حاوره - د. بسام بركة:
تستضيف «الجزيرة الثقافية» في هذا العدد الدبلوماسي والمفكر الفرنسي الدكتور: لويس بلين، الذي وُلد في مدينة مرسيليا، ويحمل إلى جانب شهادة الدكتوراه في التاريخ المعاصر عدة شهادات جامعية، منها دبلومات في علم اجتماع المغرب والشرق الأوسط، والاقتصاد العالمي، واللغة العربية، وغيرها. ذلك أنه يُكرّس حياته كلها للعرب والإسلام، وذلك منذ ريعان شبابه. فقد درّس الفرنسية في سوريا وفي الجزائر، وقام بأبحاث علمية معمقة في مصر، ثم عمل دبلوماسيًا في أبو ظبي، والإسكندرية، وجدة، وغيرها. لكن الأهم من ذلك كله أنه وضع العديد من الأبحاث القيمة والمؤلفات الرصينة في قضايا البترول والشرق الأوسط وفلسطين، كما في «رؤية» كبار المفكرين الفرنسيين للعرب ودينهم. التقى د.بركة ود. بلين في العاصمة الفرنسية باريس، وكان بينهما هذا الحوار.
* الدكتور لويس بلين، أنت خبير كبير في اللغة العربية والإسلام. ولكنك تعيش أيضًا حياة الرجل الدبلوماسي، فأنت كنت مسؤولاً في وزارة الخارجية الفرنسية بشكل خاص عن قضية إسرائيل والأراضي الفلسطينية وعملية السلام في الشرق الأوسط. هل يمكنك أن تخبرنا كيف أصبحت مهتماً بالشرق عمومًا وبالإسلام واللغة العربية خصوصًا؟ أيٌّ منهما، الدبلوماسية أم التاريخ والأدب، أوصلك إلى الآخر؟ باختصار، هل يمكنك أن تُلخّص لنا مسار حياتك «العربي والمسلم»، إن جاز التعبير؟
عندما كنت في مقتبل العمر، وبعد حصولي على شهادة البكالوريوس، رغبت في تغيير الأجواء المحيطة بي، فغادرت إلى الجزائر، البلد الذي سحرني ترحيبه، والذي ذكَّرني بمسقط رأسي، مدينة مرسيليا. هناك، بدأت تعلم اللغة العربية، ثم واصلت دراستها بعد ذلك في جامعة باريس. وفي الوقت نفسه، قمت بتحضير رسالة الدكتوراه في التاريخ المعاصر، وكان موضوعها عن الجزائر. ثم ذهبت إلى سوريا وبعدها إلى مصر حيث عملت مدرساً، ثم باحثاً... ثم بدأت العمل الدبلوماسي، وكان ذلك منذ ثلاثين عاماً. لقد عملت على التوالي في دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية والمغرب. وفي باريس، كنت أتعامل بشكل رئيس مع فلسطين، البلد الذي تتحدر منه زوجتي. ومنذ البداية لم أتوقف قط عن نشر المقالات والكتب عن العالم العربي وعن الإسلام.
* لقد قمت بالعديد من الأبحاث ونشرت كتبًا كثيرة، وفي معظمها إن لم يكن كلها أنت تدرس الوضع الراهن في الدول العربية. ولكنك تعرضت كذلك لرؤية كبار المفكرين الفرنسيين المتعلقة بالإسلام والمشرق العربي. هل يمكنك أنْ تُحدّد لنا الرؤية «الفرنسية» في هذا المجال؟
تملك فرنسا ثقافة موقعها الجغرافيّ، الذي تتأرجح فيه بين جوارها المتوسّطيّ في الجنوب وجيرانها الجرمانيين في الشرق والشمال. ولكن أجيالها الجديدة الراهنة تتحول إلى الغرب، إلى الأمركة وتقليد الأمريكان، مما يجعلها تفقد جذورها، وهذا ما يفسر تحللها الثقافي اليوم، وهذا التحلل مصدرُ مشكلات خطيرة تتعلق بالهوية. أما العروبة والإسلام فقد تغلغلا في الثقافة الفرنسية قبل الهجرات الكبرى المعاصرة بفترة طويلة، كما يظهر في الأعمال التي كرستها لعلاقة ثلاثةٍ من أعظم كتابنا بالإسلام، وهم: «ألفونس دي لامارتين»، و»ألكسندر دوما»، و»فيكتور هوغو». واليوم يقوم الفرنسيون العرب -أو العرب الفرنسيون- بدورهم بدعم الثقافة الفرنسية وإثرائها. لقد كتب «لامارتين» قبل ما يقرب من قرنين من الزمان: «التنوع هو السمة الأساسية والجوهرية لفرنسا». لقد اصطدمت هذه النزعة الإنسانية الراقية دائمًا بدوافع عنصرية، خاصة خلال الفترة الاستعمارية، ولكن كذلك في يومنا هذا. نعم، التاريخ صراعٌ مستمر.
* هل ترى أن هذه الرؤية التي تتأرجح بين القبول والرفض، بين الإعجاب والنفور، هي أيضًا رؤية تشترك فيها أوروبا كلها؟ أليس لدى الألمان مثلاً، أو الإنجليز، موقف مختلف أو متميّز تجاه الإسلام والمشرق العربي؟
يشترك الأوروبيون بمجملهم في الافتتان بالحضارة الإسلامية العربية ممزوجٍ بالنفور منها. إنهم يشعرون بشكلٍ غامض أن هذه الحضارة وثقافتهم يشكلان وجهين لعملة واحدة، أي أنهما خليط من أوجه التشابه والاختلاف. فالمشرق العربي يمثل بالنسبة إليهم هذا الآخر الذي تُتيح لهم معرفتُه اكتشافَ أنفسهم وتحديد هويتهم. وبما أن المشرقيين سبقوهم في الحضارة كما سبقوهم في التوحيد، فقد كان عليهم أن يعترفوا بتبعيتهم لهم. فما كان منهم إلا أن حاولوا درء هذا الموقف عبر الهيمنة، وعبر تحويل الاختلافات إلى تسلسلات هرمية.
أنا أرى أنه يتعين على الديمقراطيات الأوروبية أن تعود وتتبنّى الموقف القائم على التسامح وقبول الآخر، وهو الموقف الذي كوّنا العامل الرئيس في نجاح الحضارة العربية الإسلامية على مرّ العصور. وأنا مؤمن بأنه يمكن للأوروبيين المسلمين أن يقوموا بدور فعّال في هذا الأمر.
* في القريب، ستصدر «المنظمة العربية للترجمة»(بيروت) الترجمة العربية لكتابك «فيكتور هوغو والإسلام». ما هو موقف هذا الشاعر الكبير والعبقري من الإسلام؟ ما الجديد أو الأصلي الذي سيقدمه هذا الكتابُ للقارئ العربي؟ وماذا يعني لك صدور أحد كتبك باللغة العربية، تلك اللغة التي تعلمتها فأحببتها؟
لقد كرّستُ حياتي المهنية بأكملها للتقارب الفرنسي - العربي. ولكن للأسف من دون الوصول إلى نتيجة ناجعة أو بلوغ نجاحٍ مقبول. أنا أتوجه في إصداراتي قبل كل شيء إلى ما يُسمّى في فرنسا باسم «الجمهور العامّ المثقف»، الذي يحيرني جهلُه الكبير بالعرب والإسلام، خصوصًا وأنّ الثقافة الفرنسية المعاصرة تجد صعوبة في الاعتراف بالعنصر العربي والإسلامي الذي يُكوّنها. فالعنصرية تنشأ من الجهل، وفي فرنسا هناك عنصرية خصوصًا ضد الفرنسيين من أصل عربيّ أو مُسلم. وهؤلاء يجدون في آخر أعمالي مادة لدرء هذا السم، لكونهم يستطيعون أن يفخروا بالاحترام الذي يكنّه كتابنا العظماء لجذورهم الثقافية والدينية. وكما أن جيل إنهاء الاستعمار قام بتحويل مبادئ الحرية ضد المستعمرين، فإنّ الفرنسيين من أصلٍ عربي إسلامي قادرون اليوم على تذكير منتقديهم من مواطني فرنسا بثقافتهم العريقة، التي يبدو أنهم نَسوها.
إن الترجمة العربية لكتبي يُمكن أنْ تتيح أخيراً للعرب الآخرين، الذين يشعرون بخيبة أمل من فرنسا الحالية، أنْ يفهموا بشكل أفضل القِيم العالمية التي رَوّجَت لها في الماضي، بما في ذلك احترام الإسلام والمسلمين والإعجاب بثقافتهم. وعلى هذا فلسوف يكون بوسع الجميع أنْ يميزوا بين حبّ الإسلام والإعجاب به عند فيكتور هوجو وبين كراهية الإسلام في فرنسا اليوم، وأن يروا أنّ هذه الكراهية بعيدة كل البعد عن أن تكون عامة.
* دعنا نعود إلى الشاعر العظيم فيكتور هوغو. ما الذي دفعه إلى أن يلتفت إلى الشرق ويهتم بالإسلام؟ ومتى حصل ذلك في مسار حياته الأدبية؟
لم يتلق فيكتور هوغو تعليمًا دينيًا في طفولته، لكنّ سعيه الروحي بدأ مبكرًا جدًا. فالبحث عن الله شغل حياته وعمله بالكامل، ذلك أنه ساوى الشعراء بالأنبياء، وكان يعتقد أن الله يسكنه. كان هوغو مؤمناً إيمانًا عميقًا، ولكنْ من دون أن يحصر نفسه في دين معين، بل كان يحلم بدين خالٍ من الأديان. وقد دفعه غرق ابنته ليوبولدين إلى محاولة فهم السبب الذي جعل الخالق يسمح بوجود الشر. فبحث عن الجواب في القرآن الكريم، ووجد فيه الأجوبة عن الأسئلة التي يطرحها هو في شعره والتي تتعلق بالآخرة والروحانية والتصوّف. والحقيقة أنّ شعره يتضمّن أجمل الصفحات التي ألفها مفكّر غير مسلم عن روحانية الإسلام. لكنّ النقاد لم يسلطوا الضوء بما فيه الكفاية على المكانة التي يحتلها هذا الدين في أعماله.
* بعد أن اكتشف هوغو الإسلام وكتب عنه أجمل ما قيل فيه، كما تقول، هل قام بزيارة بلدٍ من البلاد الإسلامية؟ وما كانت آثار هذه الزيارة في أعماله؟
لم يكن فيكتور هوغو يهتمّ بالمسلمين، ولم يفكر بتاتًا في زيارة الشرق، على عكس العديد من الرومانسيين الآخرين. كانت الروحانيات هي التي تجذبه وحسب. وهذا يدلّ على حدود ولعه بالإسلام، فهو لم ينتفض، على سبيل المثال، ضد انتهاكات الجيش الفرنسي في الجزائر. وربما لم يكن على علم بالكارثة التي سبّبها الاستعمار في العلاقات بين الشرق والغرب. وهو لم يهتم كثيرًا بالعقيدة لكونه لم يكن يثق في الأديان كلها. لكنه استلهم السيرة النبوية التي نشرها صديقه لامارتين، وهي مقتبسة من سيرة ابن هشام. كان النبي محمد مصدر إلهام ونموذجًا لفيكتور هوغو الذي كان يعتقد أنه مُكلَّف بالرسالة النبوية في عصره.
* لقد وضع هوغو ديوانًا شعريًا كبيرًا بعنوان «أسطورة العصور». كيف يُعالج فيه موضوع الإسلام؟
لقد أراد هوغو أن تكون «أسطورة العصور» ملحمة الإنسانية، ولذلك خصّص فيها فصلاً للإسلام. كان ذلك بمثابة الخروج عن التيار العام الذي كان يستبعد هذا الدين من الحضارة الفرنسية وتاريخها. لقد أوضح هوغو بشكلٍ رائع أنّ الإسلام جزءٌ لا يتجزأ من التراث الثقافي الفرنسي، في ذلك الوقت الذي أُضيف فيه الطابعُ العرقي على هذا الإسلام لاستبعاده من الهوية الفرنسية.
* هناك من يقول إن هذا الشاعر الكبير قد اعتنق الإسلام قبل وفاته بأربع سنوات، وإن مؤامرة قد جرت لإخفاء هذه الواقعة. ما رأيك؟ هل هذا صحيح؟
هوغو هو الكاتب الفرنسي الأكثر قراءةً وتعليقًا. والقرآن ونبيه يُذكران في أعماله ما يُقارب مائة مرة. لماذا كان علينا أن ننتظر حتى عام 2023م كي نلاحظ ذلك، مع نشر كتابي «فيكتور هوغو والإسلام»؟ يمكننا أن نفهم أن بعض الناس يتحدثون عن مؤامرة، في السياق الحالي للإسلاموفوبيا. الواقع عاديّ أكثر مما يتصوّرون. إن عصرنا يجد صعوبة في قبول رسالته وهي: ليس من الضروري أن تكون مسلماً لتحترم الإسلام. هو لم يفكر قط في اعتناق الإسلام، ذلك أنه كان يرفض أيَّ انتماء لأيّ دينٍ مهما كان. وله في هذا الصدد عبارة بليغة هي: «أنا أؤمن بالله مباشرة». المهم ليس أن نعرف هل أسلم في آخر أيام حياته أم لا، بل المهم أن نقدّر ما جلبه إلى علاقات الأخوّة بين الشرق والغرب. إن الجسر الشعري الذي أقامه فيكتور هوغو بينهما يجعل منه نوراً يضيء في ظلمات المواجهة بينهما.
* و»لامارتين»، هذا الشاعر الفرنسي العظيم الذي ينتمي إلى أواخر القرن التاسع عشر، لقد خصّصت أيضاً عملاً من أعمالك لتقديم علاقاته بالإسلام، أليس كذلك؟ كيف تُحدّد هذه العلاقات، خاصة أن «لامارتين»، على عكس «هوغو» الذي لم تطأ قدماه بلاد المشرق، قد سافر إلى لبنان وسوريا وفلسطين؟
من بين هذين الكاتبين الكبيرين المفتونين بالدين الإسلامي وبنبيّه، لامارتين هو وحده الذي يعرفه الشرقيّون، كما تقول. «لقد كشفوا لنا السماوات»، هذا ما كتبه هذا الشاعر والسياسي الكبير لدى عودته من رحلته إلى الشرق، وقد قال ذلك من أجل أن يُقنع قرّاءه بأن عداءهم لأبناء هذه الحضارة لا أساس له من الصحة. لقد كان يشعر وكأنه واحد منهم بعد أن اكتشفهم وأحبهم. كان لهذا الإنسانوي بلا حدود الشعار التالي: «لوني أنا من لون المضطهدين». لقد أطلقت عنواناً على الكتاب الذي أهديته له «لامارتين، وسيط الإسلام» للتأكيد على أهمية هذا الرجل الذي كان في الوقت نفسه أديبًا ورجل دولة (كان وزيراً للخارجية)، وعلى دوره الكبير في مكافحة ما يُسمّى اليوم بصراع الحضارات، وهو في الحقيقة صراع الجَهَلة. أنا أسلط الضوء في كُتبي على ما ينطبق لدى هذين الكاتبين على الأحوال الراهنة، ليس كي يعتقد القراء أن عالميتهم تنتمي إلى الماضي الغابر وحسب، بل على العكس من ذلك، كي يتبنّوا رسالتهما من أجل تكوين مجتمع اليوم تكوينًا أفضل: الثقافة مثل الدراجة، إذا لم تستمر في تحريك الدوّاستين فإنها ستقع وأنت معها. أنا أدعو القراء إلى ركوب الدراجة معي.
* ما هي الصورة التي لديك عن الإسلام؟ تاريخيًّا واليوم؟
الإسلام، من ناحية، عقيدةٌ وروحانية خالدة، ومن ناحية أخرى، هو دينٌ وثقافة تطورا مع مرور الزمن. إن الخلط بين هذين الخطين المتكاملين يقود المسلمين أحيانًا إلى اضطراب في الهوية كما يقود غير المسلمين إلى الخلط بين الإسلام الذي هو الدين الحنيف والحركات الإسلاموية، التي تستخدم الدين الإسلامي بغية أهداف سياسية بحتة. في رأيي، تنطوي الحداثة الإسلامية على عدم تسييس الإسلام، أي في الابتعاد عن إخضاعه للممارسات السياسية كما في المصالحة مع تاريخه. ولا بدّ كذلك من أن يحلّ النهج العقلاني وإعمال الفكر في أمور الدنيا محلّ التاريخ المقدس، متبعين بذلك الحديث الشهير: «اطلبوا العلم ولو في الصين»، وبالتالي، ضمنيًّا، هناك ضرورة لاستخدام العقل والعمل على تحصيل المعارف ولو كان ذلك خارج «ديار الإسلام».
* من خلال قراءتك لتاريخ المنطقة ولواقعها الراهن، ما هي رؤيتك لمستقبل العالم العربي عمومًا، ومنطقة الخليج خصوصًا؟ وما هي الآراء التي يمكن أن تقدمها لشباب هذه المنطقة من أجل بناء مستقبل زاهر لهم ولأبنائهم؟
إذا عدنا إلى الارتباط التاريخي لدول هذه المنطقة فيما بينها لرأينا، فوق ذلك، أنه من دون تسوية مسألة اليمن من خلال اندماج هذا البلد في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ووفقاً لطرائق معينة وحسب جدول زمني لا بد من تحديده، فإن المنطقة كلها لن تصل إلى الاستقرار المنشود والازدهار. وهذا يتطلب تكييف العروبة مع الحداثة التي استوردتها بتكلفة باهظة. علينا أن نتذكر أنّ اليمن تمثّل -تاريخيًّا- نقطة انطلاق العروبة في شبه الجزيرة. من ثم نفهم أن القضية ذات الأولوية التي يتعين حلّها ليست قضية اقتصادية أو سياسية بقدر ما هي قضية ثقافية. وفي نظري، يخطئ مواطنو «دول الخليج» إذا اعتقدوا أن عليهم أن يختاروا بين الحداثة «العالمية» («الغلوبش»، أي المتأمركة) وبين التقاليد العربية العتيقة المتخلفة التي يَتَّهم الكثيرُ منهما ليمنيّين بالتمسك بها.
إن التوليف بين الحداثة «العالمية» والحداثة «العربية-الإسلامية»هو ما سيجعل من سكان الجزيرة، وكذلك من سكان الدول العربية كلها، عرباً معاصرين يسيرون في ركب حضارة القرن الحادي والعشرين. إن المجتمع الاستهلاكي المتأمرك لا يمكن أن يشكل النموذج الأمثل لهم بقدر ما لا يمكن أن يشكل الإرثُ الذي حُوِّل إلى أشياء وماديات مثل هذا النموذج. بالتوليف بين هذين الاتجاهين يمكن أن تتشكل ثقافة الغد بالنسبة إلى العرب. كما أنّ المعرفة ثم المصالحة مع التاريخ تشكلان شرطاً مسبقاً وضرورياً لتنفيذ هذا التوليف بين الاتجاهين، تماماً كما شكلت تهدئة النزاعات التاريخية القوة الدافعة وراء تشكيل «الاتحاد الأوروبي». ومن هذا المنظور، تظل الثقافة الفرنسية الكلاسيكية مرجعًا ومثالاً يُحتذى.