضع الإنسان أولاً، وتُكرّس القناعة بأن رفعة الوطن لا تتحقق إلا برفعة أبنائه.
وفي قلب هذه التحولات، برز ملف تمكين المرأة كأحد أعمدة النهضة الحديثة. وكوني إحدى النساء الممكنات في هذا الوطن ولله الحمد والتي حظيت برعاية حكومتي الكريمة طوال فترة تعليمي فأجزم أن المرأة السعودية اليوم لم تعد على هامش المشهد، بل أصبحت في صلبه؛ وزيرة، وسيدة أعمال، ومهندسة، وطيّارة، ومشاركة في قطاعات كانت حكراً على الرجال لعقود طويلة وفي محافل دولية عدة. فتجاوزت نسبة مشاركتها في سوق العمل التوقعات التي وضعتها رؤية 2030، وأصبحت نموذجاً ملهمًا للقدرة على الموازنة بين الأصالة والتحديث. الإصلاحات القانونية منحتها حرية أكبر، والفرص التعليمية والمهنية فتحت أمامها آفاقاً بلا حدود، لتصبح بحق شريكاً رئيسياً في صناعة مستقبل المملكة.
اليوم، ونحن نحتفل باليوم الوطني الخامس والتسعين، ندرك أن الإنجازات التي تحققت ليست سوى بداية لمسيرة أطول. فالتعليم يواصل رحلته نحو الجودة العالمية، والتنمية الإنسانية تزداد شمولاً وعدلاً، ويترسّخ تمكين المرأة بوصفه ركيزة أساسية في بناء الوطن. إنها رحلة وطن يتجدد، يضع نصب عينيه أن المستقبل لا يُنتظر، بل يُصنع بالإرادة والطموح والعمل الدؤوب.
إنها السعودية في عيدها الخامس والتسعين وطنٌ يستمد من جذوره قوة، ومن إنسانه إبداعاً، ومن نسائه طموحاً، ومن شبابه أملاً... وطنٌ يقف بثقة على أعتاب المستقبل.
** **
د. عبير بنت محمد القحطاني - أكاديمية وباحثة في دراسات الترجمة ومترجمة لليونيسكو في قضايا البيئة والاستدامة