الفكر نتاج عمل العقل البشري، وهو إعمال العقل بالتأمل فيما يؤمن به الفرد لخير نفسه ومجتمعه، وهو عملية ذهنية تتضمن ترتيب الأمور والمعلومات المتاحة للوصول إلى استنتاجات أو حلول لمشكلات، ما ينتج عنه قوة مرتكزات المجتمع ونهضته وتقدمه، وتلك هي البدايات لبناء فكر ينهض بالوطن والمواطن.
ولقد أدرك الملك عبد العزيز أن بناء الوطن لا يتحقق بالقوة المادية وحدها، بل بالفكر الذي يوحّد؛ فشرع في توحيد دولة ترتكز على الشريعة والعدل، غايتها الأمن والاستقرار، وجعل من المواطن ركيزة أساساً في مشروع التوحد؛ هذا الفكر السعودي هو الذي مهّد الطريق للأجيال اللاحقة لتتحمل مسؤولية البناء والتنمية، وهو ما يتجدد اليوم بالاحتفاء باليوم الوطني الخامس والتسعين للمملكة العربية السعودية، مناسبةً وطنية تستحضر فكر الملك الموحِّد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- والذي وضع اللبنات الأولى لدولة موحدة قوية تستند إلى العقيدة الراسخة والقيم الأصيلة، وتستنير في سيرها بنبراس جهوده الجبارة في بناء الدولة السعودية ونهضتها، في الوقت ذاته، يبرز هذا اليوم دلالة عميقة على امتداد ذلك الفكر السعودي إلى حاضرٍ واعدٍ بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الأمين، الذي أعاد صياغة موقع المملكة إقليميًا وعالميًا.
وامتدادًا لذلك الفكر السعودي، جاء فكر الأمير محمد بن سلمان ليصوغ رؤية السعودية 2030 بوصفها مشروعًا وطنيًا استباقيًا يوازن بين الأصالة والتجديد؛ فهي ليست مجرد خطة تنموية، بل تجسيد لفكر استشرافي يتعامل مع التحديات بجرأة، ويحوّلها إلى فرص، ويقدّم للمملكة نموذجًا عالميًا في الابتكار والاستدامة يصدّر لتستفيد منه البشرية جمعاء.
هذه الرؤية تعكس إيمان سموّه بأن الفكر السعودي قادر على أن يكون مؤثرًا على مستوى العالم، من خلال مشاريعَ نوعيةٍ متفرِّدةٍ مثل: نيوم، مشروع البحر الأحمر، الرياض الخضراء، مشروع القديّة، بوابة الدرعية، تطوير العلا، السودة، مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية، مشروع الرياض آرت، مشروع المسار الرياضي، ومشروعات مبادرة السعودية الخضراء، وغيرها من مشاريع المملكة المختلفة، واستضافة كأس العالم لعام 2034، إكسبو 2030، التي أصبحت علاماتٍ فارقةً في التنمية العالمية.
ويُظهر للمتأمل في مسيرة المملكة العربية السعودية أن الفكر السعودي لم يعد مجرد منظومة قيمية محصورة في الماضي، بل تحوّل إلى قوة دافعة للتغيير والبناء والابتكار، فمشاريع رؤية السعودية 2030، لم تساهم في إعادة تشكيل البنية الاقتصادية للمملكة فحسب، بل أسهمت في إعادة تشكيل وعي المواطن والمقيم معًا. فالمواطن بات يشعر أن كل إنجاز وطني يخصه مباشرة، ويعد نجاح المشاريع انعكاسًا لنجاحه الشخصي فأصبح المواطن أكثر وعيًا بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، وأكثر اعتزازًا بانتمائه الوطني، نعم أصبح شريكًا فاعلًا في صياغة الحاضر والمستقبل. والانخراط في منظومة السياسات التي تهدف إلى رفعة المملكة عالميًا. فقد جعله وعيه المتنامي بالمسؤولية حريصًا على اكتساب المعرفة والالتزام بالأنظمة والقوانين، وتمثيل وطنه بصورة مشرّفة، بما يعزز الصورة الذهنية الإيجابية عن المملكة. أما المقيم، فقد وجد في هذه البيئة المتطورة مجالًا رحبًا للإسهام والإبداع والمشاركة، ما يؤكد البعد الإنساني والعالمي للفكر السعودي.، فالرؤية سعودية الفكر، عالمية الأثر.
فالمواطن اليوم ليس منفّذًا وحسب، بل هو شريك في صناعة التحوّل، ومسهم في صياغة الصورة الذهنية الإيجابية عن المملكة. هذا الوعي انعكس على أنماط السلوك في الحياة اليومية، بدءًا من احترام القوانين، إلى تعزيز ثقافة العمل والإنتاج، وصولًا إلى الابتكار والمنافسة العالمية، تميز الفكر السعودي المعاصر بقدرته على استباق الأحداث وصناعة المبادرات والمشاريع الكبرى المتفردة على مستوى العالم، لم تعد مجرّد مخططات اقتصادية، بل أصبحت نماذج عالمية في الاستدامة، والابتكار، والتحول الرقمي. هذه المشاريع تعكس جوهر الفكر السعودي الذي يستند إلى التاريخ العريق، وينفتح على المستقبل الرحب، ليقدّم للعالم نموذجًا استثنائيًا في التنمية الشاملة. فالفكر السعودي أصبح اليوم فكراً وطنياً عالمياً في آن واحد؛ وطنياً بانتمائه وأصالته، عالمياً بعمقه وانفتاحه.
وعليه، لن يغدو اليوم الوطني الخامس والتسعون مجرد ذكرى توحيد، بل أصبح برهانًا حديثًا على أن الأمة التي وحّدت ترابها بالأمس، توحّد اليوم فكرها ومستقبل أجيالها.
نعم لدينا نحن السعوديين لدينا فكر أصيل وممتد يصنع التاريخ؛ فهو ليس حالة عابرة، بل مسيرة ممتدة منذ قيام الدولة السعودية ودخول الملك عبدالعزيز الرياض ومن ثم توحيد البلاد على أسس راسخة، وصولًا إلى عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز وسيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله، الذي يقود الوطن برؤية استشرافية نحو آفاق أرحب، حيث تتلاقى الأصالة مع الحداثة، ويتعانق الماضي العريق مع المستقبل المُشرِق، لتبقى المملكة نموذجًا حضاريًا عالميًا رائدًا.
** **
- البندري بنت حاكم الفغم