في الخامس والتسعين من عمر هذا الوطن الشامخ، يعود اليوم الوطني ليذكّرنا أن مسيرة المملكة العربية السعودية لم تكن مجرد تراكم أحداث، بل كانت ولا تزال قصة ملهمة تُروى للأجيال. إنها قصة بناء الإنسان قبل بناء المكان، وتشييد العقول قبل تشييد العمران، وفي قلب هذه القصة يتربع التعليم باعتباره أعظم استثمار وأهم ركيزة لصناعة المستقبل.
منذ أن أطلقت رؤية المملكة 2030 على يد ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، وبإشراف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله-، بات التعليم مشروعًا وطنيًا متكاملًا، لا يقتصر على تطوير المناهج فحسب، بل يشمل بناء منظومة متقدمة تُواكب تطلعات العصر وتؤسس لمستقبل واعد.
لقد أصبح اليوم الوطني مناسبةً نحتفي فيها ليس فقط بماضينا، بل أيضًا بثمار حاضرنا في التعليم، وما يعد به من غدٍ مشرق.
المناهج الدراسية خضعت لتحولات جذرية، حيث أُدرجت علوم الذكاء الاصطناعي، والبرمجة، والتقنيات الحديثة، لضمان إعداد أجيال تتعامل مع المستقبل بوعي وثقة. كما أُعيدت هيكلة المواد لتصبح أكثر تفاعلًا مع متطلبات الواقع، عبر تعزيز التفكير النقدي، والبحث العلمي، ومفاهيم الابتكار وريادة الأعمال. لم يعد الطالب مجرد متلقٍ للمعلومة، بل أصبح شريكًا في بنائها وفهمها، ليخرج متسلحًا بقدرات تنافسية على المستوى العالمي.
وفي هذه المسيرة، نال المعلم النصيب الأوفر من الرعاية، إدراكًا من القيادة أن بناء الأجيال يبدأ من إعداد معلم مؤهل ومبدع؛ لذلك أطلقت وزارة التعليم برامج تدريبية مستمرة تُعزز كفاءته، وتمنحه أدوات عصرية لاستخدام التقنية في الفصول الدراسية، كما استقطبت المملكة خبرات عالمية لتطوير مهارات المعلمين، إلى جانب تحسين أوضاعهم المعيشية عبر أنظمة تحفظ حقوقهم وتُعزز مكانتهم، لتبقى رسالتهم التربوية مصدر إلهام للطلاب.
أما البنية التحتية، فقد شهدت هي الأخرى نقلة نوعية. مدارس حديثة صُممت بمعايير عالمية، مجهزة بمختبرات علمية، قاعات ذكية، ومراكز أبحاث مصغرة، تمنح الطالب بيئة محفزة على البحث والتجريب. ومع التوسع في التعليم الإلكتروني عبر منصة «مدرستي»، أثبتت المملكة قدرتها على ضمان استمرارية التعليم في أصعب الظروف، لتغدو المنصة نموذجًا عالميًا يحتذى به.
لم يكن هذا التحول محصورًا في المدن الكبرى، بل امتد إلى القرى والهجر، حيث أُنشئت مدارس متكاملة توفر للطلاب فرصًا متساوية في التعليم. كما واصلت الدولة برامج الابتعاث الخارجي، فاتحة أمام الشباب أبواب أرقى الجامعات العالمية لنقل المعرفة وتوطين الخبرة، ليعودوا ويساهموا في تنمية وطنهم بعقول مدربة وتجارب رائدة.
الجامعات السعودية بدورها سجلت قفزات نوعية في التصنيفات العالمية، بفضل دعم البحث العلمي والابتكار. خصصت القيادة الرشيدة ميزانيات ضخمة لتشجيع الأبحاث التطبيقية، وتوسيع الشراكات مع الجامعات العالمية، وربط مخرجات التعليم باحتياجات الاقتصاد الوطني. وهكذا، غدا التعليم مساهماً أساسياً في النهضة الاقتصادية، وركيزة لتحويل المملكة إلى مركز عالمي للمعرفة والابتكار.
إن الاحتفال باليوم الوطني 95 ليس مجرد ذكرى عابرة، بل هو استدعاء لكل هذه الإنجازات التي وضعت التعليم في موقع القلب من التنمية. إنه يوم يُجدد فيه السعوديون العهد على أن بناء المستقبل يبدأ من قاعات الدرس، ومن عقول أبنائهم الذين سيحملون الراية في الغد. فالمعلم الذي يزرع القيم والمعرفة، والطالب الذي ينهل من منابع العلم، هما معًا جناحا النهضة التي يقودها الوطن نحو مصاف الدول المتقدمة.
وفي هذه المناسبة الغالية، لا يسعنا إلا أن نرفع أسمى آيات الشكر والعرفان لقيادتنا الحكيمة، سائلين الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، وأن يديم على وطننا الغالي نعمة الأمن والأمان، ويبارك في مسيرة التعليم والعلماء والمعلمين والطلاب، ليبقى الوطن منارةً مضيئة في عالم لا يعترف إلا بالعلم والمعرفة.
** **
- عبدالله بن حمد الدريويش