نتوقف بكل اعتزاز وفخر في تلك الأيام من كل عام لنجدد العهد ونوفي بالوعد لراية التوحيد. فاليوم ونحن نحتفل -ليس فقط بالذكرى الـ95 لوحدتنا الوطنية- بل أيضًا بعصر تحولي أعاد تعريف معنى أن تكون سعوديًا في القرن الحادي والعشرين - يحمل يوم 23 سبتمبر أهمية عميقة، فهو يحيي ذكرى اليوم الذي وحد فيه الملك عبدالعزيز آل سعود في عام 1932 مختلف مناطق شبه الجزيرة العربية تحت راية واحدة، ليؤسس المملكة العربية السعودية. واليوم، ونحن نستذكر هذه الرحلة المهمة، نجد أنفسنا عند مفترق طرق تاريخي مماثل، نشهد التحول الطموح الذي يقوده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد تحت القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، نجحت المملكة في تجاوز التغيرات السريعة بثبات ووضوح في الأهداف.
وقد جمع عهده بين الاستمرارية والإصلاح، حيث حافظ على الهوية والقيم مع تسريع وتيرة التحديث في مجالات الحوكمة والعدالة والبنية التحتية والخدمات الرقمية.
مع إطلاق رؤية 2030 تحت رعايته وبقيادة صاحب السمو الملكي ولي العهد، وفر الملك سلمان المظلة السياسية التي حولت الطموح إلى تنفيذ، من المشاريع الضخمة والإصلاحات التنظيمية إلى تمكين الشباب والمرأة.
على الصعيد الدولي، وضعت دبلوماسيته المتزنة والقائمة على المبادئ المملكة العربية السعودية في موقع القوة الداعية للتوافق، حيث حققت التوازن بين استقرار سوق الطاقة وتهدئة التوترات الإقليمية والريادة الإنسانية. وفوق كل ذلك، حافظت قيادة الملك سلمان على بوصلة البلاد ثابتة على الوحدة والخدمة والمرونة على المدى الطويل، مما يضمن أن التحول يقوي أسسنا الراسخة ولا يحل محلها.
من رمال الصحراء نبني منارة للاستقرار والازدهار
تاريخ المملكة العربية السعودية هو تاريخ تحول ملحوظ. من مساحات الصحراء الشاسعة التي كان أسلافنا يعتبرونها وطنهم، بنينا دولة تقف كمنارة للاستقرار والازدهار والتقدم في الشرق الأوسط. رؤية الملك عبدالعزيز، الذي وحد القبائل والمناطق المتباينة بحكمته ودبلوماسيته وتصميمه الثابت، أرست الأساس لما سيصبح أحد أكثر الدول تأثيراً في العالم.
على مدى العقود التسعة الماضية، تطورت المملكة العربية السعودية من مجتمع تقليدي في المقام الأول إلى دولة حديثة تلعب دوراً محورياً في أسواق الطاقة العالمية والشؤون الإسلامية والدبلوماسية الإقليمية. أدى اكتشاف النفط إلى تغيير المشهد الاقتصادي لدينا، ولكن حكمة قيادتنا هي التي ضمنت توجيه هذه الموارد نحو بناء مستقبل مستدام للأجيال القادمة من السعوديين.
رؤية ولي العهد الثورية
تحت القيادة الديناميكية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، شرعت المملكة العربية السعودية في أكثر التحولات طموحًا في تاريخها الحديث. وقد أظهر صاحب السمو الملكي أن القيادة الحقيقية لا تكمن في الحفاظ على الوضع الراهن، بل في امتلاك الشجاعة لتصوير وتنفيذ تغيير جذري من أجل تحسين حياة الشعب والوطن.
يمثل نهج ولي العهد في الحكم مزيجاً مثالياً بين احترام تراثنا الغني وتبني المستقبل بجرأة. وقد أدى فهمه لضرورة تنويع الاقتصاد السعودي لتقليل الاعتماد على النفط إلى مبادرات كانت تبدو مستحيلة قبل عقد من الزمن. اليوم، نشهد سعودية تقود فيها النساء السيارات، وتحضر الأحداث الرياضية، وتشارك بنشاط في القوى العاملة - وهي تغييرات تعكس فهماً عميقاً للاحتياجات المتطورة للمجتمع السعودي مع الحفاظ على قيمنا الإسلامية.
رؤية 2030: خطة التحول
تعد رؤية 2030 ربما أكثر برامج التحول الوطني شمولاً التي نفذتها أي دولة على الإطلاق. تتناول خارطة الطريق الطموحة هذه، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ثلاث ركائز أساسية ستحدد مستقبل المملكة العربية السعودية: مجتمع نابض بالحياة، واقتصاد مزدهر، ودولة طموحة.
التنويع الاقتصادي والابتكار
التحول الاقتصادي الجاري هو ثورة حقيقية. أصبح صندوق الاستثمارات العامة (PIF) أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، حيث يستثمر بشكل إستراتيجي في القطاعات التي ستحدد مستقبل الاقتصاد. من الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة إلى الترفيه والسياحة، تضع المملكة العربية السعودية نفسها في طليعة الصناعات الناشئة.
يمثل مشروع NEOM، وهو مدينة ضخمة بقيمة 500 مليار دولار يتم بناؤها في شمال غرب المملكة، جرأة الرؤية السعودية تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وستكون هذه المدينة المستقبلية، التي تعمل بالكامل بالطاقة المتجددة وتدمج أحدث التقنيات، بمثابة حقل تجارب للابتكارات التي يمكن أن تحدث ثورة في الحياة الحضرية على مستوى العالم. وبالمثل، يبرهن مشروع البحر الأحمر ومدينة القدية الترفيهية على التزامنا بإنشاء وجهات عالمية المستوى تجذب ملايين الزوار سنوياً.
وتضع المبادرة الخضراء السعودية والمبادرة الخضراء للشرق الأوسط، اللتين أطلقهما ولي العهد، المملكة في موقع الريادة العالمية في مجال الاستدامة البيئية. ويبرهن التزامنا بتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060 وزراعة 10 مليارات شجرة على أن رؤيتنا تتجاوز الازدهار الاقتصادي لتشمل الحفاظ على البيئة.
التحول الاجتماعي وتمكين الشباب
لعل الجانب الأكثر وضوحًا في التحول الجاري هو الإصلاح الاجتماعي الذي أطلق العنان لإمكانات جميع المواطنين السعوديين، ولا سيما النساء والشباب. وقد أدى إدراك ولي العهد بأن الأمة لا يمكنها تحقيق كامل إمكاناتها إذا ما استخدمت نصف رأس مالها البشري فقط إلى إتاحة فرص غير مسبوقة للمرأة السعودية في مجالات العمل وريادة الأعمال والقيادة.
أدى إنشاء الهيئة العامة للترفيه إلى تغيير المشهد الثقافي في المملكة العربية السعودية. اليوم، تستضيف مدننا حفلات موسيقية دولية وفعاليات رياضية ومهرجانات ثقافية كان من المستحيل تصورها قبل بضع سنوات. تعكس هذه النهضة الثقافية فهمًا أعمق بأن المجتمع النابض بالحياة ضروري لجذب المواهب والاستثمارات العالمية.
وضعت مبادرات تمكين الشباب سكان المملكة العربية السعودية من الشباب -الذين يشكلون أكثر من 60 % من مواطنينا- في مركز التنمية الوطنية. وتعمل برامج ريادة الأعمال والتكنولوجيا والابتكار على إعداد جيل من القادة السعوديين المستعدين لمواجهة التحديات العالمية.
القيادة الجيوسياسية الإستراتيجية
تحت قيادة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، برزت المملكة العربية السعودية كوسيط وقائد مهم في الشؤون الإقليمية والعالمية. وقد عزز دور المملكة في تسهيل الحوار بين الأطراف المتنازعة، وقيادتها في معالجة التحديات الأمنية الإقليمية، والتزامها بمكافحة التطرف، مكانة المملكة العربية السعودية على الصعيد الدولي. وقد أدى النهج العملي الذي يتبعه ولي العهد في السياسة الخارجية، والذي يركز على الحوار والتعاون والمنافع المتبادلة، إلى تعزيز العلاقات مع الدول في جميع أنحاء العالم. ومن رئاسة مجموعة العشرين في عام 2020، التي نجحت في توجيه العالم خلال المراحل الأولى من جائحة كوفيد - 19، إلى استضافة منتدى المبادرة الخضراء السعودية، تواصل المملكة إظهار ريادتها في القضايا ذات الأهمية العالمية.
الابتكار التكنولوجي والتحول الرقمي
تجد الثورة الصناعية الرابعة المملكة العربية السعودية في وضع جيد للغاية تحت قيادة ولي العهد. تؤدي الاستثمارات الضخمة في الذكاء الاصطناعي والروبوتات والبنية التحتية الرقمية إلى خلق اقتصاد قائم على المعرفة من شأنه أن يقلل الاعتماد على عائدات النفط مع خلق فرص عمل عالية القيمة للمواطنين السعوديين.
تعكس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA) وإنشاء العديد من المراكز التكنولوجية في جميع أنحاء المملكة نهجاً شاملاً للتحول الرقمي. لا تقتصر هذه المبادرات على مجرد اعتماد تقنيات جديدة، بل تهدف إلى وضع المملكة العربية السعودية في مكانة رائدة عالمياً في الاقتصاد الرقمي.
النهضة الثقافية والحفاظ على التراث
تدرك رؤية ولي العهد أن التقدم الحقيقي يتطلب تحقيق التوازن بين التحديث والحفاظ على التراث الثقافي. ويُظهر تطوير المواقع التاريخية مثل العلا والدرعية التزامًا بعرض التراث الثقافي الغني للمملكة العربية السعودية للعالم مع خلق صناعات سياحية مستدامة.
وقد أدى إنشاء الهيئة السعودية للأفلام ودعم الفنانين والمبدعين المحليين إلى إطلاق موجة من الإبداع الثقافي الذي يحظى باعتراف دولي. وتخدم هذه النهضة الثقافية أغراضًا متعددة: الحفاظ على تراثنا، وخلق فرص اقتصادية جديدة، وإبراز القوة الناعمة للمملكة العربية السعودية على الصعيد العالمي.
التحديات والآفاق المستقبلية
بينما نحتفل بإنجازاتنا، يجب أن نعترف أيضاً بالتحديات التي تنتظرنا. يتطلب التحول العالمي بعيداً عن الوقود الأحفوري، والمخاوف الأمنية الإقليمية، والحاجة إلى الحفاظ على التماسك الاجتماعي خلال التغيير السريع، كل ذلك يتطلب توجيها دقيقا. ومع ذلك، تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أظهرت المملكة العربية السعودية قدرة ملحوظة على التكيف والمرونة.
يضمن التطوير المستمر لرأس المال البشري من خلال إصلاح التعليم وبرامج تنمية المهارات أن يكون مواطنونا مستعدين لوظائف المستقبل. إن التركيز على خلق اقتصاد قائم على المعرفة، إلى جانب الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية، يضع المملكة العربية السعودية في وضع يتيح لها الازدهار في بيئة عالمية تتسم بتنافسية متزايدة.
أمة تولد من جديد
عندما نتطلع إلى المستقبل، نجد أن المملكة العربية السعودية في عام 2030 ستكون مختلفة تمامًا عن المملكة العربية السعودية اليوم. لا تشمل رؤية ولي العهد التحول الاقتصادي فحسب، بل تشمل أيضًا إنشاء مجتمع يوفر فرصًا غير مسبوقة لجميع مواطنيه مع الحفاظ على هويته الإسلامية وتراثه الثقافي.
لن يُقاس نجاح رؤية 2030 بالمؤشرات الاقتصادية فحسب، بل بجودة الحياة التي توفرها للأسر السعودية، والفرص التي تخلقها للشباب السعودي، والاحترام الذي تكسبه من المجتمع الدولي. تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، نشهد ظهور المملكة العربية السعودية الجديدة، التي تكرم ماضيها وتحتضن المستقبل بجرأة.
إرث في طور التكوين
في هذا اليوم الوطني، ونحن نحتفل بمرور 95 عامًا على توحيد المملكة، نشهد تحولًا لا يقل أهمية عن ذلك الذي حققه الملك عبد العزيز قبل قرن من الزمان. لا تمثل رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تغييرات في السياسات فحسب، بل إعادة تصور جذرية لما يمكن أن تصبح عليه المملكة العربية السعودية.
إن الإنجازات التي تحققت في السنوات الأخيرة - من التنويع الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي إلى الابتكار التكنولوجي والنهضة الثقافية - تثبت أن الرؤى الطموحة، عندما تقترن بقيادة حازمة ودعم شعبي، يمكنها بالفعل إعادة تشكيل الدول. ونحن نتطلع إلى عام 2030 وما بعده، ونحن على ثقة من أن الأسس التي يتم إرساؤها اليوم ستدعم الازدهار والتقدم للأجيال القادمة.
اليوم، نحتفل ليس فقط بإنجازاتنا الماضية، بل أيضاً بإمكاناتنا المستقبلية اللامحدودة. تحت القيادة الحكيمة لولي عهدنا، تكتب المملكة العربية السعودية فصلاً جديداً في قصتها الرائعة، فصلاً سيُلهم الدول ويكون نموذجاً للتحول في العالم الحديث. نسأل الله أن يبارك مملكتنا الحبيبة ويهدي قادتنا نحو إنجازات أعظم في خدمة شعبنا والإنسانية.
عاشت المملكة العربية السعودية! عاشت قيادتنا الحكيمة!
** **
- م. سعود بن ماجد بن عبدالعزيز بن فيصل الدويش