قد نعود لذاكرتنا القديمة، للحظاتنا الغابرة، للوجوه التي ظننا أننا تجاوزناها، الوجوه التي ظننا أننا في مأمنٍ بعيدٍ عنها. لكننا نعود كمن يريد أن يكشط عن جراحه بفعلِ التعب. فليست كل عودة لنا ستكون غامرة برحابة اللحظة وحفاوتها.
قبل كلِ بدايةٍ لنا، تحوم حول رأسنا الأفكار وتنهمر دفعةً واحدة، حينها لن يكون أمامنا سوى المجازفة والسير نحوها، ونحن محملين بالفضول والترقب عن ماذا سيحدث بعدها؟
لطالما أثارتنا التساؤلات، من يستطع أن يضع مسافةً ذكية بينه وبين أناه؟ مسافةً تحفظ شرارة اللحظة من انطفاء الشعور وضياعه!
ما الذي يعيدنا دومًا إلى نقطة الصفر، بعد كل غيابٍ آسن؟
عليّنا أن نعلم يقينًا بأن الحياة لا تعود إلى الوراء، لا تكلف على نفسها عناء الالتفات، واهدار الفرصة تلوّ الأخرى والأخرى. إذًا لماذا كل هذا الاصرار بإعادة ما كان؟ وما لم يكن! وكأن هذه البسيطة لم تعد تغرينا، وبات ماضينا بما فيه من جنون، وتعب، وأفراح، وأتراح هو ملجأنا الوحيد من غرابة الحاضر وتسارعه.
ذاكرتنا ترمي بظلالها على كل ما يمكنه أن يعيدنا لواقعنا بأنانيةٍ مفرطة، تضربنا بذكرياتنا اللذيذة، فنتوقف فجأة عن أخذ أنفاسنا، لنعود لمصارعة ذواتنا في كل مرّة دون هوادة رغمًا عن كل تخطي قد صرحنا به.
** **
- سلمى الجابري