في الثالث من شهر ربيع الآخر من كل عام، يقف أبناء المملكة وقفة وفاء وتجديد، يستحضرون فيها ذكرى البيعة المباركة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-. وها نحن اليوم نعيش الذكرى الحادية عشرة لهذه البيعة، نستعيد معها مسيرة قائد جعل من التعليم أساسًا للتحول، وركيزةً راسخة في بناء الإنسان وصناعة مستقبل هذا الوطن.
منذ أن اعتلى الملك سلمان عرش المملكة، حمل على عاتقه رسالة واضحة: أن نهضة الأمم تبدأ من قاعات الدرس، وأن الاستثمار الحقيقي هو في الإنسان. فبإشرافه ودعمه المباشر، أصبح التعليم مشروعًا وطنيًا متكاملًا، يرتكز على تطوير المناهج، والعناية بالمعلم، وتشييد صروح تعليمية حديثة، وصياغة بيئة تعليمية تليق بتطلعات المملكة وتوجهاتها الطموحة.
المناهج الدراسية حظيت بعناية فائقة في عهد الملك سلمان، إذ أُعيدت صياغتها بما يتناغم مع تطلعات رؤية المملكة 2030، فأصبحت أكثر تفاعلًا مع العلوم الحديثة كالذكاء الاصطناعي والبرمجة، وأكثر قربًا من واقع الطلاب وحياتهم اليومية. لم يعد التعليم حشوًا للمعلومات، بل غدا ممارسةً للتفكير النقدي، وتنميةً لمهارات الابتكار وريادة الأعمال، ليخرج الطالب متسلحًا بالعلم والمعرفة والقدرة على المنافسة عالميًا.
وفي هذا التحول، وجد المعلم مكانته محفوظة ورسالته معززة. فقد أدرك الملك سلمان أن المعلم هو حجر الزاوية في أي عملية تعليمية ناجحة، لذا جاءت التوجيهات الكريمة بدعمه وتمكينه. فأطلقت وزارة التعليم برامج تدريبية متقدمة، واستقطبت خبرات عالمية لتأهيل المعلمين والارتقاء بقدراتهم، كما أولت القيادة اهتمامًا بأوضاعهم المعيشية والوظيفية، لتبقى رسالتهم التربوية مصدر إلهام للأجيال.
أما على صعيد البنية التحتية، فقد شهدت المملكة في عهد الملك سلمان نهضة واسعة في إنشاء المدارس الحديثة والجامعات والمراكز البحثية. صروح تعليمية بُنيت وفق أحدث المعايير العالمية، مجهزة بمختبرات متطورة وقاعات ذكية، تمنح الطالب بيئة تعليمية محفزة على البحث والتجريب. ومع تجربة التعليم الإلكتروني، ولا سيما عبر منصة «مدرستي»، أثبتت المملكة أنها قادرة على ضمان استمرارية العملية التعليمية حتى في أصعب الظروف، لتغدو نموذجًا عالميًا يُشاد به.
ولم يقف الدعم عند حدود المدن الكبرى، بل امتد إلى القرى والهجر والمناطق النائية، حيث أنشئت مدارس متكاملة توفر فرصًا متساوية للتعليم لكل أبناء الوطن. كما واصل الملك سلمان دعمه لبرامج الابتعاث الخارجي، فاتحًا أبواب الجامعات العالمية أمام شباب الوطن، ليعودوا بخبرات وتجارب تعزز التنمية وتسهم في بناء اقتصاد معرفي متين.
الجامعات السعودية في عهده سجلت حضورًا عالميًا متقدمًا، بفضل تخصيص ميزانيات سخية للبحث العلمي، وتوسيع الشراكات مع مؤسسات تعليمية مرموقة حول العالم، وربط مخرجات الجامعات بمتطلبات سوق العمل والاقتصاد الوطني. وهكذا أصبح التعليم مساهماً رئيسياً في النهضة الاقتصادية، وركيزة لتحويل المملكة إلى مركز إقليمي وعالمي للمعرفة والابتكار.
إن ذكرى البيعة الحادية عشرة ليست مجرد مناسبة بروتوكولية، بل هي عهد يتجدد بالوفاء والولاء، واستحضار لمسيرة ملك وضع التعليم في قلب التنمية. إنها وقفة نجدد فيها الإيمان بأن بناء المستقبل يبدأ من بناء الإنسان، وأن كل طالب ومعلم ومبنى مدرسي هو لبنة في صرح الوطن الكبير.
وفي هذه المناسبة الغالية، يرفع أبناء المملكة أسمى معاني الشكر والعرفان لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، على ما أولاه من عناية بالتعليم والمعلمين والطلاب، سائلين الله أن يحفظه، ويديم على وطننا نعمة الأمن والعز والرخاء، ويبارك في مسيرته المضيئة نحو مستقبل يليق بعظمة هذا الوطن.
** **
- عبدالله بن حمد الدريويش